Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

لا تعافي بدون تخفيف الديون

مو إبراهيم

أبوجا ــ في الشهر الفائت، أطلق الاتحاد الإفريقي منصة إفريقيا للإمدادات الطبية لتسهيل إنتاج وتوفير المعدات الطبية الحيوية ــ وهو أحدث إنجاز في الاستجابة المثيرة للإعجاب بالفعل لأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). ومع ذلك، في ذات الأسبوع، كُـشِـفَ النقاب عن حقيقة مفادها أنَّ معظم عائدات الحكومة الفيدرالية في نيجيريا تذهب لسداد أقساط الديون، وأنَّ نيجيريا قرَّرت خفض الإنفاق على الصحة العامة بنسبة 40% ــ حتى مع استمرار الإصابات بعدوى كوفيد-19 في الارتفاع.

الواقع أنَّ هذا التباين مأساوي بقدر ما هو صارخ. إذ تتلهف أكثر قارات العالم شباباً ليس فقط على الوقوف على قدميها، بل أيضاً لتوفير القيادة العالمية. لكنها تظلُّ عاجزة بسبب عدو قديم: الديون. وإذا كان لإفريقيا أن تحقِّق كامل إمكاناتها، فيتعيَّن على دائنيها أن يطلقوا سراحها.

إنَّ تخفيف الديون وسيلة ناجحة. فقبل خمسة عشر عاماً، أصدرت مجموعة الدول الثماني إعلان جلين إيجلز، الذي قضى بتخفيف الديون عن "البلدان الفقيرة المثقلة بالديون" ــ بنين، وبوليفيا، وبوركينا فاسو، وإثيوبيا، وغانا، وجيانا، وهندوراس، ومدغشقر، ومالي، وموريتانيا، وموزمبيق، ونيكاراجوا، والنيجر، ورواندا، والسنغال، وتنزانيا، وأوغندا، وزامبيا ــ بإجمالي تجاوز 40 مليار دولار.

تمكَّنت هذه البلدان، التي لم تعد مثقلة بالتكاليف الضخمة المتمثلة في أقساط الديون، من زيادة الاستثمار في اقتصاداتها وشعوبها. وفي وقت لاحق، شهدت العديد من البلدان التي حظيت بفرصة تخفيف الديون، مثل إثيوبيا ورواندا، ارتفاعات كبيرة في النمو الاقتصادي. وتحسَّنت بشكل ملحوظ معايير الرعاية الصحية، والقدرة على الوصول إلى التعليم، وفرص العمل. وعملت البلدان على تحسين حكمها واستفادت من زيادة الاستقرار ــ الذي يشكِّل أهمية بالغة لاستدامة النمو في الأمد البعيد.

الآن أصبح هذا التقدُّم عُـرضة لخطر الانهيار. فبالرغم من أنَّ إفريقيا سجلت حتى الآن أعداداً منخفضة نسبياً من الإصابات بعدوى كوفيد-19، فإنها تواجه أزمة اقتصادية حادة، مع آثار اجتماعية وسياسية محتملة بعيدة المدى. فقد انهار الطب الخارجي، وأسعار النفط، وعائدات السياحة السفر، وتحويلات المغتربين. وسحب المستثمرون 100 مليار دولار من الأسواق الناشئة منذ بداية الجائحة ــ وهو أكبر تدفق لرأس المال إلى الخارج على الإطلاق في مثل هذه الفترة القصيرة. ويسهم هذا في اشتداد حدة أزمة السيولة المتزايدة العمق ــ والخطورة.

