المكتبة الرقمية جواز سفر إلى المعارف الحديثة
لم يعد الباحث والكاتب يسعى إلى المكتبات التقليدية فقط، بل أصبح يتوجَّه إلى المكتبات الرقمية، يبحث فيها، ويناقش، ويلخِّص الكتب، ويحدِّد أهدافه البحثية، إلا أن العالم العربي لم يشهد ذلك الازدهار الكبير في المكتبات الرقمية بعد، حيث لا تزال بعض من أمهات الكتب غير متوافرة في شكلها الرقمي الواضح والسلس.
حاولت «ومضات » أن تتعرّف نماذجَ مختلفة من مشاريع مكتبات رقمية تضم محتوى متنوعاً ومتاحاً للجمهور بمجرد اتصاله بالإنترنت، وسلَّطت الضوء على عدد من التجارب الرائدة مثل المكتبة الرقمية السعودية، ومكتبة دبي الرقمية، ولمحات عن تجارب عالمية، كما نتعرّف في التالي دورَ المكتبات الرقمية وقيمتها وأهميتها المستقبلية من خلال المتخصصين في الخدمات الإلكترونية والمعرفية والمكتبية.
مظلة للباحثين
خلال حديثه مع «ومضات »، قال الدكتور سعود بن موسى الصلاحي، المشرف العام السابق على المكتبة الرقمية السعودية: «إن المكتبة تُقدم خدمات معلوماتية متطوِّرة، تشمل إتاحة مصادر المعلومات الرقمية بمختلف أشكالها، وجعلها في متناول أعضاء هيئة التدريس، والباحثين، والطلاب».
وأوضح الصلاحي: «توفِّر المكتبة مظلَّة واحدة لجميع الجامعات السعودية، تقوم من خلالها بالتفاوض مع الناشرين من خلال التكتُّل تحت هذه المظلة، لتكون واحدة من أضخم التجمعات لمصادر المعلومات الرقمية في الوطن العربي، حيث تضم حالياً ما يزيد على 446 ألف كتاب رقمي بنصوصها الكاملة، و 169 قاعدة معلومات عالمية وعربية تشمل النصوص الكاملة لملايين المقالات الأكاديمية، وأكثر من خمسة ملايين رسالة جامعية، و 461 ألفاً من الوسائط المتعدِّدة تشمل الصور والأفلام العلمية في مختلف التخصصات العلمية والتي تقع في نطاق اهتمام مؤسسات التعليم وتم الحصول عليها من خلال أكثر من 300 ناشر عالمي».
وأشار إلى أنه «يجب وضع رؤية متكاملة للمكتبات الرقمية يشترك فيها جميع أطراف منظومة المكتبات، بداية من المؤلف إلى المستخدم وربط عناصر هذه المنظومة سوياً »، مضيفاً أن «أهمية الحفظ الرقمي للكتب يحمي المكتبات من الظروف الطبيعية أو البشرية التي يمكن أن تتسبب في تلف المواد، كالحرائق أو النهب، إضافة إلى سهولة طرحها عالمياً».
عالم من المعرفة
ويرى أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة عين شمس المصرية، الدكتور إبراهيم فتحي معوض، مدير مركز الخدمات الإلكترونية والمعرفية التابع للمجلس الأعلى للجامعات في مصر، أن هناك اتجاهاً عالمياً نحو حفظ المعلومات بصيغة رقمية وتوفيرها، وتقديم خدمات معلومات افتراضية تصل إلى كافة شرائح المستفيدين وفئاتهم.
وقال معوض، خلال حديثه مع «ومضات": جميع المكتبات الكبرى في العالم، مثل: مكتبة الكونغرس الأمريكي، والمكتبة البريطانية، ومكتبات كبرى الجامعات العالمية مثل: هارفارد، وأكسفورد، لديها مشروعات رقمنة كبيرة تُنبئ بتحول في تقديم هذه الخدمات بشكل جيد، واستغلال للإمكانات التي توفرها الطفرات التقنية العظيمة في شبكة الإنترنت، وما يرتبط بها من تقنيات معلومات واتصالات، كما يوجد بعض الهيئات الدولية، ومحركات البحث التي لديها مشروعات مكتبات رقمية مثل: المكتبة الرقمية العالمية التي تُنشئها اليونسكو، ومكتبة غوغل الرقمية، والمكتبة الرقمية الأوروبية، ومشروع غوتنبرغ، وغيرها من مشروعات المكتبات الرقمية ومبادرات الرقمنة».
وأشار إلى أن العالم العربي حالياً في مرحلة الانتقال إلى مجتمع المعرفة حيث أصبح الاقتصاد والتنمية والتعليم والثقافة يعتمدون على المعلومات، ومع ذلك فإن حجم المعلومات الرقمية باللغة العربية لا يزيد على 3% من المعرفة الكلية المتاحة في شبكة الإنترنت.
وشدَّد مدير مركز الخدمات الإلكترونية والمعرفية على أهمية وجود مكتبة رقمية عربية ترصد المحتوى الرقمي العربي في أماكن وجوده وتتيح للمستفيدين الوصول إليه من مكان واحد في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى لتعزيز المحتوى العربي الرقمي وإتاحته للمستفيدين.
