المعرفة الرقمية... طريق المستقبل
بنظرة سريعة على التطور التكنولوجي الذي شهدته البشرية في العقد الأخير فقط، سيكتشف الإنسان بسهولة أنه لا مستقبل لأمة دون أن تأخذ شؤون المعرفة بما يليق بها من اهتمام جاد، فالتطوّر المنشود لا يتم إلا إذا أقدم الناس على التهام المعارف التهاماً، لا في مجال معين فحسب، وإنما في جميع المجالات.
الكل يعرف أن الكتاب الورقي ظل المستودع الأهمَّ والأكثر تأثيراً لنشر المعرفة وحفظها على مدار قرون طويلة، فقد بدأ الإنسان يخط أفكاره ورؤاه منذ أدرك الطريق إلى الكتابة، ومع اختراع علم الطباعة الحديث انتقلت المعارف إلى مستوى غير مسبوق، حيث بات إصدار الكتب أمراً سهلاً وبسرعة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى انتشارها على مستوى العالم في وقت قياسي.
أما الآن، ومع القفزات التكنولوجية المذهلة، فقد ابتكر الإنسان وسائل أخرى لنشر الكتب تواكب هذه القفزات العجيبة، ولعل أهم هذه الابتكارات هو )الكتاب الرقمي(. ولأن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يحثنا دوماً على ضرورة أن نبتكر حتى نظل في مقدمة الدول، لذا أنشأنا، بتوجيهات سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس دبي للإعلام، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة (مركز المعرفة الرقمي).
هدفنا كان ومازال واضحاً ومحدَّداً، فهذا المركز منصة إلكترونية متطوِّرة تعزِّز ثقافة القراءة وتدعم المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، حيث يضم آلاف الكتب باللغة العربية، مؤلَّفة ومترجمة في مختلف المجالات، فضلاً عن الدوريات العربية والخرائط والمعاجم والصور.
لا يغيب عن فطنة اللبيب أن ترسيخ المحتوى العربي على شبكة الإنترنت سيسهم لا ريب في انتشار اللغة العربية ودعمها، وهي اللغة التي كرَّمها الله عز وجل، حيث سيقبل كل من يتمتع بفضيلة الرغبة في القراءة على تصفح الإنترنت والتعامل معه بإيجابية، ذلك أن الكتاب الرقمي صار واقعاً ملموساً لا يمكن التغافل عن وجوده القوي وتأثيره المتزايد في عصرنا الحالي، إذ يفتح آفاقاً جديدة لكل طالب معرفة، ولكل عاشق للقراءة.
وفقاً لخبراء التعليم وعلم النفس، فإن الكتاب الرقمي سيسهم في تحسين التعليم لدى الأبناء، وسيوفر لهم الوقت والجهد، وسيحفِّزهم على طلب الاستزادة من المعارف المختلفة؛ لأنه يقدِّمها لهم بأيسر السبل، ما يجعل التلميذ أو الطالب أكثر شغفاً بالمعرفة وأكثر إقبالاً على القراءة.
اللّفت للانتباه أن الكتاب الرقمي يلبي احتياجات الناس بصورة أفضل إذا أجبرتهم الظروف القهرية على البقاء في منازلهم، وها هو فيروس كورونا الذي غزا العالم كلَّه في الأسابيع القليلة الفائتة أجبر ملايين البشر على التحصّن داخل بيوتهم، بعد أن قرَّرت معظم الدول فرض قيود على التنقل وإغلاق المؤسسات والهيئات والجهات التي تشهد تجمعات بشرية، ومن ضمنها المكتبات التقليدية بطبيعة الحال. هنا يبرز الدَّور الكبير الذي يلعبه الكتاب الرقمي، إذ يتيح لمن يجلس في بيته أن يطالع ما يشاء من كتب ودوريات ومعاجم في المجالات كافة دون أن يغادر غرفة نومه!
حقاً... المعرفة الرقمية تقود المرء إلى طريق المستقبل.