Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

حان وقت يوبيل الديون الانتقائية

ويليم ه. بيوتر

نيويورك ــ من الواضح أنَّ أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) ستترك العديد من المقترضين من القطاعين الخاص والعام مثقلين بديون لا يمكن تحمُّلها على نحو مستدام. نحن لا نزال في مرحلة صدمة العرض المصحوبة بصدمة مستمدة من الطلب "ما قبل الكينزية"، من الأزمة التي من المحتمل أن تتحوَّل إلى كساد عالمي. ولكن بمجرد أن يتم القضاء على الفيروس في الأغلب، ستنخرط الأسر في الادخار الاحترازي، وستكون الشركات عازفة عن الالتزام بنفقات رأسمالية، وهو ما من شأنه أن يدفع إلى المزيد من الانخفاض في الطلب الكلي ــ المرحلة الكينزية. ومن المرجح أن تكون الحوافز المالية الممولة بالعجز، الـمُـسَـيَّـلة حيثما أمكن، الأداة الوحيدة القادرة على سد فجوة الناتج.

بصفتها الدولة الـمُـصْـدِرة للعملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، تواجه الولايات المتحدة قيوداً أقل من تلك التي تواجهها دول أخرى على قدرة الحكومة الفيدرالية على الاقتراض وتسييل الدين العام. حتى الآن، كانت استجابة السياسة الاقتصادية التي قدمتها ــ قانون المعونة والإغاثة والأمن الاقتصادي في مواجهة فيروس كورونا ــ تتمثل في تخصيص 2.3 تريليون دولار أميركي لتوفير دعم الدخل، والـمِـنَح، والقروض، وشراء الأصول، وغير ذلك من الضمانات. وبحسب مكتب الموازنة في الكونجرس الأميركي، فإنَّ هذا التشريع سيزيد العجز الفيدرالي بنحو 1.7 تريليون دولار "فقط" على مدار العقد القادم. يعكس هذا الفارق مبلغ الـ 454 مليار دولار الذي جرى تخصيصه لتمويل ضمانات تسهيلات إقراض الطوارئ التي أنشأها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، على افتراض أنَّ هذه الضمانات لن يُـطَـالَـب بها فعلياً أبداً.

أتمنى لو كان الأمر كذلك. فمن المرجح أن يتبنَّى مجلس الشيوخ على نحو أو آخر مشروع قانون مالياً آخر بقيمة 3 تريليونات دولار، والذي أقره أخيراً مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وربما لا يزال هناك المزيد من التحفيز بعد ذلك. يدرك المشرعون أنَّ العديد من حكومات الولايات والحكومات المحلية، حتى في الولايات المتحدة، لا تملك القدرة على اجتياز الأزمة دون الاستفادة من ضمانات الديون والقروض أو التحويلات المباشرة من الحكومة الفيدرالية.

ما يصدَّق في الولايات المتحدة يصدَّق في كل مكان: ذلك أنَّ البرامج الحكومية المصممة لدعم النشاط الاقتصادي لا بدَّ أن تؤدي إلى انفجار في الدين العام والدين الخاص الذي يملكه القطاع العام. في منطقة اليورو، تلوح في الأفق أزمة وجودية طاحنة، بسبب حكم مثير للجدال صادر أخيراً عن المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا وعدم رغبة الدول الأعضاء الثماني في الرابطة الهانزية الجديدة في النظر في تبادلية الدين. تُـعَـد آلية الدعم في أزمة الجائحة الجديدة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بقيمة 240 مليار يورو (263 مليار دولار أميركي) ضئيلة للغاية، فهي لا تتجاوز 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو. وفي غياب المزيد من الدعم من جانب الاتحاد الأوروبي، ربما تواجه إيطاليا قريباً الاختيار المزعج بين الخروج من اليورو أو البقاء دون أن يُـسـمَـح لها بتنفيذ برنامج التحفيز المالي الذي تحتاج إليه.

هناك بكل تأكيد اقتراح فرنسي ألماني يتصور صندوقاً للتعافي الأوروبي بقيمة 500 مليار يورو (3.6% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي)، يتم تمويله من خلال اقتراض الاتحاد الأوروبي من أسواق رأس المال (الذي تزيد ميزانيته السنوية قليلا عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي للكتلة). وليس من الواضح المقدار من هذه الأموال الذي يعدُّ إضافياً حقاً وعلى مدى كم من السنوات سيجري إنفاقها. إذا كانت هذه الأموال مقدمة للبلدان الأعضاء المتعثرة مالياً في هيئة مِـنَـح، كما تفضل الحكومتان الفرنسية والألمانية، فإنَّ هذا يرقى إلى تبادلية الدين، مما يرفع من احتمال استخدام حق النقض من قِـبَـل الرابطة الهانزية الجديدة. ولكن إذا أصدرت المفوضية الأوروبية بدلاً من ذلك قروضاً للبلدان الأعضاء بشروط السوق، فقد تجد إيطاليا ذاتها على مسار سريع للخروج من منطقة اليورو.

