البيانات : طاقة التشغيل للثورة الصناعية الرابعة
هذه المرحلة التي أطلق عليها مسميات عدة منها عصر الثورة الصناعية الرابعة وعصر الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، كلها معطيات لعصر البيانات )النفط الجديد( الذي يتميز بالتركيز على دمج التقنيات التي تلغي الحواجز، وكيف تتفاعل الأشياء والكائنات الحية ضمن البيئة الرقمية التي يطغى عليها الاهتمام بتعليم الآلة وهيمنة البيانات على مشهد الصناعة والتطوير لأنظمة التشغيل والتحكم في الأشياء أينما كانت وحيثما كان غرض استخدامها؛ تجارياً أو صناعياً أو تعليمياً أو طبياً، إلى غير ذلك من مجالات الحياة.
تسعى الثورة الصناعية الرابعة بمعطياتها السابقة إلى محاكاة الذكاء البشري بما في ذلك توظيف الروبوتات، والذكاء الاصطناعي التي تعدُّ أبرز معالم الثورة الصناعية الرابعة، وتقنيات البلوكتشين التي تعمد إلى إلغاء الطرف الثالث من التعامات وتوجد بدياً لموثوقية وأمن البيانات بدرجة فائقة وغير مركزية، كل ذلك لأجل إيجاد بدائل آمنة وقادرة على الإنجاز بدقة وكفاءة لعدد من وظائف الإنسان التي آن الأوان ليساعده العلم فيها للتخفيف عنه تارة وللرفع من مستوى الأداء تارة أخرى فيما يقوم به من مهام، كالمهام الشاقة التي تتطلب جهداً بدنياً، أو تلك التي تكون في موقع محفوف بالخطر، أو الأعمال التي تتطلب السرعة والدقة في إنجازها مثل رفع البضائع وتنزيلها، وإطفاء الحرائق، أو الإسعافات الطبية بواسطة الروبوتات لإنقاذ المصابين تحت الأنقاض، أو في عمليات طبية تتأثر بالدقة والسرعة.
وهكذا تتحكم البيانات في نجاح تلك المهام بالدرجة التي تؤدي إلى مخرجات مقبولة لأعمال الذكاء الاصطناعي وما تفرزه الثورة الصناعية الرابعة وهي تسعى بتركيز لتحسين كفاءة الأعمال التي لا تزال في مراحلها الأولى اعتماداً على البدائل التي تقدمها المرحلة في مجالات الحياة الضرورية، دون الحاجة إلى العامل البشري وقوته الجسمية. ولذلك نرى التسابق المحموم بين الحكومات وبين المنظمات وقطاعات الأعمال في الاهتمام بالبيانات والبيانات المفتوحة بسبب قيمتها الكبرى وتأثيرها العظيم، فأصدرت التشريعات الخاصة بالبيانات وتشكلت الهيئات المعنية بالبيانات وتحليلها، وسمعنا بمبادرة «العواصم العربية الرقمية » والمدن الذكية، واختيرت الرياض -الحبيبة- عاصمة المملكة العربية السعودية أول عاصمة رقمية عربية، وذلك في أثناء دورة مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات الثالث والعشرين، التي عقدت في المملكة العربية السعودية تحت شعار «طموح عربي، لجيل رقمي »، ضمن فعاليات الرياض، التي تنظمها على هامش قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها المملكة هذا العام 2020 .
قيمة البيانات وتأثيرها العظيم أدى إلى
تسابق محموم على الاهتمام بالبيانات
والبيانات المفتوحة.
والجدير بالذكر والحديث عن الرياض، أنه بحسب هيئة الاستثمار السعودية، ووفقاً لأحدث تقاريرها، قد تم تأسيس أكثر من 170 شركة جديدة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة خال عام 2019 ، وفي ذات السياق نشاهد باعتزاز مشاريع دبي الذكية تسعى إلى التوظيف الأمثل لمعطيات الثورة الصناعية الرابعة واستثمار البيانات لتكون مورداً يشغل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ويعزز من استخدامات إنترنت الأشياء، والجميع يرقب انطلاقتها نحو تحقيق أهدافها على المدى القريب والبعيد لتصبح بحلول العام 2021 خالية من المعامات الورقية، ولتكون مثالاً للتطور والحفاظ على البيئة.
وخلاصة الأمر أن محور الثورة الصناعية الرابعة بكل تعقيداتها وعوائدها الإنسان الذي هو عبارة عن كتلة بيانات غاية في القيمة ولا تقدر بثمن علم بذلك أم لم يعلم.
ولكي تؤتي الثورة الصناعية الرابعة ثمارها مستندة إلى البيانات وتقنيات البحث في كل مستجدات حياتنا، والتي من محاورها الكبرى اليوم الأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة للطاقة المتجددة، والطب الرقمي والاقتصاد القائم على المعرفة في البيئة الرقمية، فا بد من توافر المتطلبات اللازمة لنجاح المجتمعات في مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، ومن أهمها:
▪ ▪ سن التشريعات التي تساعد على جمع وهيكلة البيانات واستثمارها وفقاً لتحليلاته ا ف ي كاف ة المسارا ت المعرفية.
▪ ▪ وضع قوانين حماية البيانات والمحافظة على خصوصية الأفراد والمؤسسات التي تنتج البيانات.
▪ ▪ تطوير المناهج التعليمية لتعزيز التفكير والتحليل.
▪ ▪ توفير المعامل والمكتبات الرقمية المهيأة لمساندة العملية التعليمية.
▪ ▪ التركيز على البحث العلمي التطبيقي الذي ينعكس أثره على حياة المواطنين والصحة العامة والاقتصاد.
▪ ▪ إقامة الملتقيات العلمية الدورية التي يجتمع فيها الخبراء والناشئون للاستفادة من التجارب والخبرات والمستجدات العلمية.
▪ ▪ التركيز على إنشاء معامل المحاكاة والبيئة الافتراضية لتطبيقات البحث العلمي.
▪ ▪ تعزيز الشفافية والبيانات المفتوحة للتعرف إلى البيانات من مصادرها بموثوقية.
▪ ▪ تثقيف المجتمعات العربية معرفياً ورفع مستوى الوعي الرقمي.
▪ ▪ زيادة الوعي بأهمية البيانات.
▪ ▪ التركيز على بناء مراصد متقدمة قادرة على الفهم الاستراتيجي وتحليل البيانات (النفط الجديد) لتحويلها إلى قيمة مضافة في حياة الإنسان.
▪ ▪ إيجاد محطات تنافس إقليمية وعربية لتشجيع تطوير البنية التقنية للدول اعتماداً على منصات البلوكتشين وما يستجد من استخداماتها لموثوقية البيانات.
*د. علي بن ذيب الأكلبي: أكاديمي سعودي مستشار مركز المعرفة الرقمي