تحتاج الحكومات الإفريقية بشكل عاجل إلى رأس المال لتثبيت استقرار الاقتصادات التي تضررت بفِـعل صدمات خارجية تراكمية ولتمويل الاستجابة المناسبة لأزمة الصحة العامة. مع ذلك، وعلى النقيض من منطقة اليورو، أو الولايات المتحدة، لا تستطيع معظم البلدان الإفريقية طباعة النقود للخروج من الأزمة. علاوة على ذلك، يظلُّ الحيز المالي المتاح لهذه البلدان محدوداً، وخاصة أنها ملزمة بالاستمرار في سداد أقساط الديون الضخمة. وهذا يجعل قادتها في مواجهة اختيار مستحيل: خفض الإنفاق على الخدمات الحيوية، كما فعلت نيجيريا، أو التخلف عن السداد.

إنَّ تخفيف الديون من شأنه أن ينقذ البلدان من هذا السيناريو القاتم، من خلال تحرير رأس المال اللازم لمكافحة الجائحة وتثبيت استقرار الاقتصاد. يدرك قادة العالم بالفعل هذه الحقيقة. ففي شهر إبريل/نيسان، وافق قادة مجموعة العشرين على تعليق سداد بعض الديون لصالح أفقر دول العالم لبقية عام 2020. لكن هذا لا يكفي بأي حال من الأحوال. بل يجب تنفيذ التعهدات الآن بسرعة وتوسيع نطاقها بشكل كبير. وبوجه خاص، يتعيَّن على جميع الدائنين ــ المستحقين للديون الثنائية، والمتعددة الأطراف، والخاصة ــ تنفيذ تجميد فوري لخدمة الديون لصالح جميع البلدان الإفريقية حتى نهاية عام 2021.

كما اقترحت فيرا سونجوي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، يمكن أيضاً إنشاء أداة ذات غرض خاص، على غرار مرافق إعادة الشراء "ريبو" التي تستخدمها البنوك المركزية الأميركية والأوروبية غالباً لدعم الأداء السلس في الأسواق. لن تؤدي أداة الإقراض الجديدة هذه، والمدعومة من قِـبَـل البنوك المركزية في مجموعة العشرين، إلى توسيع نطاق القدرة على الوصول إلى السيولة الرخيصة وحسب؛ بل يمكنها أيضاً أن تدعم التحوُّل نحو نموذج نمو أكثر استدامة إذا كانت جيدة التصميم.

كما يستطيع صندوق النقد الدولي أن يضطلع بدور مهم. فمن الممكن أن يقطع الاستخدام الإبداعي لأصلها الاحتياطي، حقوق السحب الخاصة، شوطاً طويلاً نحو دعم الاقتصادات الهشة.

لقد استجابت أكثر الاقتصادات ثراءً على مستوى العالم لأزمة كوفيد-19 بتدابير مالية غير مسبوقة. ويتعيَّن على البلدان الإفريقية أن تفعل الشيء ذاته. وضمان قدرتها على القيام بذلك ليس من قبيل الصدقة أو الإحسان؛ بل إنها مسألة مصلحة مشتركة.

إذا لم تتمكن الحكومات الإفريقية من تدبير الموارد اللازمة للاستجابة بفاعلية للأزمة، فسوف تُـمحى المكاسب التي تحقَّقت بشق الأنفس في العقود الأخيرة؛ فترتفع معدلات الفقر إلى عنان السماء؛ ويصبح من الصعب على نحو متزايد احتواء الفيروس، وتتنامى الاضطرابات الاجتماعية، وخاصة في بلدان مثل السودان الذي يناضل بالفعل لإنهاء الصراعات التي دامت عقوداً من الزمن. وسوف يُـفضي هذا إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، ويتركنا جميعا نعيش في عالم يتسم بانعدام الأمان على نحو متزايد.

تمثل جائحة كوفيد-19 تحدياً عالمياً مشتركاً، وهي تستلزم استجابة عالمية مشتركة تتصدى للأبعاد الصحية والاقتصادية للأزمة. ويجب أن يكون تخفيف الديون المستحقة على إفريقيا سِـمـة أساسية لأي استجابة من هذا القبيل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

محمد إبراهيم رئيس ومؤسِّس مؤسَّسة مو إبراهيم.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org