ما يدعو إلى التفاؤل أن طريقاً آخر ربما يكون مفتوحاً إلى الأمام. في أغلب الاقتصادات المتقدمة، من المرجح أن تنتهي الحال بقسم كبير من الديون الخاصة الإضافية المتراكمة أثناء الأزمة إلى ملكية كيانات عامة، بما في ذلك بنوك مركزية، ولن يجري سداد أغلبها. ولكي يتسنى لها حماية استقلالها وشرعيتها السياسية، لا ينبغي للبنوك المركزية أن تمارس عمل المديرين الماليين. ومع ذلك، في حالة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، من الواضح ببساطة أنَّ الديون المرتبطة بأزمة كوفيد-19 يجب أن يكون مصيرها الإعفاء. وسوف تحتاج الخزانة الوطنية إلى تعويض البنك المركزي عن أي خسائر يتكبدها.

بالنسبة إلى الشركات المتداولة علنا، يجب تحويل الدين الذي يحتفظ به الدائنون المنتمون إلى القطاع العام إلى حقوق ملكية، في هيئة أسهم تفضيلية غير مسموح لحامليها بالتصويت، وهذا من شأنه أن يخفِّف من الانطباع بأنَّ الجائحة بدأت عصراً جديداً من التخطيط المركزي. ومرة أخرى، سيكون لزاماً على الخزانة الوطنية أن تعوض البنك المركزي عن أي خسائر يتكبدها. ويجب أن يكون خيار التسوية مربوطاً بكل الديون العامة الصادرة حديثاً. ومن الممكن أن تمثل أدوات حقوق الملكية الناجمة عن ذلك مطالبات على جزء من فائض الميزانية الحكومية الأولي، أو يمكن ربط أسعار الفائدة عليها بنمو الناتج المحلي الإجمالي.

لكن الدول الأكثر فقراً لن يكون لديها هذا الخيار. وفقاً لمؤسَّسة بروكنجز، فإنَّ الأسواق الناشئة والبلدان النامية مدينة بالفعل بنحو 11 ترليون دولار في هيئة ديون خارجية وتواجه 3.9 تريليونات دولار في تكاليف خدمة الديون هذا العام. في شهر إبريل/نيسان، عَـرَضَ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تخفيف الديون بمقدار متواضع على العديد من هذه البلدان، ووافقت مجموعة العشرين على تجميد مؤقت للسداد للديون الرسمية، الأمر الذي مهد الطريق أمام مئات الدائنين من القطاع الخاص للقيام بذات الأمر.

غير أنَّ هذه الأشكال من المساعدة تقدم أقل القليل وفي وقت متأخر للغاية. الحقيقة هي أن معظم هذه الديون لم يكن من المفترض أن يصدر أبداً في المقام الأول. فالمنح هي الطريقة اللائقة لتحويل الموارد إلى البلدان المنخفضة الدخل. بعد الحرب العالمية الثانية، اشتملت خطة مارشال على مِـنَـح فقط؛ واليوم، تصبح الحجة لصالح إصدار "مِـنَـح كورونا" للبلدان المنخفضة الدخل شديدة القوة.

بموجب مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي أطلقها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1996، حصلت نحو 36 دولة على إعفاء كامل أو جزئي من الديون. والآن حان وقت العودة إلى هذه الفكرة، بدءاً بجولة شاملة من الإعفاء من الديون لصالح أفقر دول العالم. وينبغي لهذا اليوبيل الانتقائي أن يشمل الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من جهات الإقراض المتعددة الأطراف، والجهات الوطنية السيادية، والهيئات الرسمية مثل الشركات المملوكة للدولة، والدائنين من القطاع الخاص.

الدين أداة بالغة الخطورة. ولقد استخدم العالم هذه الأداة لفترة طويلة لتجنُّب قرارات مربكة ولكن لا مفرَّ من اتخاذها. والآن، في خضم أزمة عالمية غير مسبوقة، من غير الممكن أن تستمر بعض الأمور على حالها.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

ويليم هـ. بيوتر كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى سيتي جروب، وهو أستاذ زائر في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org