دبي، الإمارات العربية المتحدة، 18 مارس 2022- اختتمت "قمة المعرفة" جلساتها الافتراضية، التي نظَّمتها مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث شهد اليوم الأخير من الجلسات مناقشة العديد من الموضوعات أبرزها تأسيس مجتمعات شاملة ومتاحة لذوي الهمم، وتعلُّم المستقبل ودوره في تقليل ضعف الإنسان، ودور المعرفة في انتقال الطاقة وتشجيع الحوار حول السياسات المتعلقة بالعلوم.
المشاركة في خلق مستقبل مرن، وأثر ذلك في تأسيس مجتمعات شاملة ومتاحة لذوي الهمم
تناولت أولى الجلسات الختامية التي عُقِدَت تحت عنوان "المشاركة في خلق مستقبل مرن، وأثر ذلك في تأسيس مجتمعات شاملة ومتاحة لذوي الهمم"، عدة محاور متعلقة باستراتيجيات وفرص دمج وشمول ذوي الهمم في المجتمعات من خلال مناهج قائمة على الحقوق.
وشارك في الجلسة كلٌّ من الدكتور فيكتور بينادا، مستثمر ومؤلف ورائد أعمال، ومايكل حداد، سفير النوايا الحسنة للعمل المناخي في المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومايا بيضون، أخصائي إدارة المشاريع في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأدار الجلسة الإعلامي حازم إبراهيم من قناة الشرق الإخبارية.
وتحدَّث الدكتور فيكتور، في بداية الجلسة، عن أهمية دمج ذوي الهمم في المجتمعات ومنحهم كامل الحقوق والأدوات الممكنة، حتى يستطيعوا المساهمة في بناء المجتمعات، داعياً حكومات العالم إلى اتخاذ خطوات جادة لاستيعاب ذوي الهمم، ومشيراً في ذات السياق إلى أنَّ المدن الذكية توفِّر إمكاناتٍ عديدةً لهذه الشريحة، ومن الضروري وضعهم في عين الاعتبار عند إقامة المدن الجديدة خلال السنوات القادمة.
من جهته سلَّط مايكل حداد الضوء على تجربته مع الإعاقة، التي لم توقفه عن ممارس رياضة المشي والقيام بجهود حثيثة ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتوعية حول مشكلة التغيُّر المناخي، قائلاً: "الإعاقة التي أصابتني تغلَّبْتُ عليها. أنا أمارس رياضة المشي، وإذا نظرت إلى هذه الإعاقة فإنني لن أرى الطريق، لذا يجب علينا أن نتصرَّف بأنه لا شيء مستحيل، وأن نتخطّى العوائق".
بينما استعرضت مايا بيضون، مبادرة موسيقى وفنون شباب المنطقة العربية "أيامي"، والتي أطلقت في العام 2019، وتركِّز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بين الشباب العربي باستخدام الفنون والموسيقى، حيث أتيح من خلالها منصة لأصحاب الهمم والإعاقات لتشجيهم على المشاركة والتفكير الإبداعي، وخلق نقاشات وتقديم الدعم الصحي والنفسي لهم من أجل إدماجهم في المجتمعات، مشيرة إلى أنَّ المبادرة تستند إلى وعد الأمم المتحدة، وهو عدم ترك أي أحد خلف الركب.
تعلم المستقبل، وكيف بإمكانه أن يقلِّل من ضعف الإنسان
ناقشت الجلسة الثانية التي عُقِدَت تحت عنوان "تعلّم المستقبل، وكيف بإمكانه أن يقلِّل من ضعف الإنسان"، بمشاركة رييل ميلر، الرئيس السابق لاستشراف وتعلُّم المستقبل في اليونسكو، أهمية استشراف المستقبل في تقليل نقاط الضعف لدى الإنسان، وتأثير الطرق المختلفة التي يتخيّل بها البشر المستقبل على إيجادنا واستخدامنا للمعرفة.
وتحدّث رييل ميلر في بداية الجلسة عن أهمية استشراف المستقبل بالنسبة إلى البشرية، واصفاً المستقبل بأنه جزء من الآمال والمخاوف والتوقُّعات، ليشير إلى أنَّ التعليم من الآليات المهمّة التي لها دور في المعرفة وإكساب القدرة والكفاءة، ومن ثمَّ يمنح تعلُّم المستقبل الإبداع والابتكار من خلال استخدام الخيال.
وأوضح ميلر أن أي شخص يستطيع استخدام المستقبل من خلال التخيل، قائلاً: "للخيال دور هام في التعلم، والخوف وقد يكون معيق للحاضر أيضاً. لذا علينا أن نفهم الخيال وما هي مصادر خيالنا. فالمستقبل له مكونات كثيرة، وقد يتأثر بالهواجس. والتنبؤ واستشراف المستقبل كلها صور مستقبلية. ومن خلال ذلك لابد أن نثمن ونقدر الاختلاف ونفهم الأشياء المختلفة، وأن يلهمنا ذلك من أجل الوصول إلى الإبداع والابتكار".
