المدينة الفاضلة
تحتاج وثيقة الخمسين التي أصدرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى أكثر من قراءة تتمعن في مفاصلها كافة.
يستوقفنا في الوثيقة أولاً تلك النظرة الثاقبة التي تدرك مكان ومكانة دبي، موقعها في التاريخ وفي الجغرافيا، فالبند الأول من الوثيقة يعنون ب «خط دبي للحرير »، ويتناول فيه سموه الأهمية الخاصة التي باتت تتمتع بها دبي بين الشرق والغرب، حيث تحولت إلى خط حرير جديد للعالم كله عبر مطارها وموانئها، مدينة تتعامل مع 200 مدينة أخرى حول العالم، مدينة الحلم، مدينة الطموح التي تعرف قيادتها قيمة الموقع وتستثمره للوصول إلى المكانة المرموقة، مدينة تدرك مقامها في الحاضر وتتشوف عبر الرؤية الحكيمة مسارها في المستقبل، ولذلك يخصص البند الثالث في الوثيقة لإنشاء أول منطقة تجارية افتراضية، تستهدف 100 ألف شركة، فقدر دبي أن تكون سباقة ليس على مستوى الواقع الملموس وحسب، ولكن في ذلك الفضاء الموازي الذي أصبح يعيش فيه البشر، يبتكرون ويتناقشون وأيضاً يمارسون أنشطتهم الاقتصادية والمالية، قدر دبي مرة أخرى أن تقود المنطقة في تلك النقلة النوعية والفريدة.
متفائل بخمسين عام مقبلة نستطيع فيها تحقيق مدينة
فاضلة كاملة، يحكمها القانون، وتسود فيها روح الرحمة
والمحبة، ويعيش أهلها في انسجام وتسامح، وتتميز
الحياة فيها بالسهولة والرخاء، وتتمتع أجيالها بالفرص
والبيئة الحقيقية لتحقيق كافة أحلامهم وطموحاتهم.محمد بن راشد آل مكتوم من وثيقة الخمسين
ولأن الرؤية متكاملة كان لا بد للوثيقة من أن تلتفت إلى العنصر البشري المنوط به التطوير، فيأتي البند الرابع تحت عنوان «تطوير ملف تعليمي مركزي لكل مواطن »، هذا الملف يصاحب الإنسان على مدار حياته بأكملها، يوثق لدراسته والدورات والمؤتمرات التي حضرها، يواكب المواطن ويرشده إلى استغلال أمثل لقدراته، هو الاستثمار الذي لا ينتهي في المواهب، والذي يؤمن بدور الفرد المعد جيداً في تغيير نوعية الحياة، ويدعم البند السادس الخاص بتحويل الجامعات لمناطق اقتصادية وإبداعية حرة تلك الفكرة، فتعليم من دون أن يعقبه مردود اقتصادي أو إبداعي لا قيمة له، إذن هو التعليم الممتد، التعليم الذي لا يكتفي بالبذرة أو الثمرة ولكنه يطمح إلى شجرة وارفة الظال يستظل بها صاحبها والمجتمع من حوله.
ولا تتوقف الوثيقة عند ذلك، ولكنها تتطرق أيضاً إلى واقع الحياة المباشرة والملموسة على الأرض، فتشير في بنود أخرى إلى برامج صحية وشركات تعاونية تستهدف حياة أجمل للمواطنين، لتصل في نهايتها إلى ضرورة مد أيادي الخير إلى الآخرين في البند التاسع «تحقيق نمو سنوي في الأعمال الإنسانية يعادل ويواكب نمونا الاقتصادي »، فقدر دبي أيضاً أن تعمل من أجل الإنسانية، تسعى في سبيل مساعدة جميع البشر، والعمل على إسعادهم وتخفيف آلامهم.
الوثيقة نتاج خبرة خمسين عاماً منذ تقلد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أول مسؤولية وطنية، جاءت، كما عودنا سموه، بلغة بسيطة وسلسة، هي بمنزلة برنامج عمل، وبيان لرؤية تستشرف خمسين عاماً أخرى مقبلة، بنودها واضحة ومحددة وتستهدف تحقيق الرفاه، تؤسس في العمق لما وصفه سموه بمدينة يسودها الحب والسام والتعاون والتراحم والرخاء، والوصول إلى الحياة الكريمة، وهو ما عملت عليه دبي وتطلعت إلى تحقيقه ونجحت فيه. ولكن سموه يسعى إلى المزيد، أن نبني مدينة فاضلة متكاملة، ونحن على قناعة، نتيجة للتجربة والثقة في الذات وفي رؤية قيادتنا الحكيمة أننا سننجح في ذلك، هو دور دبي الذي تنتظره منها أمتها والعالم أجمع.