بينجيو.. الوجه الإنساني للذكاء الاصطناعي
لم يقتصر وجود الذكاء الاصطناعي على أماكن العمل والتخصُّصات العامة الأخرى، بل دخل إلى صلب حياتنا اليومية وغرف نومنا. ورغم أن هذا التخصص لا يزال جديداً نسبياً كحقل دراسة لعامة الناس، ولكن هناك علماء كرَّسوا حياتهم له منذ التسعينيات، من بينهم العالم الكندي المتميّز يوشوا بينجيو.
بدءاً من التعلُّم العميق، اكتسب بينجيو اليوم اسم الوجه الإنساني للذكاء الاصطناعي من خلال تقديم مشاريع قد تساعد البشرية على المدى الطويل. هذا العالم الكندي البالغ من العمر 55 عاماً، والمولود في باريس، أحد كبار خبراء الذكاء الاصطناعي في العالم، ورائد في مجال التعلُّم العميق، قد جلب أبعاداً جديدة إلى الذكاء الاصطناعي، تعدُّ الأحدث في عالم التكنولوجيا. بالنسبة لبينجيو، لم يكن هناك نظرة إلى الوراء منذ أن كتب "نموذج اللغة الاحتمالية العصبية" في عام 2000 . كانت هذه الدراسة المتميزة، التي شارك في تأليفها ثلاثة آخرون، قد نشرت في مجلة «أبحاث التعليم الآلي » في عام 2003 ، حول الاحتمال المشترك لوظيفة تسلسل الكلمات في اللغة. في عام 2018 ، أصبح عالم الكمبيوتر الذي جمع أكبر عدد من الاستشهادات الجديدة بآرائه في العالم حيث تجاوز سجل الباحث العلمي في غوغل أكثر من 130 مرة وأكثر.
النهج الإنساني
يقوم بينجيو، الحائز على العديد من الجوائز، ومختبره في معهد مونتريال لخوارزميات التعلُّم (ميلا)، بمهمة سد الفجوة بين الذكاء الاصطناعى والمجتمع، بناءً على مقاربة مستدامة للبشرية. لقد أحدثت مشاريع «الذكاء الاصطناعي من أجل الإنسانية » تأثيراً عميقاً في إدارة الكوارث، والزراعة، والبيئة، وتعزيز التنوُّع ومعالجة التحيُّز بين الجنسين في النصوص. ويتملَّك بينجيو طموحٌ شديدٌ حول إمكانات الذكاء الاصطناعي في التطبيقات الصحية. ففي مقابلة مع موقع «آي بي إم »، قال: «يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير في صحة الجميع، على سبيل المثال في معالجة السرطان، الذي يعدُّ القاتل الأكبر في مجتمعاتنا. سوف يسمح الذكاء الاصطناعي بتوفير المزيد من الأدوية المخصَّصة، وجلب ثورة في استخدام مجموعات البيانات الطبية الكبيرة. سوف نرى علاجات خاصة بالمريض، على سبيل المثال، تلك التي تمَّ إنشاؤها باستخدام بياناتك الوراثية والتعبيرية، والتي من المرجَّح أن تقوم بعمل جيد في هذا السياق. حالياً نستخدم أدواتٍ حادةً جداً لعلاج المرضى. يحمل هذا التطوُّر إمكانية القدرة على تغيير الكثير. وسنرى أيضاً استخداماً أكثر كفاءة لوقت الأطباء».
يعدُّ «الذكاء الاصطناعي الخاص بالعناصر الكيميائية » مساهمة أخرى من بينجيو في حقل الذكاء الاصطناعي. كما شارك في تأسيس حاضنة الذكاء الاصطناعي في مونتريال بكندا، والتي يمكن أن تنتج تطبيقات أعمال في العالم الحقيقي في عام 2016 . بعد سنة، انضمَّ بوظيفة مستشار استراتيجي إلى «بولتر للذكاء الاصطناعي »، وهي شركة ناشئة مقرها في مونتريال. يعمل بينجيو، الذي أطلق عليه «ضابط نظام كندا » حالياً في شركة «ريكيرشن فارماسيتوكلز Recursion( » Pharmaceuticals (، وهي شركة متخصصة في علوم الحياة والتكنولوجيا، كمستشار علمي وتقني. وقد أحدثت نتائجه أيضاً ثورة في عالم رؤية الكمبيوتر وغرافيكيات الكمبيوتر. وفقاً لجمعية تكنولوجيا الحوسبة، التي منحت بينجيو وشخصين آخرين جائزة تورينغ عام 2018 ، والتي يطلق عليها جائزة «نوبل للحوسبة »، فإنَّ أحد تطبيقات الكمبيوتر لديه قادر على إنشاء صور أصلية، تذكرنا بالإبداع الذي يُعدُّ سمة مميزة للذكاء البشري.
