تراجع لغة الضاد أمام الإنجليزية.. الأسباب والحلول
«أنت تختبئ تحت كلماتك وخلف لغتك، فتكلم حتى آراك ».. اعتبر الفليسوف اليوناني سقراط، اللغة هي العلامة الأساسية والمميزة لماهية الشخص، وثقافته، وبيئته، كجواز مرور إلى الجمهور. وفي الإمارات تعتبر الدولة أن اللغة العربية هي قلب الهوية الوطنية، ودرعها، وروح الأمة، وعنصر أصالتها، ووعاء فكرها، وتراثها.
أخذت الإمارات على عاتقها مهمة المحافظة على اللغة والهوية العربية، وتكريس مكانتها في المجتمع الإماراتي، وعلى النطاق العالمي، واضعة في اعتبارها ميل الجيل الجديد نحو الإنجليزية كلغة تعليم، وتخاطب، ومراسلة بين الشباب على حساب لغة الضاد.
وتعد العربية من أكثر اللغات تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، يتوزعون بشكل أساسي في الوطن العربي.
يطرح خبراء، خلال حديثهم إلى «ومضات »، آراء وتوصيات لإعادة اللغة العربية إلى مكانها الطبيعي بين الجيل الجديد في الدولة، واضعين تغيير طريقة التعليم على رأس قائمة الأولويات، إضافة إلى تعميق ثقافة الفرد من خلال القراءة والفعاليات الثقافية، والأنشطة التي تُعظم من هذه القيمة، مع الأخذ في الاعتبار أن التاريخ عامل أساسي في حب الشخص للغته العربية.
العولمة هي السبب
يرى الدكتور علي عبد القادر، مدير جمعية حماية اللغة العربية، أنه عندما نتحدث عن سيطرة اللغة الإنجليزية على الجيل الجديد في الإمارات، فلا يمكننا إغفال وجودنا في زمن العولمة، وما يجب أن نفكر فيه هو كيف تستطيع العربية فرض نفسها كلغة للاتصال، والتفاعل، مضيفاً: "علينا الاعتراف بالقصور، ولكن دولة الإمارات ماضية في الطريق؛ لأن الحديث عن هيمنة لغة أخرى هو دفاع عن الهوية، وأعتقد أن لغة الضاد قادرة على العودة من خلال المبادرات، والأنشطة الثقافية التي تنفذها عدة جهات في الدولة".
وألقى عبد القادر اللوم في هذا التراجع على طرق التعليم، مستدركاً «تبذل وزارة التربية والتعليم جهوداً مشكورة مثل مؤسسات الدولة، ولكنها بحاجة إلى جعل اللغة العربية أداة للتواصل بين الموظفين، لتمثل وعاء فكر المواطن في دولة الإمارات».
وشدد على أن تعلم اللغات مطلوب لسلك دروب المعرفة، دون الدخول في صراع بين لغة وأخرى، ولكن المكان الأجدر للغتنا هو المركز الأول وخاصة في الدولة، ومهمة جميع المؤسسات هي تطوير مهارات موظفيها، أو طلابها لإتقان العربية مثلما يفعلون مع اللغات الأخرى. وأكد مدير جمعية حماية اللغة العربية، أن للأسرة دوراً كبيراً في إكساب الطفل مهارات لغوية سليمة، وتعزيز جوانب التميز في التحدث بالعربية وممارستها، واعتبارها مفخرة، كهويته، ولا يتبرأ منها ولا يُفضل غيرها عليها.
استراتيجية منهجية
ومن جانبه، يرى الباحث والأكاديمي الدكتور محمد حمدان بن جرش، الأمين العام لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، أنه «على المجتمع أن يبني استراتيجيات منهجية للارتقاء بالعربية، وتطبيق أساليب الابتكار لدعمها »، مضيفاً: «في اعتقادي نحن بحاجة ماسة إلى الاستفادة من التكنولوجيا وتطبيقاتها حتى نصل إلى الأهداف المنشودة».
ويرى ابن جرش أن هناك عدة أسئلة يمكن أن نطرحها ونشرح من خلالها سبب هيمنة اللغة الإنجليزية، هي: ما هي البرامج الثقافية التي تستهدف اللغة العربية؟ وهل هناك ما يجعل العربية أسلوب حياة؟ وما هي الجوائز الداعمة للعربية؟ وما هي التطبيقات التكنولوجية التي تستطيع جذب النشء؟
واقترح أن يكون هناك دراسات ومعايير سنوية تدرّس حول مستوى تطور أو تراجع العربية، وتطوير المناهج المدرسية لتثير شغف الطلاب، وتوظيف الدراما والمسرح في خدمة اللغة، وعقد اجتماعات دورية بين المؤسسات المعنية بالتنشئة الثقافية.
ويوضح الدكتور ابن جرش، أن هناك الكثير من الأسئلة تطرح نفسها لنجد بأن العولمة فرضت علينا تعلم اللغات الأجنبية، ولكن عندما نفتح النافذة لتعبر الثقافات الوافدة علينا أن نحافظ على هويتنا، ولا نجعلها تقتلع خصوصيتنا من لغة وثوابت.
