إصدارات - الابتكار + المساواة : كيف نصنع مستقبلاً سعيداً وآمناً وسط التقدم التكنولوجي
إن التقدم التكنولوجي المذهل خلال العقدين الأخيرين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وعلم الوراثة قد أفاد المجتمع بشكل عام، من خ الل الحصول على هواتف وأدوات ذكية، وكافأ المبتكرين بسخاء، فضالً عن أن كبار مصنّعي التكنولوجيا أصبحوا من أصحاب المليارات. لكن هل التفاوت الاقتصادي هو الثمن الذي ندفعه للابتكار؟
يبدو أن الابتكار يسهم في تنامي الفجوة في توزيع الثروة؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية، الثروة التي يملكها 0.1 في المئة من الأسر تضاهي تلك التي يملكها 90 في المئة. هل هذه هي التكلفة الحتمية لاقتصاد يحركه الابتكار؟ يوضح الكاتبان والخبيران جوشوا جانز وأندرو لي أن السعي وراء الابتكار لا يعني التخلي عن المساواة، بل العكس تماماً. ويحددان في هذا الكتاب الطرق التي يمكن أن يمتلك بها المجتمع روح المبادرة على نحو أكثر، ويتسم في الوقت نفسه بمساواة أكثر.
تستلزم كل أشكال الابتكار حالة من الشكّ وعدم اليقين، ولا توجد وسيلة للتنبؤ بالتكنولوجيات الجديدة التي ستتبعها. لذلك، يرى المؤلفان أنه بدلاً من المراهنة على مستقبل مهن معينة، يجب علينا النظر في السياسات التي تعتريها الشكوك وحماية الناس من النتائج غير المناسبة. ولتحقيق هذه الغاية، يقترحان سياسات تعزز الابتكار والمساواة، ويقولان: «إذا شجعنا الابتكار بالطريقة الصحيحة، فيمكن أن يبدو مستقبلنا أكثر شبهاً بالطابع الفني البهيج لسلسلة «ستار تريك » أكثر من كونه واقعاً مريراً مثل فيلم «المبيد (The Terminator)».
يعدّ ستار تريك أحد أهم ظواهر الخيال العلمي في التلفزيون الأميركي، ويمتد على ست سلاسل من الحلقات التلفازية، وأيضاً أحد عشر فيلماً مميزاً، ومئات من الروايات وألعاب الفيديو والكمبيوتر، وتقوم الحبكة على خلق عالم يتسم بالمساواة، على عكس فيلم «المبيد » وهو فيلم حركة وخيال علمي أميركي من إخراج جيمس كاميرون، يتحدّث عن مصير العالم في عام 2029 ، حيث تحكم الآلات الكرة الأرضية عن طريق تصنيع الآلات لنفسها بعدة أشكال.
في تقديمه للكتاب، يقول لورنس ه. سمرز الذي شغل منصب وزير الخزانة في إدارة كلينتون ومدير المجلس الاقتصادي الوطني في إدارة أوباما: «كما هي الحال مع الثورة الصناعية، هناك إمكانات مذهلة للخير في ثورة المعرفة. ولكن سيكون هناك بالتأكيد تكاليف بشرية كبيرة على طول الطريق، وستكون هناك آثار جانبية غير متوقعة قد تكون لها عواقب سياسية وخيمة. إن مهمة العلماء وصانعي السياسات هي تحقيق أقصى قدر من الفوائد وتقليل الآثار الضارة».
في هذا الكتاب، ينصبّ تركيز الكاتبين على كيفية الاستفادة من التكنولوجيا وتقليل الجانب السلبي لها، لا سيما مع ظهور أدوات ومعدّات جديدة تدخل صلب حياتنا. ويعلقان على ذلك: «نحن متحمسون لإمكانات الطب الوراثي والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي لجعل حياتنا أطول وأكثر صحة وإثارة للاهتمام من أي وقت مضى. مثلما حسّنت تكنولوجيات الماضي حياتنا، كذلك يمكن للابتكارات القادمة أن تفعل ذلك، لكننا أيضاً ندرك بشكل مؤلم الخطر الذي يمكن أن تتركه التكنولوجيا في مجتمعنا».
ويشيران إلى أنه «في عالم تستطيع فيه الروبوتات فعل كل شيء وتنخفض فيه الأجور إلى الصفر، فإن الشيء الوحيد الذي يهم هو من يملك الأصول. هذا احتمال مخيف بالنسبة لشخص من كل خمسة أشخاص تقترب ثروتهم أساساً من الصفر. حتى في السيناريوهات الأكثر اعتدالاً، من المحتمل أن تستمر فجوة الأرباح في الاتساع بين خريجي الجامعات والمتسربين من المدارس الثانوية. يجب أن يكون ذلك مثار قلق لكل مراهق اليوم يفكر في عدم الانتهاء من الدراسة».
ويضيفان: «بالتالي، من المنطقي اختيار السياسات التي تقلل من التكاليف التي يتحملها المبتكرون الآن بدلاً من منحهم عائداً افتراضياً لاحقًا. عندما يتعلق الأمر بعدم المساواة، فإن حالة الشك تعني أننا يجب أن نتبنى فلسفة توزيع مكاسب الابتكار، ولكن في الوقت ذاته تأمين الناس ضد عواقب تحمل تكاليف ومخاطر ناجمة عن الابتكارات. هذا يعني تفضيل السياسات التي تتيح للناس المرونة في خياراتهم الخاصة بهم على مدار حياتهم».
في أي وقت نواجه فيه احتمال حدوث خطر كارثي، يستحق الأمر شراء بوليصة تأمين بأسعار معقولة، بحسب الكاتبين. وهو ما تقوم عليه الفكرة المركزية في هذا الكتاب، حيث إنه في مواجهة حالة الشك وعدم اليقين، يجب على الحكومة توفير التأمين. يستكشف المؤلفان «بوالص التأمين » التي قد يعتمدها المجتمع، وكيف يمكن أن تجعلنا نتعرَّف العصر المثير الذي تتخيله «ستار تريك » بدلاً من المستقبل الفاسد الذي يتصوّره فيلم «المبيد ». ويعلقان على ذلك: «يمكن أيضاً توسيع مفهوم التأمين ليشمل مجالات أخرى من الحياة. من التفويض القانوني إلى الابتكار والتعليم العام، وبذلك يمكن أن يساعد نهج التأمين في ضمان حصولنا على المزيد من الابتكار والمزيد من المساواة».
عن المؤلفين:
جوشوا جانز أستاذ الإدارة الإستراتيجية، ويشغل كرسي جيفري إس سكول للإبداع التقني وريادة الأعمال في كلية روتمان لإدارة بجامعة تورنتو. وهو مؤلف كتاب «معاناة الاضطراب »، و «آلات التنبؤ »، وغيرها من الكتب. أما أندرو لي فهو عضو في مجلس النواب الأسترالي، وأستاذ سابق لعلم الاقتصاد، وله عدد من الكتب من بينها كتاب «المقاتلون والمليارديرات».