هل تتغلب الآلات على البشر؟
أثار إدخال الذكاء الاصطناعي في الصناعات الكثير من الشكوك حول الآلات فائقة الذكاء التي يمكن أن تزيل الوجود الإنساني في أماكن العمل، وخسارة الإنسان أمام الآلات في المستقبل القريب. لكن العديد من الخبراء استبعدوا هذا الاحتمال؛ لأنَّ الآلات لا يمكن أن تعمل من دون ذكاء بشري، سواء كان الذكاء الاصطناعي أو التعلُّم العميق أو أي آلة عادية. على حد تعبير بينجيو، فإنَّ ما وصل إليه التعلُّم العميق في النظم الصناعية، مثل التعرُّف إلى الكلام، والترجمة الآلية، والبحث عن الصور، والسيارات ذاتية القيادة، وأنظمة الرؤية للمكفوفين، وما إلى ذلك.. كلها تستفيد من التقدُّم في التعلُّم الخاضع للإشراف، ومع ذلك، فإنَّ البشر يجيدون التعلُّم غير الخاضع للإشراف، ونحن بحاجة إلى إحراز تقدُّم كبير في هذا الاتجاه لجعل الذكاء الاصطناعي قريباً من المستوى الموجود لدى الإنسان. عندما سُئِلَ بينجيو عن كيفية تطوير أجهزة الكمبيوتر عقلانيتها ومنطقها إلى مستوى إنساني، قال: «من الصعب قول ذلك. صُمِّمَت الرسوم البيانية للمعرفة ليتمَّ تقييمها وتنسيقها بوساطة البشر، ولكن قد نحتاج إلى تعلُّم أشكال أخرى من التمثيل لتكونَ أكثر قابلية للاستخراج من البيانات تلقائياً - من المستندات على سبيل المثال - بوساطة شبكات عصبية عميقة ». في علوم الكمبيوتر، يشير مصطلح الشبكات العصبية إلى أنظمة مكوَّنة من طبقات من عناصر الحوسبة البسيطة نسبياً تسمّى الخلايا العصبية التي يتمُّ محاكاتها في جهاز الكمبيوتر. ومع ذلك، فإنَّ بعض تقنيي الذكاء الاصطناعي متفائلون بشأن اكتشاف التحدي المنطقي في السنوات الخمس إلى العشر القادمة، وأنَّ التعلُّم العميق قد يكون في الواقع جزءاً من الحل، ما يعني أنَّ العالم يتوقَّع المزيد من يوشوا بينجيو.
بينجيو أحد كبار خبراء الذكاء الاصطناعي
في العالم، ورائد في مجال التعلُّم
العميق، قد جلب أبعاداً جديدة إلى
الذكاء الاصطناعي، تعدُّ الأحدث في
عالم التكنولوجيا.
خلفية أكاديمية
بعد تخرُّجه في الهندسة الكهربائية، حصل بينجيو على شهادة الماجستير في علوم الكمبيوتر، ثمَّ درجة الدكتوراة في علوم الكمبيوتر من جامعة مكغيل، جامعة الأبحاث العامة في مونتريال، كيوبيك، كندا. وبحسب موقعه على الإنترنت: »منذ عام 1993 ، كان أستاذاً في قسم علوم الكمبيوتر والأبحاث التشغيلية بجامعة مونتريال، إضافة إلى إشغاله كرسي الأبحاث الكندي في خوارزميات التعلُّم الإحصائي، كما أنه مؤسِّس ومدير علمي ل «ميلا »، أكبر مجموعة بحثية جامعية في العالم في مجال التعلُّم العميق. وضعت «ميلا »، أكبر مركز أكاديمي لبحوث التعلُّم العميق في العالم، مونتريال على قمة النظام البيئي للذكاء الاصطناعي، حيث تضمُّ مختبرات بحثية لكبرى الشركات، والعديد من الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أنَّ بينجيو معروف بالعمل على الشبكات العصبية الاصطناعية والتعلُّم العميق، إلا أنَّ اهتماماته تمتد عبر شبكات الخصومة التوليدية، والترجمة الآلية العصبية، وتضمين الكلمات، ورموز التشفير التلقائي، ونماذج اللغة العصبية، وتعلم التعلم، إلخ. يعدُّ بينجيو أحد العلماء الثلاثة الأكثر مسؤولية عن تقدُّم التعلُّم العميق من التسعينيات وحتى الألفية الجديدة، إلى جانب جيفري هينتون ويان لوكون، الذي شارك معه الفوز بجائزة تورينغ.
هل تعلم؟
إذا كنت تعتقد أنَّ الذكاء الاصطناعي هو علم المستقبل، ويتم استخدامه فقط في السيارات ذاتية القيادة، فأنت مخطئ تماماً. الذكاء الاصطناعي يعيش معك طوال اليوم أثناء تسجيل الدخول إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، "تويتر"، "إنستغرام"، سناب شات" و"بين إنتريست" وغير ذلك. كما تعدُّ البنوك من الدعاة الرئيسين الآخرين لاستخدام التكنولوجيا المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.