Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

هل يمكن أن يحدث انتعاش على شكل حرف V؟

جيم أونيل

لندن- منذ مارس/آذار، كنت أكثر تفاؤلاً بشأن إمكانية حدوث انتعاش من الانكماش الناجم عن الوباء "على شكل حرف V"، مقارنة مع المعلقين الآخرين (على الرغم من أنني حذرت باستمرار من التحديات الهيكلية التي ستواجه العديد من الاقتصادات في العقد المقبل). وحيثما أعبِّر عن هذا التفاؤل، أتلقى رداً يقاومه، نظراً إلى عمق الأزمة الحالية وحجمها. ومع ذلك، بينما نحن في مرحلة انتقال إلى شهر يوليو/تموز، لا تزال العديد من المؤشرات الكلاسيكية الرائدة والمتزامنة على المدى القصير، تشير إلى حدوث انتعاش على شكل حرف V، ويشير إلى ذلك أيضاً كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، آندي هالدين.

وعلى الرغم من المضاعفات التي أثارتها جائحة كوفيد-19، فإنَّ نفس المؤشرات الأسبوعية والشهرية التي اعتمدتُها منذ فترة طويلة، تظلُّ مُجدية لفصل الإشارة من الضوضاء. وخلال الأيام الأولى التي توليت فيها منصب كبير الاقتصاديين لدى شركة Goldman Sachs (غولدمان ساكس)، ساعدتُ على تطوير "مؤشر أداء الاقتصاد العالمي"، الذي صُمِّمَ ليكون متساوياً مع مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الطويل الأمد من حيث الدقة، ولكن أسرع منه، وكذلك أكثر تنبؤاً منه بسلوك السوق المالية.

ومنذ أن تركتُ الصناعة المالية قبل سبع سنوات، وأنا أواصل مراقبة مكوِّنات المؤشر العالمي الرائد المتاحة علناً كلَّ شهر. وتشمل هذه المكونات مؤشرات مديري المشتريات الصناعية الأمريكية، وطلبيات جديدة متعلقة بالمخزونات، والمطالبات الأسبوعية بالحصول على إعانات البطالة في أمريكا، والاستطلاع البلجيكي بشأن الثقة بالأعمال التجارية؛ وأرقام الصادرات الشهرية لكوريا الجنوبية. وللحصول على تلميحات إضافية حول حالة الاقتصاد العالمي، يمكن للمرء، أيضاً، متابعة استطلاعات مؤشر مديري المشتريات المعروفة التي تجريها دول أخرى، إضافة إلى استطلاعات شهرية مثل مؤشر أيفو للمناخ التجاري في ألمانيا. ومن الأهمية بمكان أنَّ الصين موجودة في العديد من المؤشرات المماثلة، وعلى العموم، فهي أكثر موثوقية مما يعتقد منتقدو تلك الدولة.

وتضاف إلى هذه المؤشرات الرائدة والمتزامنة على المدى القصير تلك المتعلقة بالظروف المالية على نطاق أوسع. إذ منذ أواخر فبراير/شباط حتى مارس/أذار، عندما كان كوفيد-19 يتجه نحو كوريا الجنوبية وإيطاليا، ردت الأسواق المالية على الإدراك الواسع النطاق بذلك، بأنَّ الأزمة ستصل إلى مستويات وبائية. إذ عانت أسواق الأسهم من انخفاض حاد، وأصبحت الظروف المالية العالمية صعبة بصورة ملحوظة.

ونتيجة لذلك، انهارت جميع المؤشرات العالية التردد المذكورة آنفاً. إذ في مارس/أذار، وإبريل/نيسان، تراجعت صادرات كوريا الجنوبية تراجعاً حاداً، وانهارت مؤشرات مديري المشتريات في كل مكان، وارتفعت البطالة في العديد من البلدان (خاصة الولايات المتحدة) على الرغم من المبادرات الهائلة التي قدمتها العديد من الحكومات لتخفيف الضربة. وقد أتت هذه الاتجاهات بصورة متوقعة بعد الانتشار المفاجئ لـكوفيد-19 في جميع أنحاء العالم المتقدم، حيث ارتفعت معدلات الإصابة، واتخذت تدابير الإغلاق على المستوى الاقتصادي.

