في ظل الجائحة.. التعليم عن بعد: تجربة ذكية متكاملة
نشهد اليوم كيف أن العالم يتحول إلى المعرفة الرقمية، مواكباً في ذلك التحولات المتسارعة على الصعد كافة، لعل أهم تلك التحولات «التعليم عن بعد » الذي أحدث ثورة علمية في مجال التعلّم. هذا الشكل من التعليم ينقذ دول العالم من انهيار المنظومة التعليمية في ظل انتشار وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19 » الذي تسبب بتعطيل عجلة الحياة في كافة دول العالم.
مع ظهور بضع إصابات في الدولة، قرّرت حكومتنا الرشيدة بتاريخ 22 شهر مارس من هذا العام تطبيق نظام التعلم عن بعد مؤقتاً، ثم مدّدت تطبيق القرار حتى نهاية العام الدراسي الحالي 2020-2019 ، وساعدها في ذلك بنيتها التحتية الشبكية التي تعد من الأفضل في العالم. وبعد فترة على تطبيق هذا النظام الجديد، أثبتت الإمارات قدرتها على مواكبة التغيرات بسرعة عالية في وقت الأزمات، مؤكدة جاهزيتها العالية في هذا القطاع المفصلي في المجتمع.
في متابعته لإحدى الحصص التعليمية في أول أيام الدوام المدرسي «الافتراضي »، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إن: «المدارس توقفت لكن التعليم لن يتوقف. ونحن الدولة الأكثر استعداداً للتعلم الذكي »، مؤكداً سموه أن العملية التعليمية في مدارس الدولة مستمرة وبأقصى درجات الكفاءة حتى في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها الدول من جراء تفشي فيروس كورونا الذي تسبب في حرمان أكثر من نصف الطلبة في مختلف أنحاء العالم من التعليم، وقال سموه: «العلم مستمر عن بعد، ومن أي مكان، لأنه ضمانة لاستمرار التنمية في الأوطان »، ووجَّه سموه دعوته لأبنائه الطلبة بقوله: «لا تتوقفوا عن العلم. العلم هو الذي يصنع الحياة. ومن يتوقف عن التعلم، يتوقف عن الحياة »، مضيفاً سموه: «استثمرنا في التعليم الذكي خلال السنوات العشر السابقة، واليوم نجني الثمار »، وأضاف سموه: «إن الإمارات لديها بنية تكنولوجية من بين الأكثر تقدماً في العالم. ومنظومة التعلم الذكي لدينا هي الأفضل في المنطقة.. ولا سبب يجعلنا نتوقف أو نتراجع».
«نفتخر بحجم هذا الإنجاز
التعليمي الذي يهدف للانتقال
إلى مرحلة الوزارة الذكية
بشكل كامل وبناء منظومة
تكنولوجية تقدم كافة
الخدمات التعليمية الذكية
بسهولة وفي أي وقت »
حلول ذكية
وقالت الدكتورة آمنة الضحاك، المتحدثة عن وزارة التربية والتعليم في الإحاطة الإعلامية حول منظومة التعليم عن بعد: «بتوجيهات من مجلس الوزراء، وجب استمرار تطبيق نظام التعليم عن بعد حتى نهاية العام الدراسي الحالي، وذلك في جميع المدارس الحكومية والخاصة ومؤسسات التعليم العالي في الدولة »، مضيفة: «يأتي القرار بهدف ضمان استمرارية التعليم في الدولة في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، والحفاظ في نفس الوقت على أمن وسلامة طلبتنا والمجتمع المدرسي».
وأكملت الضحاك: «نعمل باستمرار على تحسين تجربة التعليم عن بعد في الدولة وتطويرها في المرحلة المقبلة، من خلال إضافة حلول ذكية وتطبيقات تفاعلية لمختلف المراحل الدراسية، وأضفنا تطبيقات وحلولاً ذكية للمنظومة التعليمية ليتم استخدامها خلال الفترة القادمة مثل منصة «ألف » ومنصة «أليكس » المتخصصة في الرياضيات للمراحل العليا، ومنصة «ماتفك » لمراحل الطفولة المبكرة، ومنصة «نهلة وناهل » المتخصصة في رفع مهارات القراءة في اللغة العربية».
محاضرات عن بعد
بدورها، تواكب الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة التعليم عن بعد بأفضل تقنيات التكنولوجيا الموجودة. قال الأستاذ الدكتور مسعود إدريس رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الشارقة ل «ومضات « :» إن التعليم عن بعد، والمعروف أخيراً باسم التعليم الإلكتروني، ليس شيئاً جديداً في المؤسسات التعليمية العالمية لاسيما في دولة الإمارات العربية المتحدة ،» مضيفاً: «إن جامعة الشارقة على وجه الخصوص طبقت هذه المنظومة التعليمية في مختلف مجالات الدراسات في الجامعة».
«التجربة التعليمية الإماراتية عن
بعد رائدة، وإيجابية وناجحة،
وهي نموذج فعّال في وقت
الأزمات، ويمكن للعديد من
دول العالم الاقتداء بها »
وأكد أن «ما كان يمثل تحدياً هو أن الأزمة العالمية الحالية لوباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد- »19 فرضت على العديد من المؤسسات التعليمية أو الموظفين الأكاديميين والإداريين، وكذلك الطلاب بشكل عام أن يتحولوا إلى التعليم عن بعد، وهذا التحول غير المسبوق جاء في فترة قصيرة تزامناً مع انتشار الجائحة العالمية».
