أساليب رقمية لمحو الأمية
تسعى الحركة العالمية لمشروع محو الأمية إلى تغيير الطريقة التي يتعامل بها التربويون مع الأشخاص الأكثر تهميشاً في العالم. لكن هل بإمكان الابتكار والبحث تحقيق التغيير على أوسع نطاق مطلوب؟ تبحث مجلة «ومضات » في بعض المشاريع التي يتم بناؤها لتناسب متطلبات الحاضر.
ما الذي تفكر فيه حين يتفوه أحدهم بكلمة «أميّ » لا يقرأ ولا يكتب؟ في البدء تتخيل على الأغلب شخصاً غير قادر على حمل وقراءة أي كتاب يرغبه، من ثم تفكر ملياً وتتعمق في تحري المسألة، ويتضح لك أن القدرة على القراءة تفتح آفاقاً تفوق حب الشخص لأدب، كما أن لانعدامها أضراراً تفوق بكثير عدم قدرتك على الإقدام على قراءة آخر كتاب حقق أفضل المبيعات.
في الواقع، غالباً ما يكون للأمية علاقة بمسائل أخرى كالإقصاء عن المجتمع. فالأشخاص الذين ليس باستطاعتهم القراءة أو الكتابة هم في غالب الأمر يعيشون في فقر، أينما كانوا في هذا العالم، وهم في غالب الأمر غير قادرين على الحصول على التعليم، أو يتوقفون عن الذهاب إلى المدرسة في سن مبكرة، أو أنهم يواجهون مشكلات في الحصول على عمل وتفوتهم فرص المشاركة بشكل فعال في المجتمع والقوة العاملة.
وبينما يكون للنتائج أكبر التأثير، غير أن المشكلة غالباً ما يستهان بها على نطاق واسع. إذ يصنف ما يقارب 750 مليون شخص حول العالم على أنهم أميون، ذلك ما يقارب 10 % من سكّان العالم، وأكثر من سكّان أوروبا بأكملها. ومن هؤلاء 123 مليون شخص تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة، ثلثاهم من النساء.
وبينما تكون المشكلة عالمية بكل تأكيد، فإن الأفكار المتداولة بشأن أن تأثيراتها أشد وطأة في البلدان النامية هي بعيدة تماماً عن الحقيقة، فالتكلفة السنوية العالمية للأمية تصل إلى 1.19 تريليون دولار، ونجد أن الدول المتقدمة هي التي تنفق القسم الأكبر من إنتاجها المحلي الإجمالي على هذه المشكلة. حيث إن هنالك 32 مليون شخص بالغ يعاني من الأمية في الولايات المتحدة الأمريكية، أما في المملكة المتحدة، فقد قدّرت وكالة محو الأمية الوطنية، وهي عضو في مشروع محو الأمية، أنه في السنة الماضية كل طفل من أصل ثمانية أطفال محرومين في بريطانيا قالوا إنهم لا يملكون كتاباً.
وكشفت الوكالة قائلة: «إن افتقار الشخص لمهارات القراءة والكتابة الضرورية يعيق تقدمه في جميع مراحل حياته، فحين يكون طفاً، لن يكون قادراً على النجاح في المدرسة، ولن يمتلك فرصة في سوق العمالة كبالغ يافع، ولن يتمكن من المساعدة في تعليم أطفاله كوالد. هذه المشكلة المشتركة بين الأجيال تجعل القدرة على الانتقال الاجتماعي وتحقيق مجتمع أعدل صعباً».
يظهر آخر تقرير للمشروع أن عدد
المشاركين في هذه الحملة قد وصل
إلى 30 مليار شخص من جميع أنحاء
العالم من خال قنوات الإنترنت،
والطباعة والبث، كما استفاد أكثر
من 7 ملايين شخص من برامجها.
وأضافت: «قد لا يتمكن الأشخاص من أصحاب المهارات الضعيفة في القراءة والكتابة من قراءة كتاب أو صحيفة، أو فهم لافتات الطريق أو بطاقات الأسعار، أو فهم ما هو مكتوب في جدول مواعيد حافلة أو قطار، أو تعبئة استمارة، أو قراءة الإرشادات على الأدوية أو استخدام الإنترنت».
وهنا يأتي دور مشروع محو الأمية. وهي حملة عالمية قام بتأسيسها وعقدها دار نشر بيرسون التعليمي، «وهي تهدف إلى القضاء على الأمية بحلول عام 2030 من خال بناء شراكات والقيام بمجهودات »، حيث يظهر آخر تقرير أن عدد المشاركين في هذه الحملة قد وصل إلى 30 مليار شخص من جميع أنحاء العالم من خال قنوات الإنترنت، والطباعة والبث، كما استفاد أكثر من 7 ملايين شخص من برامجها.