وأشار ميلر إلى أنَّ العالم معقَّد بما فيه الكفاية، ولكن الشيء المؤكّد هو أنَّ التغيير أمرٌ لا مفرَّ منه، حيث إنَّ كلَّ شيء يتغيّر إلا التغيير نفسه، مشدداً على أهمية قبول التغيير وخوض التجارب المختلفة، ليكون لدى الإنسان المزيد من الحكمة، والتخلُّص من البيروقراطية التي تمثِّل عائقاً أمام استشراف المستقبل.
وأكَّد ميلر أنَّ تعلُّم المستقبل هو الاستعداد بالشكل والطريقة المناسبة لما هو آتٍ، ولا أحد يستطيع خَلْقَ المستقبل أو التحكُّم فيه، فالأشياء تحدث بسرعة، ويجب الاستعداد للمستقبل والتخطيط لكل شيء لمواجهة جميع التحديات.
دور المعرفة في انتقال الطاقة
ناقشت الدكتورة ربيعة فروخي، مدير السياسات ونائب مدير شؤون المعرفة والسياسة والتمويل في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، خلال الجلسة الافتراضية الثالثة التي عُقِدَت تحت عنوان "دور المعرفة في انتقال الطاقة"، تعافي الطاقة المتجددة بعد جائحة كوفيد-19، وأطر عمل سياسات انتقال الطاقة، والفوائد الاجتماعية والاقتصادية لنظام الطاقة المتغيِّر، واحتياجات التعلُّم والمعرفة.
وقدَّمت الدكتورة فروخي عرضاً تقديمياً موسَّعاً حول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، ودورها في دعم وتقديم المعرفة حول مصادر الطاقة المتجددة، حيث تعمل في 180 دولة على مستوى العالم، وتتيح منصة رقمية مجانية توفِّر المعلومات والمعارف حول الطاقة المتجددة عبر إصدارات متنوعة وبيانات وإحصاءات فيما يتعلّق بها من موضوعات.
وقالت: "إنَّ هناك تحوُّلاً مهماً نحو الطاقة المتجددة نتيجة انخفاض تكاليف التقنيات، لتبلغ الطاقة الكهربائية المنتجة من خلال مصادر متجددة في عام 2018 نحو 322ميغاواط، قبل أن تنخفض خلال العام 2020 بفعل جائحة "كوفيد-19" إلى 268 ميغاواط، مشيرة إلى أنَّ هذا التحوُّل بفضل التوجُّه العالمي نحو تحقيق الهدف السابع من أهداف أجندة الأمم المتحدة 2030، الرامي إلى توفير طاقة نظيفة بأسعار معقولة، وتبنِّي بعض البلدان مثل دولة الإمارات وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي سياسات تدعم تحقيق ذلك.
وأوضحت الدكتورة فروخي أنَّ الشمس والرياح والمياه هي مصادر الطاقة المتجددة الأعلى استخداماً، وأقل كلفة من الوقود الأحفوري الذي يسهم بنسبة 40% من الانبعاثات في الغلاف الجوي، ويزيد من الاحتباس الحراري، وأنَّ الاستمرار في هذا المسار سيتسبّب في زيادة درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة خلال السنوات المقبلة، مؤكدة أنَّ المعرفة لها دور رئيس في التحوُّل الكامل نحو الطاقة المتجددة، وبالتالي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي لها روابط مع هدف توفير الطاقة المتجددة، حيث إنَّ توفير الطاقة النظيفة للجميع وبمساواة، يسهم في عملية التنمية والقضاء على الأمراض وتحقيق الأمن الغذائي ومكافحة التغيُّر المناخي والاحتباس الحراري.
وأشارت الدكتورة فروخي، حول موضوع تحقيق التحوُّل الكامل نحو الطاقة المتجددة، إلى أنَّ العالم لديه التقنيات في الوقت الراهن، ولكن يحتاج خلال السنوات العشر المقبلة المزيد من الإجراءات والالتزام الدولي من قِبَل الحكومات لتشجيع هذا التوجُّه وإتاحة فرص استثمارية، حيث يفتقر القطاع بشكل واضح إلى التمويل، ويحتاج إلى أكثر من 46 مليار دولار، بواقع 5 مليارات دولار كل عام، سواء من القطاعين العام والخاص لتحقيق الهدف في العام 2030.
دور وسائل الترفيه في ظل الجائحة
شارك في الجلسة الرابعة، التي عُقِدَت تحت عنوان "دور وسائل الترفيه في ظل الجائحة"، نادين سمرة، المدير التنفيذي لمنصة "وياك"، والإعلامي نشأت الديهي، المدير التنفيذي لمجموعة قنوات TEN.
