تحدي الأمية... الهدف النبيل
«الإنسان أمامه خياران: إما أن يكون تابعاً أو مبادراً، ونحن نرغب في أن نكون
مبادرين ومتقدمين .محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي
كل شواهد التاريخ تؤكد أن الإنسان لا يمكن أن يرتقي ويتطور دون علم ومعرفة، وأن الأمم التي تتعامل مع منظومة المعارف باستخفاف وإهمال، ستلقى مصيراً لا تحمد عقباه، لذا يصبح العمل من أجل تيسير الحصول على العلم هدفاً راقياً ونبيلاً ينبغي أن نحتفي به ونستثمره على أكمل وجه. لذا فإن محو أمية الناس من أكثر الأهداف نبلاً في هذا الزمن الذي اقتحم فيه الإنسان عوالم جديدة بفضل العلم والثقافة، حتى بات )الجاهل( عبئاً على نفسه أولاً وعلى أمته ثانياً.
من هنا تأتي الأهمية الكبرى لمشروع )تحدي الأمية( الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، قبيل الجلسة الافتتاحية لقمة المعرفة في دورتها الرابعة في 2017 ، ذلك المشروع الذي يستهدف محو أمية 30 مليون شاب وطفل عربي حتى عام 2030 بالتعاون بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ومنظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
لقد بات من الصعب تقبل وجود شاب أمّيٍّ لا يعرف القراءة والكتابة ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؛ فالحياة العصرية تتطلب معرفة كبيرة، لا بالأبجدية فحسب، وإنما بما يتطلبه العصر الحديث من أبجديات المعارف العلمية والتكنولوجية حتى يستطيع المرء التعامل مع الحياة بإيجابية فيصبح مفيداً لنفسه ولبلده، الأمر الذي يحتم على الدول أن تعمل جاهدة على محو أمية أبنائها، وحسناً فعلت منظمة اليونسكو عندما اعتمدت عام 1966 يوم 8 سبتمبر من كل عام يوماً دولياً لمحو الأمية؛ كي تلفت انتباه الدول والحكومات إلى أهمية العمل بجدية على تحقيق هذا الهدف السامي وتوفير الإمكانات كافة لإنجاز هذه المهمة الوطنية العظيمة.
وبالفعل، فقد حققت دول كثيرة نجاحات باهرة في هذا المجال، فنسبة الأمية في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، عام 1961 بلغت 86 %، ولما أقرت القيادة هناك محو الأمية هدفاً قومياً ينبغي العمل على تحقيقه، نجحت في ذلك بشكل كبير جداً، فتقلصت نسبة الأمية إلى 1% فقط عام 2006 .
أما بريطانيا فقد احتفلت عام 1936 برحيل آخر رجل أمي إنجليزي، أي إن الإنجليز تخلصوا من ميكروب الأمية قبل 83 سنة، ولا ريب في ذلك، فقد قاد الإنجليز العالم كله علمياً منذ القرن الثامن عشر، وتمكنوا من تحقيق قفزات مذهلة في دنيا الصناعة والتجارة والاختراعات، بينما نحن في عالمنا العربي مازلنا نكابد أوضاعاً محزنة بشأن الأمية؛ ففي عام 2014 كان هناك 96 مليون أمي عربي لا يعرف القراءة والكتابة، بنسبة قدرها 19 %، وهو رقم مخيف بالفعل في زمن الإنترنت وفيسبوك وواتساب وإنستجرام!
لا مناص؛ فالقضاء على الأمية أمسى ضرورة قصوى حتى نتمكن من اللحاق بركب العصر الحديث، وقد صدق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عندما قال: «الإنسان أمامه خياران: إما أن يكون تابعاً أو مبادراً، ونحن نرغب في أن نكون مبادرين ومتقدمين .» ولا سبيل إلى أن نكون مبادرين ومتقدمين إلا بالعلم والمعرفة.