روح المبادرة دعامة لاقتصاد المعرفة
إن التعليم والتعاون والكفاءة هي الركائز الأساسية اللازمة للانتقال من «استهلاك المعرفة إلى إنتاجها ،» بحسب ما وصلت إليه جلسة في قمة المعرفة 2018 .
«إن الأمية في القرن الواحد والعشرين لا تدور حول عدم القدرة على القراءة أو الكتابة، وهذا هو التاريخ القديم ». هكذا قال إندريك أونيك، وهو متحدث وممثل مشاركة «إي-أستونيا » في قمة المعرفة. وأضاف: «الأمية اليوم ليست متعلقة بالقدرة على تعلم الأشياء».
كان أونيك، الموظف في «المجتمع الرقمي الأكثر تقدماً في العالم »، مشاركاً في جلسة خلال قمة المعرفة عن «كيف يمكننا -أفراداً ومجتمعات- الانتقال من مجرد استهلاك المعرفة إلى إنتاجها؟ »؛ إذ أكد فيها أن التعلم مدى الحياة أصبح واقعاً بالنسبة لنا مع تكثيف التحول العالمي نحو الاقتصادات القائمة على المعرفة.
هذا التعلم أمر ضروري بسبب الاضطراب واسع النطاق الذي يسببه التقدم السريع في التكنولوجيا. لقد توقع جاك مايا، رجل الأعمال والمحسن الصيني، أنه بحلول عام 2030 ستختفي 800 مليون وظيفة، مع دخول الأتمتة والذكاء الاصطناعي إلى الصناعات. ويشكل فقدان الوظائف على نطاق واسع تهديداً حقيقياً للغاية لملايين الأشخاص، حيث تؤثر البيانات والتحليلات المتقدمة والتعلم الآلي في مجتمعاتنا بطرق متزايدة.
وقال كريم صباغ، الرئيس التنفيذي في مجموعة «داركماتير :» «سيجري أتمتة 50 % من العمل الذي نقوم به اليوم في حياتنا اليومية بوصفنا محترفين، في أي مجال، من الآن وحتى عام »2030 . وأضاف: «أعتقد أنه من المعقول أيضاً الافتراض بأن ما بين 15 % و 30 % من الوظائف الموجودة اليوم سيتم استبدالها؛ أي أنها لن تكون موجودة بالطريقة العادية التي توجد بها. ومن المحتمل ألا يكون لدى 3% إلى 5% من الوظائف الموجودة اليوم مكان في المستقبل ». ومع ذلك، أصرّ صباغ على أن الوضع لن يكون سيئاً كما يبدو. وقال: «أريد أن أذكّر الجميع أنه في سياق التاريخ البشري، في كل مرة كان يتم إدخال تقنية جديدة، كانت وظيفة واحدة تنتهي، ولكن بالمقابل تُخلق نحو 2.5 وظيفة جديدة».
حتماً سيبقى بعض الناس في الخلف، ولهذا السبب قال صباغ: إن شبكات الأمن الاجتماعي الجديدة «يجب أن تنشأ في مجتمعاتنا واقتصاداتنا » لتلبية احتياجات أولئك الذين لا يستطيعون، لأي سبب كان، إعادة التدريب أو التكيف أو التعلم. إن التحديات التي يطرحها هذا التحول الواسع الانتشار متعددة الجوانب، ليس على صعيد الأفراد فحسب، بل على صعيد الحكومات والمجتمعات أيضاً؛ كيف تنشئ المجتمعات بيئات مناسبة للتعلم؟ كيف يمكن مشاركة المعرفة بشكل أكثر فاعلية؟ وكيف تستعد المؤسسات لظهور مهن مختلطة؟ وقالت الشيخة نورا النعيمي، مديرة «مركز عجمان « :»X إذا تعرضت للعطل، فمن سيصلحها؟ هل سيصلحها كهربائي أم مبرمج؟ هذا النوع من الأسئلة يتطلب إجابة مختلفة ». وقدّمت الشيخة النعيمي مثالاً آخر حول زرع الرقاقات الدقيقة في أدمغة الناس من أجل زيادة سعة الذاكرة، قائلة: «إذا تعطلت، من سيصلحها؟ هل سيكون جرّاحاً أم مبرمجاً؟ من هذا المنظور، كيف نتعامل مع هذه التحديات؟ كيف يمكننا توفير تشريعات جديدة أو مناهج دراسية في الجامعات لتكون قادرة على التعامل مع هذه التحديات، وإعداد متخصصين للتعامل مع هذه المجالات؟ قد يكون لدينا جرّاح تقني في وقت ما، يكون متخصصاً في مجال الإلكترونيات والطب معاً. هذه موهبة جديدة، تخصص جديد، قد يظهر قريباً، وهو تحدٍّ للحكومات».