وناقش المتحدثون مدى تأثير جائحة كوفيد-19 في وسائل الترفيه التقليدية والرقمية ومنصات الفيديو عند الطلب، حيث أشارت نادين سمرة إلى أنَّ القطاع الترفيهي الرقمي انتعش بشكل كبير خلال جائحة "كوفيد-19" بسبب الإغلاق العام الذي شهده العالم، موضحة أنه جرت العادة أن يكون الارتفاع الكبير في المشاهدات خلال شهر رمضان، لكن عدد المستخدمين في منصة وياك للفيديو عند الطلب ارتفع بنسبة 70% خلال الجائحة، كما تضاعفت مستويات الولوج إلى المنصة خلال شهرين فقط، كذلك الوقت المستغرق ارتفع من 50 دقيقة إلى ما يتراوح بين 60 دقيقة و90 دقيقة.
وأوضحت نادين سمرة أنَّ أسلوب العمل لم يتأثر كثيراً نظراً للمرونة في منظومة العمل عن بُعد في المنصات الرقمية، وأنَّ الأكثر تأثراً بشكل غير مواتٍ كان الاستراتيجيات والخطط الإنتاجية للمحتوى فقط والتي توقّفت، ثمَّ سرعان ما عادت بعد 8 أو 9 أشهر من الأزمة، مشيرة إلى أنَّ التحدي الأكبر خلال الأزمة كان في حالة عدم اليقين، حيث كان فريق العمل يتساءل دوماً حول كيفية المحافظة على هذه المستويات الكبيرة من النمو عقب انتهاء الأزمة أو إيجاد حلول لها.
من جهته أشار نشأت الديهي إلى أنَّ جائحة "كوفيد-19"، كانت لحظة فارقة بالنسبة للمنصات التقليدية والرقمية على حدٍّ سواء، حيث أسهمت في تغيير مفهوم واستراتيجيات المحتوى الترفيهي، في ظل التوجُّه الكبير نحو المنصات الرقمية، مشيراً إلى أنَّ التأثيرات كانت إيجابية بالنسبة للقطاعين بفضل إقبال الجمهور الكبير على قطاع الترفيه للتخلُّص من تداعيات الأزمة السلبية على الصحة النفسية.
تشجيع الحوار حول السياسات المتعلقة بالعلوم حول تغيُّر المناخ والصحة
ناقشت الجلسة الافتراضية الأخيرة من جلسات "قمة المعرفة" التي عُقِدَت تحت عنوان "تشجيع الحوار حول السياسات المتعلقة بالعلوم: مشروع الشراكة بين IAP وEASAC حول تغيُّر المناخ والصحة"، وتأثير التغيُّر المناخي في صحة الإنسان، ومشروع الشراكة بين IAP وEASAC، وذلك بمشاركة روبن فيرز، مدير برنامج العلوم البيولوجية EASA، ومنسق مشروع IAP.
وأوضح روبن فيرز أنَّ التغيُّر المناخي يؤثر في درجة الحرارة مسبباً بذلك قلة في الأمطار وحدوث المزيد من الفيضانات، حيث شهدت درجات الحرارة ارتفاعات سريعة وكبيرة خلال السنوات الماضية، وأنه يجب أن يكون هناك ردة فعل حيال ذلك الأمر، والذي أثر بدوره في صحة الإنسان في ظل العديد من المتغيِّرات غير المواتية، خاصة الفئات المهمشة والفقيرة التي تعاني أكثر من غيرها وتجد صعوبة في تلقي الرعاية الصحية.
وعدَّد فيرز التأثيرات في صحة الإنسان جرّاء التغيُّر المناخي والمتمثلة في أمراض الجهاز التنفسي والصحة العقلية والسيكولوجية، وكذلك أمراض التغذية، حيث أثر ذلك بشكل كبير في الزراعة والأمن الغذائي العالمي، مشيراً إلى أَّن جائحة "كوفيد-19" كانت سبباً في تأزُّم الوضع أكثر، وكان لها تداعيات على جاهزية القطاع الصحي واقتصادات البلدان، مشدداً على أنه يجب على صانعي السياسات والقادة حول العالم تبنّي سياسات علمية لتقليل هذه الضغوط على الإنسان.
وقدَّم فيرز عرضاً موسّعاً حول برنامج العلوم البيولوجية ومشروع الشراكة بين IAP وEASAC، من أجل وضع أدلة تستند إلى العلوم حول أثر التغيُّر المناخي في الصحة، وإيجاد حلول للتخفيف من حدتها، حيث إنَّ هذه الشراكة أفرزت العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير التي يمكن الاستعانة بها في الإطار الوطني أو الإقليمي من قِبَل الدول الشريكة والأعضاء لتشجيع السياسات وتحسين الممارسات لمواجهة هذا التحدي.
الجدير بالذكر أنَّ مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، تهدف إلى تعزيز المعرفة وتمكينها في مجتمعات المنطقة والعالم، باعتبارها هدفاً رئيساً وخطة عمل لبناء حلول أسرع وأدق للتحديات الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتوفّر مستقبلاً أفضل وطريقاً واضحاً للتنمية المستدامة.