ومع اقتراب الربع الثاني من عام 2019 أصبح أكثر من 120 منظمة مجتمعية، وتجارية، وصناعية من الأعضاء في شبكة المشروع، ويتوقع انضمام المزيد للعضوية خال العام. ويتم حالياً إنشاء مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى اختبار اتجاهات جديدة تتناول مشكلة الأمية.
بناء العقول
مبادرات مشروع لمحو الأمية تهدف لسد فجوة التعليم.
مختبر محو الأمية
يعد مشروع مختبر محو الأمية الشراكة الدولية الأولى من نوعها في العالم التي تركز على مشاريع سريعة النمو والتي ترغب في المساعدة على سد فجوة محو الأمية العالمية، وقد تأسس على فكرة أن رجال الأعمال في موقع فريد للمساعدة على تطوير نماذج وتقنيات جديدة للانتشار التعليمي، وتهدف المبادرة إلى وضع مصادر غير مسبوقة في خدمة المشاريع على مستوى العالم، والتي تستهدف تحديات رئيسة تتعلق بمحو الأمية. توفر أحداثها المتسارعة لهذه الشركات التوجيه والتمويل وفرصاً لإدارة العلاقات لمساعدتهم على زيادة وتيرة توسيع نطاق ابتكاراتهم.
منصة التعلّم
منصة التعلّم هذه عبارة عن شراكة تربط مشروع حملة محو الأمية، والبنك الدولي، وائتلاف «كل الأطفال يقرؤون.. تحدٍ هائل للتنمية »، وهي مبنية على لعبة تهدف إلى تحسين القراءة والكتابة لدى الطفل من خلال تشجيع الابتكار الاجتماعي بين الأشخاص اليافعين. وقد تم تقديم الدليل الرقمي الأول في ليمبوبو عام 2017 ، وهي المقاطعة التي تحتضن أدنى معدل للقراءة والكتابة في جنوب أفريقيا، وشارك أكثر من 80 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 14 و 32 في برنامج مدته ثلاثة أشهر يستخدم لعبة إلكترونية متعددة اللاعبين لمساعدتهم على تحديد وحل التحديات المتعلقة بالأمية في بيئتهم الأسرية. وقد كانت النتائج واعدة، حيث أظهر الذين يخضعون للبرنامج تحسناً ملحوظاً في قاعدة معرفتهم للقراءة والكتابة، وكيف بإمكانهم خلق مشاريع مصممة للتقليل من تأثيراتها على مجتمعاتهم المحلية. والآن هناك دليل رقمي آخر قيد التنفيذ في تيمبيسا، في محاولة لجمع ملاحظات أكثر حول المنصة، قبل أن يتم إصدارها عبر جنوب أفريقيا وغيرها.
مدينة افتراضية
يعدّ مشروع «إيليترا سيتي » متعدد الوسائط على الإنترنت من ضمن مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى إشراك المزيد من الأشخاص عالمياً للتعامل مع محنة الأمية هذه، ويتيح للزوار استكشاف مدينة افتراضية مأهولة بالأشخاص الذين يعانون من الأمية في العالم. هنا، يتم استكشاف مشكلات الفقر، وانعدام الحقوق المدنية، والبطالة، والسجن، وانعدام المساواة، وانعدام القدرة على الحصول على أساسيات الرعاية الصحية من خلال عدسات تأثير الحرمان التعليمي.
اقرأ للأطفال
تعدّ مبادرة «اقرأ للأطفال » مشروعاً مشتركاً بين «بيرسون » و «ورلدريدر »، بدأ في الهند عن طريق تسخير تقنيات الهواتف المحمولة البسيطة لتمكين الآباء والأمهات في المجتمعات منخفضة الموارد من القراءة لأطفالهم. ومن خلال استخدام الهواتف المحمولة للتشجيع على أوقات القراءة المشتركة في المنزل، عملت المبادرة مع أكثر من مئتي ألف عائلة في 177 مجتمعاً محلياً منخفض الموارد في جميع أنحاء مدينة دلهي، من خلال تأمين وصولهم مجاناً إلى 550 كتاباً إلكترونياً مناسباً لأعمارهم على أي جهاز متصل بالشبكة. ومنذ ذلك الحين، توسع المشروع إلى الأردن، وتخطط «وورلد ريدر » للانتقال إلى أفريقيا بحلول عام 2020 ، لتصل بالرقم الكلي لخطتها إلى ما يتجاوز مليون أسرة.