التعليم هو المفتاح، وسيكون كذلك، ليس فقط، لتطوير الإجابات على مثل هذه الأسئلة، ولكن أيضاً لمواجهة الآثار السلبية للتكنولوجيا على حياتنا. وأثارت مديرة الجلسة الصحفية هند مصطفى معلم، موضوع غرف الصدى، حيث تعزّز الخوارزميات القائمة على سلوك الماضي المحتوى المقدَّم للمستهلكين أو تقلّله.
وقال صباغ عن مثل هذه الخوارزميات: «كل ما تفعله هو أنها تعزّز انحيازاتي ». مضيفاً: «وما نصل إليه هو المجتمعات التي تتحرك أكثر فأكثر نحو التطرف. وستكون هذه مشكلة صعبة للغاية. لن نحل هذه المشكلة من خلال تنظيم الخوارزمية. لا يمكن للوائح التشريعية أن تحاول السيطرة على التكنولوجيا، بل ستكون التكنولوجيا دائماً قبل التشريعات ». وأضاف: «في وقت ما، سيتقاطع الاثنان، ولكن للعودة إلى السؤال الأساسي: كيف يمكنك إلغاء ظاهرة غرفة الصدى، سوف يدخل هذا إلى نظام التعليم. في مدارسنا وجامعاتنا، من المهم أن يكون هناك جزء من نظام التعليم من شأنه أن يتعامل مع الفنون الحرة، حيث يتعرض أطفالنا لجميع أنواع الفلسفات والتأثيرات التي يمكن أن تساعدهم ليصبحوا مواطنين واعين أكثر ».
من الضروري دراسة مواد (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات)؛ فهي مهمة، لكن الفنون الحرة تعزز الإبداع والفضول. كما يجب على الحكومات أن تمكّن التعلم وتشجِّع روح المبادرة التي تحرص الإمارات العربية المتحدة على التشديد عليها. ولكي يتم إنتاج المعرفة وليس مجرد استهلاكها، فإن التغييرات في المواقف مطلوبة أيضاً. بالنسبة لأونيك، يكمن التعاون في «مركز كل شيء »، فقد قال: «إن أخذ هذه المعرفة الفنية وتقاسمها ومشاركتها عبر الحدود على جميع المستويات المختلفة هو المفتاح ليس فقط لكونك على الطرف المتلقي للمعرفة، بل على الطرف المُنتِج لها أيضاً».
بالنسبة لصباغ، في الوقت نفسه، فإن تغيير العقلية أمر ضروري. وقال: «في رأيي، سيكون التحول بدلاً من السعي إلى معرفة كهذه، إلى السعي للبحث عن الكفاءات ». مضيفاً: «المعرفة متوفرة لدينا اليوم عبر الإنترنت، وهي تحرّك إدراكنا بشأن ما نعرفه، وما لا نعرفه، والمخاطر وردود الفعل والقرارات التي نحتاج إلى اتخاذها. الكفاءة مختلفة جداً. الكفاءة تتعلق بالمعرفة الواضحة. إنها أيضاً متعلقة بالتجارب التي نمر بها. لذلك من المهم أن نحول المنظور من «أنا على دراية بأني مؤهل »، وأعتقد أنه إذا قمت بإجراء هذا التحول، فستكون -يوماً بعد آخر- منتجاً للمعرفة».