«راشد »... أصل طيب ورمز وطن
لعل المتابع للشأن الإماراتي يقف حائراً أمام هذه التطلعات التي تتوالى وهي تستولي على اهتمام رأس الهرم من قيادتها؛ فبينما العالم منشغل في الخروج من وطأة الأزمات الداخلية التي تدمر النسيج الاقتصادي والاجتماعي والصحي في عدد من المناطق التي وُبئت بأفتك مرض مر على البشرية منذ عقود، يرون المشهد الإماراتي مختلفاً تماماً؛ فالمواجهة الاحترافية والرائدة بشهادة العالم في التصدي لتبعات هذا المرض، والإبداع في مجال البحوث الطبية والعلاجات والمستويات العالية في الشفاء وتضاؤل الانتشار، إذا به يتبعه تطلعات قد يراها البعض نوعاً من الترف العلمي في أوقات الرخاء، فكيف والعالم قابع تحت رحمة وباء لا يفرق بين دولة متحضرة وأخرى متهاوية!
من خلال استكشاف القمر نكتب فصلاً جديداً ملهم في سجل
إنجازاتنا كدولة سقف طموحاتها الفضاء وأبعد، واخترنا إطلاق
اسم المغفور له الشيخ راشد على المستكشف الإماراتي للقمر
تكريم لباني نهضة دبي وأحد صناع دولة الإمارات؛ المشروع
الوطني والإنساني الأكبر والأجمل في المنطقةالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمناسبة إطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف القمر
إلا أن هذا المتابع عندما يعلم أن هذه المواقف والتطلعات هي تطلعات إماراتية يزول عجبه، ويضمحل استغرابه، فلا ريب أن الإمارات، التي سبقت في فترة وجيزة وسابقت كثيراً من الدول، لا غرابة في أن يكون التميز دأبها، حتى في أوقات الأزمات. لكن أن تحتفَّ الأوقات التي يستنفد فيها كوفيد 19 طاقات العالم ومقدراته، جهود إماراتية وإطلاق مشروعات فضائية فهذا بحد ذاته إنجاز عظيم. فلم تمض أشهر على إطلاق مسبار الأمل لاستكشاف المريخ، متحدياً كل الظروف الراهنة، إذا بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يعلن عن إطلاق «راشد » أول مستكشف إماراتي للقمر، المشروع العلمي الفضائي الذي ستنضم من خلاله دولة الإمارات إلى الدول الثلاث في العالم التي شاركت في مهام اكتشاف القمر لأغراض علمية، هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، والصين. وبأيادٍ إماراتي، ستنطلق مسيرة البناء لهذا المشروع الرائد، وليؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ذلك بقوله: «مشروعنا الفضائي ضخم، لدينا الإرادة وحسن الإدارة.. ولدينا ثروة بشرية من كوادر علمية وبحثية وهندسية شغوفة، والمستقبل الذي ينتظرنا حافل بالإنجازات والابتكارات».
حقاً هي عزيمة لا تقف في وجهها الجبال، والمتأمل إلى الخط البياني الإماراتي يرى أنه في تصاعد دائم، حتى في علاج التحديات التي تعصف بالبلاد، أسوة بغيرها من البلاد، تجدها تتميز على الغير في مجابهتها، والتعامل معها، ثم تجاوزها. وما المسيرة الصحية والتعليمية والتجربة الرائدة التي لم تزل واضحة للعيان إلا دليل ناطق على ذلك، وكما قيل: «ليس الخبر كالمعاينة».
انطلق مشروع الإمارات لاستكشاف القمر، وما أنسبه من اسم هذا الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على المستكشف الإماراتي للقمر! ف «راشد » طيب الله ثراه، هو باني دبي الحديثة، وله، بعد الله سبحانه وتعالى، الفضل في تأسيس نهضة أضحت من خلالها دبي حديث العالم؛ عن جمالها، وبناها التحتية، ومشروعاتها، وريادتها، وتميُّز حكومتها... والكثير من الأرقام والمراكز المتقدمة التي لا تسعها هذه السطور يقيناً.
«راشد » هو رمز عربي لا يمكن للزمن أن ينساه، وقامة إماراتية سطَّرت ذكرها جذوراً راسخة على هذه الأرض الطيبة، من خلال النظرة الاستشرافية التي كان، رحمه الله، متحليًا بها. ولعل الظروف التي يمر بها إطلاق هذا المستكشف قريبة في بعض النواحي من الفترة التي أسس فيها «راشد » إمارة النمو والازدهار، فكما أن العالم يمر بأزمة كوفيد 19 التي جعلته حائراً في إجراءات التعافي الاقتصادي والاجتماعي والصحي منها، كان العالم يمر بمرحلة عصية وعصيبة في تلك الفترة التي نظر فيها «راشد » إلى المستقبل نظرة أبعد من الواقع بسنين، وما هي إلا سنوات، حتى بدأت بذور ذلك الاستشراف الرائد بالبروز للعيان، وإنجازاً تلو إنجاز، إذا باسم «دبي » يصير علماً على النهضة والازدهار والرخاء والسعادة، وإذا بهذه البقعة تصبح أرض الأحلام التي يتطلع للعيش فيها أو زيارتها أهل الأرض قاطبة.