Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الفيروس يتحوّل جنوبًا

روبرتو تشانغ، وأندريس فيلاسكو

سانتياغو- وصل فيروس كورونا، كوفيد-19، إلى أمريكا اللاتينية، ولكن الإجراءات الفعّالة للتعامل مع الوباء لم تصل هناك– وأقل ما يمكن قوله أنها لم تُتخذ في جميع بلدان المنطقة. إذ لا يزال الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في المكسيك، والرئيس جاير بولسونارو في البرازيل، ينظمان التجمعات الجماهيرية، ويعانقان المناصرين على طريقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة طائشة لصقل أوراق اعتماد الرجل القوي الخاصة بهما. ومن الضروري وجود استجابة أكثر جدية وأكثر طموحاً، وموجهة للحيلولة دون أن تصبح أزمة الصحة العامة كارثة اجتماعية، واقتصادية.

لقد انتشر كوفيد-19 في إيطاليا، التي لديها عدد أكبر من الأطباء، ومن أسِرَّة المستشفيات للفرد، مقارنة مع أمريكا اللاتينية. وتفتقر الولايات المتحدة إلى معدات الاختبار، وتعاني المملكة المتحدة من نقص في أجهزة التنفس. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن نفس المشكلات لن تضرب أمريكا اللاتينية، التي لديها سجل هزيل للأوبئة الماضية: إذ خلال وباء الإنفلونزا الآسيوية الذي تفشى في الفترة ما بين 1957 و1958، تصدرت شيلي العالم بـ9.8 حالة وفاة لكل عشرة آلاف من السكان.

إن أمريكا اللاتينية لديها خبرة واسعة مع الأزمات من جميع الأنواع، ولكن هذه الأزمة غير مسبوقة. إن الأولوية الأولى هي إنقاذ الأرواح، لذا فإنَّ كل بيزو ينفق لاحتواء الفيروس هو إنفاق جيد. وليس هذا وقت الادخار.

كما أنَّ طبيعة الصدمة الاقتصادية وشدتها جديدة أيضًا. إذ لم يسبق أن قيل للكثير من السكان التوقف عن العمل. وحتى إذا استمر الحجر المنزلي لأكثر من شهرين، فمن الممكن حدوث انكماش بمعدل يزيد على 10% في الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

وفي غياب استجابة سياسية قوية، ستكون هذه مجرد بداية للقصة. فإذا فقدت العائلات دخولها، فإنها ستتوقف عن الإنفاق، مما سيسبب في فقدان الآخرين لدخولهم. وإذا لم يكن للشركات أي إيرادات، فقد تكون غير قادرة على الدفع لمورديها، ولخدمة الديون. وإذا لم يتم الدفع للبنوك، والدائنين الآخرين، فقد يعجلون بسداد القروض، ويطلبون الدفع بالكامل، مما سيزيد من ضغط السيولة على الشركات، والأسر. وإذا انهارت أسعار الأصول (الأسهم، والسندات، والعقارات في نهاية المطاف)، سيكون لدى الجميع ضمانات أقل، ومن ثمَّ قدرة اقتراض أقل. وسوف تنتشر عدم السيولة من خلال النظام، مما سيولد موجات من الإفلاس.

إنَّ دور سياسة الاقتصاد الكلي هو إيقاف هذه الحلقة المفرغة. ويجب أن تكون سياسات الاستجابة للأزمات، سريعة وواسعة النطاق.

أولاً، يجب على واضعي السياسات الحيلولة دون فقدان الأسر لدخولهم. وهذا يعني تغيير قوانين العمل، بحيث تُدفع أجور العمال حتى وإن كانوا لا يعملون بدوام كامل. ففي المملكة المتحدة والدنمارك ، ستدفع الحكومة مؤقتًا، على التوالي، 80٪ و75٪ من فاتورة الأجور للشركات المتضررة. وربما لا يمكن لحكومات أمريكا اللاتينية تحمُّل هذا. ولكن، يمكن أن تنجح المناهج المصمَّمة بشكل أفضل. إذ يسمح مخطط تشيلي، على سبيل المثال، للشركات بنقل العمال إلى جداول بدوام جزئي، واستخدام صندوق التأمين ضد البطالة، لضمان حصول العمال على 75٪، على الأقل، من أجورهم الأصلية.

وتتمثل إحدى الصعوبات في أمريكا اللاتينية، في أنَّ معظم القوى العاملة يعملون لحسابهم الخاص، أو يعملون بصفة غير رسمية، مع عدم وجود صاحب عمل لمواصلة دفع الأجور، أو توفير أي تأمين. وهذا هو السبب في ضرورة أن توفِّر الحكومات التحويلات النقدية للأسر التي فقدت دخلها. وفي البلدان التي توجد فيها خطط للتحويلات النقدية واسعة النطاق (بما في ذلك الأرجنتين، والبرازيل، وكولومبيا، وتشيلي، والمكسيك)، يمكن أن يكون التنفيذ سريعًا، وواسع النطاق. وستحتاج البلدان الأخرى إلى التغلب على المزيد من التحديات للوصول إلى عدد ٍكافٍ من الأسر، لأنَّ العديد منها يفتقر إلى حساب مصرفي، وإمكانية الوصول إلى الإنترنت. وبالنسبة إلى بيرو، هذا يعني أنه يجب أن يسحب المحتاجون شخصيًّا إعانة بقيمة 380 سول بيروفي من مواقع محددة، ويجب أن يقتصر ذلك على الأسر المعيشية في الحضر.