وأوضح الدكتور إبراهيم فتحي معوض أن المكتبة الرقمية هي أحد المشروعات المهمة لسد ما يسمى بالفجوة الرقمية؛ لأهمية ما توفره من خدمات للباحثين والمستفيدين، ولوجود حجم كبير من التراث على هيئة ورقية بحاجة إلى معالجة لحفظه وإتاحته.
المعرفة من حق الجميع
"أنت على وشك الوصول إلى ما يقرب من 3.5 ملايين مادة رقمية، وأكثر من 300 ألف عنوان .» تذكرة سحرية إلى عالم آخر من المعرفة، تجوب بها العقول وتتعرَّف ثقافات مختلفة، تجدها في منصة مركز المعرفة الرقمي التابع لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، معلنة أنك أمام هذا الكم الهائل من المصادر المعلوماتية المتاحة للجميع. لتثري المحتوى المعلوماتي باللغة العربية على شبكة الإنترنت في خدمة القراء.
يجب وضع رؤية متكاملة للمكتبات الرقمية يشترك فيها
جميع أطراف منظومة المكتبات، بداية من المؤلف إلى المستخدم
وربط عناصر هذه المنظومة معاً
يسعى مركز المعرفة الرقمي إلى ترسيخ مبدأ النفاذ إلى المعرفة كما قال الدكتور خالد عبدالفتاح محمد، مستشار الحلول المعرفية والرقمية بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، موضحاً أنها تعتمد في الأساس على أن المعرفة حق للجميع، وهي المنتج والخدمة الأكثر أهمية في العصر الحالي.
مركز المعرفة الرقمي يعدُّ من أكبر المنصات العربية المفتوحة
من حيث حجم المحتوى المتاح الذي يبلغ أكثر من 3.5 ملايين مادة رقمية متنوعة
وأوضح الدكتور خالد عبد الفتاح أنَّ «مركز المعرفة الرقمي » الذي أطلقته مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بهدف توفير منصة إلكترونية شاملة تُيَسِّرُ التعلُّمَ الذاتيَّ وتخدمُ احتياجات طلاب المدارس والجامعات والباحثين والمتخصِّصين في كافة المجالات، وتوفِّرُ كماً هائلاً من المعلومات والمصطلحات المحكَّمة ذات الجودة العالية، حقَّق نتائج إيجابية منذ إطلاقه، حيث تحتوي المنصة على أكثر من 3.5 ملايين مادة رقمية متنوعة تخدم كافة المجالات المعرفية والعلمية. كما تعدُّ المنصة نظاماً متكاملاً ومعيارياً يُمكِّن المؤسَّسات من بناء مستودعاتها الرقمية، وهو مساهمة فعّالة في سد الفجوة في الحلول الرقمية التي تُمكِّن المؤسَّسات العربية من بناء مستودعاتها المؤسَّسية والوطنية وحفظ ذاكرتها الرقمية.
رقمنة المعلومات
ويشير المجلس الاستشاري لمشروع المجموعات العربية على الإنترنت، الذي ترأسه الدكتورة مارِلين بوث، أستاذة في قسم خالد بن عبداللّ آل سعود للعالم العربي المعاصر، كليّة ماچدالِن، جامعة أكسفورد، إلى أن المشروع يوفر إمكانيّة الدخول الإلكتروني إلى 12,795 كتاباً في أكثر من 7,466 موضوعاً مُستمَداً من مجموعات قيّمة في مكتبات مميَّزة، ويهدف هذا المشروع إلى عرض ما يصل إلى 23 ألف مُجلد من مجموعات مكتبة جامعة نيويورك والمؤسسات الشريكة في مختلف مجالات الأدب، والأعمال، والعلوم، وغيرها من مقتنيات المجموعات العربية.
ويُضيف المجلس، عبر موقعه على الإنترنت، أن المشروع يسعى إلى رقمنة وحفظ وتوفير الولوج المفتوح لمجموعة واسعة من كتب باللغة العربية في مواضيع الأدب، والفلسفة، والقانون، والدين، وغيرها، حيث يرى أن العديد من المحتويات المهمّة في اللغة العربية ليست متوافرة على نطاق واسع على الإنترنت، ولهذا يتم توفيرها لحِفظ هذه الكتب رقمياً لأجيال المستقبل.
ويعدّ المساهمون المشاركون في المشروع بحسب الموقع الإلكتروني: جامعة نيويورك، جامعة پرنستون، جامعة كورنيل، جامعة كولومبيا، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الجامعة الأمريكية في بيروت والإمارات العربية المتحدة - الأرشيف الوطني. وفي الوقت نفسه، باستطاعة أي شخص مهتم بأعمال في اللغة العربية، أن يستخدم الموقع الإلكتروني للمجموعات العربية على الإنترنت من أي مكان في العالم. والجمهور المستهدَف، على وجه التحديد، هو الطلاب، العلماء، الأكاديميون، الباحثون، أمناء المكتبات، والقراء.