تعزيز التسامح عبر منصات التواصل الاجتماعي
أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور خطاب الكراهية، ما دفع كثير من الحكومات والمنظمات والأفراد إلى البحث عن حلول للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، وتوظيف المنصات التفاعلية لتعزيز التسامح بين كافة الفئات. هذه الظاهرة خطيرة، وإذا لم تُبْذَل جهودٌ لكبحها، فقد ينشأ عنها العنف.
في عام 2008 ، أجرت جامعة إيلون بولاية نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة استقصائية للتوقُّعات حول ما إذا كان الناس سيكونون أكثر تسامحاً في عام 2020 نظراً لتعرضهم على نطاق أوسع للآخرين، وآرائهم المنشورة على الإنترنت وغيرها من منصات المعلومات والاتصالات.
من بين المستجيبين البالغ عددهم 1196 ، عارض 55 % توقُّعات الاستطلاع. غالبية هؤلاء رأوا أنه «بينما لا يوجد شك في أنَّ الإنترنت يوسِّع من إمكانات الناس للوصول إلى فهمٍ أفضلَ لبعضهم، إلا أنه يوسِّع من احتمال التعصب والكراهية والإرهاب، وبالتالي لن يشهد التسامح مكاسب».
للتعامل مع هذا التهديد، تقترح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أن التعليم من أجل التسامح ينبغي أن يهدف إلى مواجهة التأثيرات التي تؤدي إلى الخوف واستبعاد الآخرين، وينبغي أن يساعد الشباب على تطوير قدراتهم على الحكم المستقل، والتفكير النقدي، والتفكير الأخلاقي.
يؤكّد «إعلان مبادئ بشأن التسامح »، الذي تمَّ التوقيع عليه في نوفمبر 1995 من قِبَل الدول الأعضاء في اليونسكو، أنَّ التسامح ليس تساهلاً ولا مبالاة، بل إنه احترام وتقدير مجموعة متنوعة غنية من ثقافات عالمنا، وأشكال التعبير لدينا والطرق التي تجعل منّا بشراً حقيقيين.
في حديث لمجلة «ومضات »، يقول الدكتور جيمس ويت، أستاذ علم الاجتماع والإنثروبولوجيا، ومدير مركز أبحاث العلوم الاجتماعية، ومدير معهد بحوث الهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية، إنَّ «المجتمع يجب ألا يقبل الأفعال أو الكلمات التي تشجّع العنف ». ويضيف: «لا ينبغي للمجتمع الإنساني أن يقبل الكلمات أو الأفعال العنيفة تجاه الآخرين، ولا يجب أن يشجعها أو يمجّدها. إنَّ الكشف عن هذا العنف والاعتراف به أمر مقبول، إذا كان الهدف هو وقف هذا العنف. وبغض النظر عن العنف، يجب التغاضي عن أي تعبير عن المعتقدات والمواقف والآراء طالما أنها تحترم جوهر الإنسانية للآخرين الذين لا يحملون نفس المعتقدات والمواقف والآراء».
«لا ينبغي للمجتمع الإنساني أن يقبل الكلمات أو
الأفعال العنيفة تجاه الآخرين، ولا يجب أن يشجّعها أو
يمجّدها. إنَّ الكشف عن هذا العنف والاعتراف به أمرٌ
مقبولٌ، إذا كان الهدف هو وقفه .»
البروفسور جيمس ويت
ويرى الدكتور ويت أنَّ الجمع بين الناس أمرٌ ضروريٌّ لتعزيز التسامح؛ لأنه من خ الل التعرُّف والاتصال مع الآخرين، تصبح الإنسانية المشتركة واضحة. ويعلِّق على ذلك بقوله: «تعدُّ التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي وسيلة مناسبة لتحقيق هذه الغاية؛ لأنها تتيح التعرُّض للآخرين، والاتصال معهم دون وجود حضور مادي. من وجهة نظري، يمكن تحقيق ذلك على أفضل وجه من خلال منصة تفاعلية تسمح بالاتصال والتواصل على نحو مماثل للتفاعل وجهاً لوجه».