ويختتم الأمين العام لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات حديثه بالقول: «هناك مؤسسات لها دور مهم في الارتقاء باللغة العربية منها: الأسرة، والمؤسسات الأكاديمية، والإعلام، مؤكداً تأثيرها القوي، ودورها المهم في غرس القيم وتنمية حب اللغة العربية في النشء »، مقترحاً أن «يتم تنظيم ملتقيات رسمية بين المؤسسات لوضع الدراسات والبرامج العلمية لتعزيز مكانة العربية، وتحديد المؤشرات لقياس مدى نجاح الاستراتيجيات المتبعة وتقويمها».
معاناة اللغة
وتؤكد الكاتبة والأديبة الإماراتية صالحة غابش، قائلة: «على الرغم من اهتمام دولة الإمارات الكبير باللغة العربية كمنبع للهوية العربية الإسلامية، إلا أن اللغة الآن تعاني بسبب إهمال الشباب لها »، مشيرة إلى أنه «يجب تعليم الشباب أن لغتهم مدعاة للفخر ».
وتشير غابش إلى أن الإمارات تتبنى عدة مبادرات معنية بحماية اللغة العربية والحث على القراءة، ومنها مبادرة «بالعربي»، وميثاق اللغة العربية، ومشروع «لغتي ». وتحدد بدورها وصفة للجيل الجديد ليتمكن من معرفة اللغة، بدأتها بالثقافة من خلال المطالعة والقراءة في مجالات مختلفة مع الاهتمام بالقواعد، لافتة النظر إلى أهمية معرفة التاريخ، الخاص بالدولة، والوطن العربي، ثم العالم.
وأضافت الكاتبة الإماراتية، أن ما نطمح إليه هو تحول هذه البرامج والأفكار إلى فعل مجتمعي على نطاق واسع، من خلال المؤسسات الحكومية والخاصة والأفراد، الذين يشكلون اللاعب الرئيس في تبني هذه الأفكار، بأن تتلقف هذه المبادرات وتضع لها المشاريع والخطط التنفيذية التي تضمن تفعيلها على الأرض، وهو ما سيؤثر بشكل إيجابي في وضع اللغة الراهن.
توعية الشباب
وتتفق الكاتبة الإماراتية الشابة، حفصة الظنحاني، التي تدرس اللغة الفرنسية في جامعة السوربون أبوظبي، على أن الدولة تبذل جهوداً كبيرة
«على الرغم من اهتمام دولة الإمارات الكبير
باللغة العربية كمنبع للهوية العربية
الإسلامية، إلا أن اللغة الآن تعاني بسبب
إهمال الشباب لها».
للحفاظ على مكانة اللغة، ومن ضمنها ميثاق اللغة العربية، الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في إبريل2012.
واعتبرت الظنحاني، أن هذا الميثاق هو علامة بارزة، ونقطة انطلاق رئيسة للجهود الإماراتية في حماية اللغة العربية، وهو ينص على تنظيم مسابقات مدرسية في المدارس الحكومية والخاصة، تهدف لإبراز المبدعين والمتميزين في اللغة العربية من الطلبة، ورعايتهم، وتشمل المسابقات مجالات الكتابة والخط العربي والقراءة، إضافة إلى الشعر العربي، وتشرف على هذه المسابقات وزارة التربية والتعليم، ضمن سلسلة من الفعاليات السنوية الرئيسة خلال العام الدراسي.
وتضمنت المبادرات أيضاً، تأسيس معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين، عن طريق جامعة زايد، يتم التعاون فيه مع الجامعات المتخصصة في العالم، لإيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات.
وتقول طالبة قسم اللغة الفرنسية: «أرى أن اللغة الإنجليزية قد سيطرت على معظم الجيل الجديد فتراهم منذُ الصغر يتحدثون بها دون أن تكون لديهم معرفة كافية بلغتهم الأم، لذلك يجدون صعوبة في التحدث بها أو فهمها »، مضيفة أنه «قد يكون سبب تراجع اللغة العربية عند البعض هي البيئة المحيطة بهم سواء كانت العائلة أو المدرسة وعدم اهتمامهم بالثقافة العربيّة».
وتطالب الظنحاني أولياء الأمور بتعويدهم منذ الصغر على التحدث باللغة العربية، وقراءة الكتب، مشددة على دور المؤسسات الأكاديمية في إيلاء اهتمام أكبر للغة من خلال تحفيز الشباب على التحدث بها، وإقامة الأنشطة الثقافية، والفعاليات القرائية.
وتختتم الظنحاني مشاركتها، «يحتاج الشباب إلى وعي أكثر، واهتمام أكبر بلغتهم الأم، فلا مانع من تعلم لغات أجنبية، وزيادة ثقافتهم، لكنّ الثقافة الحقيقية تكمن في لغتهم الأم حين يلمّون بها ويفتخرون بها».