ويجب أن تساعد سياسة الاقتصاد الكلي الشركات أيضًا على تجنب التقصير في التزاماتها تجاه العمال، والموردين، والدائنين. وهذا يتطلب ضمان الحصول على الائتمان أثناء استمرار الطوارئ. إن تخفيضات أسعار الفائدة عنصر ضروري، ولكنه غير كافٍ لنجاج هذه الجهود. ويجب على السلطات النقدية، والهيئات التنظيمية المالية، تزويد البنوك والمقرضين الآخرين بحوافز قوية، للحفاظ على تدفق الموارد إلى الشركات الصغرى والضعيفة، والقطاعات التي تضررت بشدة من الفيروس. وهناك مزيج من خطوط الائتمان الخاصة وضبط النفس التنظيمي في النظام. وفي بعض البلدان، يمكن أن تتدخل البنوك الحكومية في خرق الائتمان، عندما يحس المقرضون بالخوف.

وفضلاً عن ذلك، نظرًا لأنَّ الدورة الخطيرة المتمثلة في انكماش أسعار الأصول، وتدمير الضمانات يجب أن تتوقف، ينبغي على البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية، الاستعداد لشراء، ليس فقط السندات الحكومية، ولكن أيضًا أنواعاً أخرى من الأوراق المالية الخاصة. ولأن الاقتراض الأجنبي غالباً ما يكون بالدولار، فإن الحكومات، والبنوك المركزية، التي لديها احتياطيات، أو التي تحصل على السيولة الدولارية، يجب ألا تخجل من ضخ تلك الدولارات في السوق المحلية. لقد أُنشِئَت مخازن السيولة بدقة في مثل هذه الأوقات، لمنع انخفاض قيمة العملة من تدمير قيمة الضمانات.

وتضاف معظم هذه المقاييس بسهولة إلى ما يصل إلى عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. إن الاستجابة لحالة الطوارئ أمر ملح، ومع ذلك، فإن التكلفة لا مفر منها. ما الذي يمكن لدول أمريكا اللاتينية القيام به لتمويلها؟ إن عددا قليلا من البلدان- بما في ذلك المكسيك، وبيرو، وشيلي، وربما كولومبيا، وأوروغواي- لديها إمكانية إصدار دين عام إضافي في الأسواق الوطنية والدولية، ويجب أن تستخدمه.

ولكن الدول الأخرى ليست لديها الإمكانية لفعل ذلك. ومثلما تراجعت أسعار الفائدة العالمية، تضاعفت هوامش ديون أمريكا اللاتينية، في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار السلع الأساسية، والعائدات من السياحة والتحويلات- التي تعدُّ حاسمة بالنسبة لدول أمريكا الوسطى، ومنطقة البحر الكاريبي- تتراجع. ومن ثمَّ، ستعاني معظم دول أمريكا اللاتينية من نقص حاد في الدولار، مع المقرضين متعددي الأطراف، الذين يعتبرون مصدرهم الوحيد لتمويل الدولار.

واقترح صندوق النقد الدولي خط ائتمان مرن، وخط سيولة احترازي، وتسهيل ائتماني سريع (يستهدف البلدان ذات الدخل المنخفض). وهذا الالتزام مفيد، ولكن ما إذا كانت هذه المصادر ستكون كبيرة بما يكفي- ومتوافرة قريبًا- لا يزال موضع شك.

وهذا هو السبب في كون المساعدة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أمر بالغ الأهمية. إن الاحتياطي الفيدرالي هو المصدر النهائي لجميع الدولارات الموجودة. وخلال هذه الأزمة، سمحت للبنوك المركزية الأخرى بالوصول إلى خطوط تبادل الدولار، ولكن فقط من الدول التي تعدُّ ذات أهمية نظامية. وفي أمريكا اللاتينية، تشمل هذه الدول المكسيك، والبرازيل. لماذا لا ترقى كولومبيا، وبيرو، وتشيلي، إلى مرتبة الاستثمار؟ أو يمكن أن يشتري الاحتياطي الفيدرالي سندات صادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي بدورها يمكن أن تقرض الدولارات للاقتصادات الناشئة، وذات الدخل المنخفض (اقتراح قديم ربما حان وقت تطبيقه أخيرًا).

إنَّ كل هذا يجب أن يحدث- وبسرعة. إن أمريكا اللاتينية "محظوظة" لتأخرها ببضعة أسابيع عن أوروبا، وآسيا في تقدم الفيروس. ويجب أن تستخدم هذا التأخر بحكمة وبجرأة.

لقد قال ثيودور روزفلت أنه بدون "المناسبة العظيمة، لن تحصل على رجل الدولة العظيم، لو عاش [أبراهام لينكولن] في أوقات السلم، لما عرف أحد اسمه الآن". واليوم، تجد أمريكا اللاتينية نفسها في معركة ضد العدوى، والاكتئاب الاقتصادي، واليأس الاجتماعي. فهَلَّا تَقَدم أتباع لينكولن في المنطقة خطوةً إلى الأمام؟

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

يشغل روبرتو تشانغ منصب أستاذ بارز لعلوم الاقتصاد بجامعة روتجرز. ويشغل أندريس فيلاسكو، الذي كان سابقاً مرشحاً للرئاسة، ووزيراً للمالية في تشيلي، منصب عميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org