كورونا ونهاية التعاملات النقدية
لأنَّ التبادل اليدوي للعمات النقدية بأشكالها المادية من الممكن أن ينقل فيروس كورونا، فقد باتت البلدان في مختلف أنحاء العالم مضطرة إلى إعادة النظر في استخدام النقد. الواقع أنَّ مرض فيروس كورونا 2019 ) COVID -19 ( ربما يصبح العامل المحفز الذي يساعد أخيراً على جلب المدفوعات الرقمية بالكامل إلى الاتجاه السائد. وليس من المستغرب أن تركِّز صناعة المدفوعات الرقمية بالفعل على الفرص التي أوجدتها الأزمة.
من جانبها، بدأت حكومة الصين في تطهير بل وحتى تدمير الأوراق النقدية للتخفيف من انتشار الفيروس، على الأقل في الأمد القريب. على سبيل المثال، ذَكَر تقرير صادر عن صحيفة South China Morning Post في هونج كونج أنَّ فرعًا محلياً لبنك الشعب الصيني في مقاطعة جوانجدونج أتلف الأموال التي ربما جرى تداولها في أماكن عالية الخطورة مثل المستشفيات وأسواق الطعام. وخوفاً من استيراد عملات ملوَّثة من آسيا، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فرض إجراءات الحجر على الدولارات المادية القادمة من المنطقة.
ربما تكون مثل هذه التدابير مبرّرة، لاسيما وأنَّ العملة المتداولة من الممكن أن تعمل كأداة لنقل مسبّبات الأمراض، مثلها كمثل البعوض. وقد وجدت الدراسات أنَّ الإنفلونزا البشرية، على سبيل المثال، من الممكن أن تظلَّ حيَّةً ومُعديةً على الأوراق النقدية لمدة 17 يوماً. وعلى هذا، فلن يكون من غير المعقول أن نفترض أنَّ العملة المادية لعبت دوراً في نشر مرض فيروس كورونا 2019 أيضاً.
على أية حال، سوف تدرس بلدان عديدة خيار تطهير العملة أو إتلافها وإعادة طباعتها.
قد يكون انتشار الفيروس
عالمياً نقطة تحوُّل في كيفية
التعامل مع المدفوعات
وأياً كان القرار الذي ستتخذه هذه البلدان، فإنَّ نتيجة واحدة تبدو مؤكدة بالفعل: سوف يعمل فيروس كورونا على التعجيل بالتحوُّل الجاري بين السكان الأصغر سناً نحو المدفوعات الرقمية، وخاصة في آسيا، وعلى وجه التحديد في الصين. وهذا الاتجاه قوي بالفعل. فاعتباراً من نهاية عام 2018 ، استخدم نحو 73 % من مستخدمي الإنترنت في الصين خدمات الدفع عبر الإنترنت (ارتفاعاً من 18 % في عام 2008 ).
يميل السكان الشباب إلى الانفتاح على تبني التكنولوجيات الجديدة، وتتمتَّع الصين ودول جنوب شرق آسيا بسكان أكثر شباباً إلى حدٍّ كبير مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تعمل الحكومة الصينية بنشاط على تعزيز بنيتها الأساسية المصرفية على شبكة الإنترنت، في حين أنَّ الدول الغربية نادراً ما تستخدم نهجاً يتجه من القمة إلى القاعدة في الحوكمة، وقد تأخرت عن الاقتصادات الآسيوية في تبني المدفوعات الرقمية.