ومنذ ذلك الحين، انتشر الوباء عبر الاقتصادات الناشئة والنامية، وكذلك عبر أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة. وقد أعطى الحجم الهائل لحالة الطوارئ في مجال الصحة العامة، إلى جانب التجربة غير المسبوقة لتدابير الإغلاق على مستوى الاقتصاد، طابعاً مأساوياً للأزمة، وجعلها توحي بنهاية العالم. فليس من المستغرب إذاً، أن ينتقد الكثير من الناس البُعد المتفائل.

ومع ذلك، تشير المؤشرات العالية التردد الحالية إلى أنَّ الانتعاش على شكل حرف V لا يزال ممكناً. ففي آخر المطاف، حشدت الحكومات، في جميع أنحاء العالم، استجابة هائلة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، وتدخلَّت بإجراءات نقدية ومالية رائعة. وبالفعل، تجاوزت العديد من الحكومات، إلى حدٍّ كبير، نطاق الاستجابة للأزمة المالية العالمية والكساد الذي حدث في الفترة 2008-2010.

وصحيح أنَّ صانعي السياسات ركزوا على احتواء الطوارئ الصحية والاقتصادية العاجلة أكثر من تركيزهم على التحفيز. لكن العديد من أهم مبادرات الاستجابة للأزمات ستواصل تأثيرها الدائم. فعلى سبيل المثال، عززت مخططات الإجازة المدعومة للحفاظ على دخول الأسرة خلال أسوأ عمليات الإغلاق، معدلات الادخار في كثير من الحالات، وستُتَرْجَم إلى زيادة الإنفاق في المستقبل (إذا سمحت الظروف بذلك). وهذا مجرد واحد من بين أسباب عديدة وراء ارتفاع مؤشرات السوق المالية ارتفاعاً حاداً في الأسابيع الأخيرة.

وقد لا تكون هذه أوقاتًا عادية، ولكن، عادةً ما يشير مثل هذا التراجع إلى انتعاش اقتصادي. وفضلاً عن ذلك، تتحسَّن العديد من المؤشرات الرئيسة العالية التردد- وبصورة ملحوظة بالنسبة للبعض منها. وتشير بيانات التوظيف الأمريكية خلال شهرين متتابعين، ومؤشرات مؤشر مديري المشتريات الشهرية في الولايات المتحدة، وأوروبا، وآسيا إلى الارتفاع.

والجدير بالذكر أنه على الرغم من التحديات المستمرة التي تواجهها الصين، ارتفع مؤشر Caixin لمديري مشتريات الخدمات إلى أعلى مستوى له خلال عشر سنوات، ليصل إلى 58.4 في يونيو/حزيران. وبالنسبة لمن يشكك في صحة البيانات الصينية، من الجدير بالذكر أنَّ نفس المؤشر تراجع إلى مستوى منخفض بلغ 26.5 في فبراير/شباط. وفضلاً عن ذلك، كانت الصادرات الكورية الجنوبية أقوى بكثير عمّا كانت عليه خلال الأشهر السابقة (على الرغم من أنها كانت لا تزال أقل بنسبة 11٪ على أساس سنوي).

ومن الواضح أنَّ كلَّ هذه الحركة نحو الانتعاش على شكل حرف V مؤقتة. فإذا اضطرت الاقتصادات الكبرى إلى الإغلاق مرة أخرى، من المؤكد أنَّ المؤشرات العالية التردُّد، والظروف المالية الأوسع ستأخذ منعطفًا آخر يتجه نحو الأسوأ. ولكن إذا ظلَّت عمليات الإغلاق موضعية ومؤقتة، وإذا استمرت الأنظمة الصحية في توسيع نطاق الاختبار، وخاصة إذا تمَّ تطوير لقاح أو علاجات أكثر فاعلية، فلا يجب أن تكون التوقعات الاقتصادية قاتمة كما يعتقد الكثيرون.

وإذا تحقَّق التعافي على شكل حرف V، فسيكون من المهم تحويل الانتباه إلى قضايا أخرى، مثل جودة النمو المستقبلي. يجب ألا نكرِّر الأخطاء التي ارتُكبت في الفترة 2009-2010، عندما ترك الانتعاش الكثير مما هو مرغوب فيه من حيث مكاسب الإنتاجية والاندماج. وسيحتاج صانعو السياسة إلى التفكير بصورة أكثر تخيلًا وراديكالية مما كانوا يفعلون قبل عقد من الزمن. ولكن سأتحدث عن هذا الموضوع في تعليق آخر.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Aarouch

شغل جيم أونيل، سابقاً، منصب رئيس شركة Goldman Sachs Asset Management، ووزير الخزانة البريطاني، ويشغل حالياً منصب رئيس منظمة Chatham House.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org