وأضاف إدريس: «منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في اتخاذ الإجراءات لمواجهة الوباء، نفذت جامعة الشارقة جميع الأساليب الممكنة وأفضل الطرق في التدريب، وجعلت كلاً من الموظفين والطلاب لا يدركون الخطط الجارية فحسب، بل يعملون وفق أفضل شكل منهجي متوافر. إن جامعة الشارقة عملت وتستمر في العمل بلا كلل على مدار الساعة، لخدمة التعليم والتعلم، وبما أننا قريبون من الامتحانات النهائية لفصل الربيع 2019 / 2020 ، فإن جامعة الشارقة جاهزة ومجهزة تماماً للقيام بهذه المهمة».
توفير الوقت
وفي سياق إحاطتنا الكاملة بهذه التجربة التعليمية، التقت «ومضات » ياسمين الخليل مدرّسة لغة عربية بمدرسة الرشد الأمريكية، وقالت عن تجربتها: «إن التغييرات التكنولوجية المتسارعة في العالم قفزت بالقطاعات الحيوية قفزة نوعية، ونال قطاع التعليم نصيباً كبيراً من هذا التطور، ونحن محظوظون في الإمارات بالمنظومة التعليمية المتقدمة التي تعد من بين المنظومات الأكثر تقدماً في العالم».
وأضافت الخليل: «إن وزارة التربية في مهامها لمواجهة انتشار فيروس «كوفيد »19 وفَّرت كافة وسائل الدعم المعرفي والتعليمي، كما أن وجود تقنية الفيديو المسجل للحصة الدراسية يتيح للطالب إعادة الاطلاع، والاستفادة منها في أي وقت».
وختمت حديثها قائلة: «نفتخر بحجم هذا الإنجاز التعليمي في الإمارات، الذي يهدف للانتقال إلى مرحلة الوزارة الذكية بشكل كامل وبناء منظومة تكنولوجية تقدم كافة الخدمات التعليمية الذكية بسهولة وفي أي وقت. أخيراً نعي تماماً أن التكنولوجيا باتت ضرورة حتمية لتطوير القطاع التعليمي وفتح آفاق علمية بلا حدود مستقبلاً، وهو ما سعت إلى تعزيزه حكومة الإمارات الرشيدة منذ سنوات للارتقاء بالوطن ومن يعيش فيه».
منهجية متكاملة
من جانبها، أكدت المستشارة الأسرية الأستاذة فوزية عبدالله باصهي ل «ومضات » أنها بوصفها مدربة معتمدة لدى هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي ترى أن «قرار التعليم عن بعد الذي أصدرته وزارة التعليم جاء لحماية الطلبة من خطر الإصابة بفيروس «كورونا »، وأن هذا القرار لمصلحتهم ومصلحة الارتقاء بالتعليم في دولة الإمارات».
وأضافت باصهي: «يجب استغلال بقاء الطلبة في المنزل واستثماره على نحو كامل، والعمل على تطوير الأساليب التعليمية، مثلاً اتباع أسلوب المسابقات التعليمية الترفيهية في المنزل كالمطالعة وزيادة معلومات الإرشادات الوقائية للطلبة، ويجب أن ترفق تلك المسابقات بهدية ترفيهية للفائز كتحفيز له على الاستمرار.
وتحدثت عن تجربتها في فترة البقاء في المنزل، بصفتها مستشارة أسرية ومدربة معتمدة، حيث استطاعت مواجهة هذا الحجر الصحي بتقديم برامج تعليمية تدريبية ودورات هادفة عبر الإنترنت، مؤكدة في ختام حديثها أن الشكر والتقدير الأكبر موجّه لحكومة الإمارات الرشيدة وصناع القرار الذين حرصوا كل الحرص على سلامة الطلبة وتطوير القطاع التعليمي في الدولة.
في هذه الجائجة الخطيرة التي يعاني منها العالم، أثبتت الإمارات أن استثمارها في التكنولوجيا، وتحويل المدن إلى مدن ذكية، بما فيها منظومة التعليم، كان بفضل رؤيتها البصيرة والتخطيط الناجح للمستقبل، وما قد يحمله من تطور بعد الآخر على كافة المستويات.
التجربة التعليمية الإماراتية عن بعد رائدة، وإيجابية وناجحة، وهي نموذج فعّال في وقت الأزمات، ويمكن للعديد من دول العالم الاقتداء بها، والاستفادة من الحلول الذكية التي قدّمتها وتقدمها، إلى جانب التطبيقات التفاعلية المتنوعة، التي تسهل سير العملية التعليمية للمعلمين والطلبة وذويهم. وبحسب وزارة التعليم في الدولة، فإنها تستعد، بعد تطبيق عملية التعلم عن بعد، للانتقال إلى مرحلة جديدة أشمل وأعم من خلال تطبيق التعلم الذكي المتكامل الأساسيات والمنهجية والذي يكفل استمرار ارتقاء المنظومة التعليمية في الدولة.