لا يخلو الأمر من أسباب داخلة وبنيوية وراء تباطؤ معدلات تبني المدفوعات الرقمية في الدول الغربية. على سبيل المثال، لا تملك أوروبا أي شركات تكنولوجية أو مالية ضخمة تعمل في قطاع المدفوعات الرقمية. ولهذا السبب، يضطر المستهلكون وأصحاب الأعمال الأوروبيون إلى الاعتماد على الخدمات التي تقدمها الشركات الأميركية الكبرى: أبل باي، وجوجل باي، وباي بال، وما إلى ذلك. ولكن نظراً للمخاوف بشأن التنازل عن قطاعات حيوية في الاقتصاد الرقمي لصالح عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، اتخذ الاتحاد الأوروبي نهجاً أبطأ وأكثر حذراً، مفضلاً تلك التغييرات الأقل إرباكاً للبنية الأساسية للمعاملات المالية الأوروبية.
كما أسهمت العادات الثقافية في إبطاء وتيرة التغيير في الغرب. فالأميركيون وسكان أوروبا الغربية على وجه الخصوص يعتمدون بشكل أكبر كثيراً على الأموال النقدية مقارنة بالأسر في آسيا. وفقاً لمسح أجراه أخيراً دويتشه بنك، يرى ثلث المستجيبين للدراسة في الاقتصادات المتقدمة أنَّ النقد هو طريقة الدفع المفضلة لديهم، وأكثر من نصفهم يعتقدون أنَّ النقد سيظل موجوداً دائماً. من الواضح أنَّ تغيير مثل هذه العادات الراسخة ثقافياً دون المخاطرة بردود فِعل شعبية سلبية يستغرق بعض الوقت.
مع ذلك، ربما يعمل انتشار فيروس كورونا 2019 على مستوى العالم على دفع العالم نحو نقطة تحوُّل في كيفية تعامله مع المدفوعات. من المبكر للغاية أن نتنبّأ بالتغيُرات التي ربما تأتي، لكنها ستظهر في الأرجح باعتبارها حلولاً لتحديات بعينها داخل سياقات وطنية مختلفة، وبنى أساسية متفاوتة للمدفوعات، ومجموعات ديموغرافية متباينة. وتشكِّل نسخ رقمية من العملة الرقمية، مثل الكرونة الإلكترونية التي أعلنتها السويد أخيراً، أمثلة واعدة لما قد ينتظرنا في المستقبل.
إلى جانب فيروس كورونا 2019 والقبول المتزايد للمدفوعات غير النقدية في المتاجر، هناك أسباب أخرى وراء رغبة الناس في التحول إلى المدفوعات الرقمية. على سبيل المثال، وجد استطلاع أجراه دويتشه بنك أنَّ طلب الراحة يلعب دوراً مهماً في اختيار الشخص التحوُّلَ الرقمي. فالمحافظ الرقمية مجانية ومتاحة بسهولة. كما قد يساعد التحوُّل الرقمي على تتبُّع الإنفاق وإدارة الميزانيات. ومن منظور الأمان، فإنَّ التنقُّل دون الحاجة إلى حمل عملات نقدية يقلل من فرص التعرُّض للسرقة المادية.
أتلفت بعض البنوك في
الصين الأموال التي جرى
تداولها في أماكن عالية
الخطورة
من المؤكد أنَّ الأزمة الحالية لم تدفع العديد من الدول بعد، بخاف الصين، إلى تطهير عملاتها أو تدميرها وإعادة طباعتها. لكن ربما يتبيَّن أنَّ مرض فيروس كورونا 2019 كان جائحة لا تحدث إلا مرة واحدة كل قرن من الزمن، كما حذَّر بِل جيتس أخيراً، في تعليق لمجلة نيو إنجلاند الطبية، إنَّ المرض الفتّاك الذي لا يتكرَّر إلا مرة واحدة في القرن يتطلَّب حلولاً لا تتكرَّر أكثر من مرة واحدة في القرن. ونقطة الانطاق الواضحة هنا تتلخَّص في التعجيل بالتحوُّل نحو المدفوعات الرقمية.
يورجن براونشتاين: زميل مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد. ماريون ليبور: خبيرة الاقتصاد الكلي الاستراتيجي في دويتشه بنك. ساشين سيلفا: طالب دكتوراه وزميل جامعة هارفارد.