يتفق المبتكر الأوغندي، مايكل كاتاجايا، مؤسِّس «إيفدينس آند ميثودس لاب »، وهي مبادرة تقنية مدنية، مع هذا الرأي. ويقول: «وسائل التواصل الاجتماعي تسمح للناس بالاط الع على وجهات نظر العالم الآخر، حتى لا يضطروا إلى الحكم على الآخرين على أساس العرق أو الثقافة أو الدين أو أي تحيُّزات أخرى، ويتعلَّموا التعايش مع الناس».
كان كاتاجايا جزءاً من جلسة نقاشية حول «آفاق الديمقراطية الرقمية في أوغندا وما بعدها »، في مؤتمر وسائل الإع الم الاجتماعي الذي عُقِدَ في كمبالا، أوغندا الشهر الماضي. وقال: إنَّ المنظمات والحكومات بحاجة إلى التفكير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتثقيف الناس حول سبب وجوب التسامح والتعايش مع بعضهم. واستشهد بمثال حملة رواندا على الإنترنت التي ترأستها منظمة غير حكومية «نافر أغين » تحت وسم NeverAgain#( ( والتي استخدمت تجارب الإبادة الجماعية في عام 1994 ، لتثقيف الشباب الرواندي حول مخاطر عدم التسامح. ويضيف: تستخدم منظمتنا «إيفدينس آند ميثودس لاب » طرقاً عدة؛ على سبيل المثال، مع التركيز على حقوق الأرض وقانون الأسرة، فإننا نستخدم الرسوم البيانية لعرض الرسائل بتنسيقات يمكن للناس فهمها بسهولة. من جهته، يرى غيلبرت موامبو من استشارات الطب الشرعي بالكمبيوتر في كمبالا، والذي يعمل مع «شبكة مقدمي خدمات المساعدة القانونية »، وهي منظمة مجتمع مدني تدير تطبيقاً ذكياً، أنَّ هذا التطبيق يمكن أن يعزز التسامح من خ الل زيادة التفاعل بين المواطنين ومقدمي الخدمات الحكومية.
ويقول: «من خلال www.twogere.com نقوم بتجربة نظام أساسي يتيح التفاعل وجهاً لوجه بين المواطنين والخبراء. نعمل على إنشاء منصة يمكن لأي شخص من خلالها الوصول إلى أي خبير، والتشاور معه دون الحاجة إلى الاتصال به بالضرورة ». كما تدعو الصحفية بوني أليس جامكولوك من جنوب السودان في مقال نُشِرَ لها على موقع اليونسكو ( www.unesco.org ) إلى تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، وهي وجهة نظر تتشاركها معها كتاجايا. وتقول عن ذلك: «يمكن وضع القواعد التي تحكم التفاع الت على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تعزِّز التسامح. إذا أساءت معاملة شخص ما بسبب عرقه أو دينه أو جنسه أو ميوله، فيجب أن تتحمّل مسؤولية ذلك. يقوم موقع "فيسبوك حالياً باتخاذ إجراءات إذا ما نشرت شيئاً مسيئاً وتم الإب الغ عنك بشأنه».
كلمات في التسامح
من دون التسامح يتحوَّل عالمنا إلى جحيم .
فريدريش دورينمات، مؤلف سويسري.
ما التسامح؟ إنه نتيجة ناشئة عن إنسانيتنا. جميعنا يتكوّن من الضعف والخطأ، لذلك دعونا نعفو عن حماقات بعضنا بعضاً؛ وهذا هو أول قانون من قوانين الطبيعة.
فولتير، كاتب فرنسي.
ما نحتاج إليه هو الحوار بين الحضارات. كما نحتاج إلى التعددية الثقافية، واحترام التنوع، والتسامح، واحترام
الأديان.
مانموهان سينغ، اقتصادي هندي.
نعيش في مجتمع متنوع - في الواقع، عالم متنوع وعلينا أن نتعلَّم كيف نعيش في سام واحترام مع بعضنا بعضاً.
ستان لي، كاتب أميركي.
التسامح الحقيقي يعني احترام الآخرين حتى عندما يثيرون حيرتك، وليس لديك أي فكرة عن سبب تفكيرهم فيما يفكرون فيه.
ج. ويلو ويلسون، كاتب أميركي.