اكتشاف لغز ذبول النخيل في الإمارات
«أمراض خطيرة تسببها الفطريات، وانخفاض الإنتاج، وتغيرات مناخية غير مواتية ..» أسباب دفعت فريقاً بحثياً من كلية العلوم في جامعة الإمارات إلى إنجاز بحث مهم لمواجهة التحديات التي تواجه نخيل التمر، الذي تعدُّ الدولة الآن واحدة من أكبر 10 منتجين له عالمياً.
يشير الفريق البحثي، في حديثه ل «ومضات ،» إلى أن مستويات إنتاج الإمارات من التمور انخفض بنسبة 18 % بين عامي 2010 و 2016 ، موضحاً أنه على الرغم من انخفاض الإنتاج، إلا أن الطلب المتزايد على نخيل التمر لايزال يفوق العائد السنوي، مما يجعل الإمارات دولة رائدة في إنتاج وتصدير التمور، لذلك من الأهمية مواجهة التهديدات المستمرة لإنتاج نخيل التمر في الإمارات وحول العالم. وفي دراسة حديثة تم نشرها في المجلة الدولية لعلوم البيولوجيا الجزيئية بسويسرا، اكتشف الفريق البحثي المكون من: الأستاذ الدكتور سنان فهد أبو قمر، والأستاذ الدكتور خالد عباس الطرابيلي، والدكتور عصام الدين سعيد؛ مسبّب مرض متلازمة التراجع المفاجئ أو مرض الموت المفاجئ، المعروفة أيضاً باسم ذبول أشجار النخيل، وتم تعريفه لأول مرة، وهو فطر «الفيوزاريوم سولاني »، والذي يعدُّ مدمّراً لنخيل التمر في دولة الإمارات، والعالم.
اكتشاف العلاج
يؤكد الأستاذ الدكتور سنان أبو قمر، المُشارك في البحث، أن نخيل التمر يعد من المحاصيل المُهمة اقتصادياً التي تُزرع بشكل رئيس في المناطق المدارية وشبه المدارية، وتمتلك ثمار النخيل قيماً غذائية وعلاجية عالية ذات خصائص مضادة للأكسدة، والاكتئاب، والميكروبات. ويوضح أبو قمر، أن أشجار النخيل تُعاني بشكل عام من أمراض خطيرة تُسببها الفطريات والحشرات، ولكن الفطريات هي أكثر العوامل المسببة للأمراض على هذه الأشجار، مشيراً إلى أن استخدام المواد الكيميائية والمبيدات بشكل عام لا يزال يُشكل الاستراتيجية الرئيسة للتخفيف من خطر أمراض أشجار النخيل. وأضاف أن فريق البحث نجح في استخدام مبيد فطري يسمى «سيدلي توب »Cidely® Top ، موضحاً أن المبيد له القدرة على إعاقة نمو الفطر، وقتله، وأثبت فعاليته بشكل كبير في الدراسات المختبرية.
واستكمل الدكتور في قسم علوم الحياة، كلية العلوم، جامعة الإمارات، أن الدراسة الحديثة أثبتت أيضاً نجاح استخدام هذا المبيد في القضاء على مرض ذبول النخيل في التجارب التي تم عملها داخل البيوت البلاستيكية، شارحاً «يعد هذا البحث التقرير الأول الذي يؤكد أن مبيد الفطريات الكيميائي )سيدلي توب( فعال بقوة ضد مرض الموت المفاجئ لأشجار النخيل».
دوافع فريق البحث
يشرح الأستاذ الدكتور سنان أبو قمر، الأسباب التي دفعت فريق البحث للقيام بالدراسة، قائلاً «إنه في دولة الإمارات العربية المتحدة ظل العامل المسبب لمرض الموت المفاجئ لأشجار النخيل غير مؤكد لسنوات عدة؛ بسبب عدم معرفة العلماء بنوعية الفطر المسبب للمرض، وكذلك اختلاط الأعراض مع أمراض الذبول الأخرى .» وأضاف أنه على الرغم من أن مرض الموت المفاجئ قد أثر سلباً في مزارع النخيل في الدولة، إلا أن العامل المسبب لهذا المرض كان غامضاً، ومتنازعاً عليه بين الباحثين على مستوى العالم، ولهذا فإن السبب الرئيس الذي دفع الفريق لإجراء هذه الدراسة هو معرفة مسبب المرض الرئيس، حتى يتمكن الباحثون من إيجاد أفضل المبيدات الفطرية القادرة على قتل الفطر، وحماية أشجار النخيل من المرض الذي يسبب خسائر اقتصادية كبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
«يُعدُّ هذا البحث هو التقرير الأول الذي
يؤكد أن مبيد الفطريات الكيميائي
سيدلي توب فعال بقوة ضد مرض الموت
المفاجئ لأشجار النخيل».
أ.د سنان أبو قمر
أعراض المرض
يوضح الأستاذ الدكتور سنان أبو قمر، المشارك في البحث، أن سعف الأشجار أو أوراق الشجرة هي أول ما تظهر عليه علامات العدوى، اعتماداً على شدة المرض، وتظهر الأعراض الأولية على أقل الأوراق الخارجية للتاج الأوسط، وعادة ما يبدأ تلون الأوراق من الأخضر الشاحب إلى الأصفر عند قاعدة سعف النخيل ويتحرك لأعلى. ويستكمل الدكتور أبو قمر: عندما يتقدم المرض تتحول الأوراق إلى اللون الأبيض على جانب واحد قبل أن تتطور على الجانب الآخر من الورقة، مضيفاً أن هذه الأعراض تؤدي أيضاً إلى ظهور التجعدات في نهايات الأوراق، وأخيراً تصبح الأوراق جافة، وتموت في النهاية، وقد تستغرق عملية الموت بضعة أيام إلى عدة أسابيع، إضافة إلى الفطر، تظهر أعراض مماثلة على الأوراق الصغيرة فى العمر، وبمجرد رؤية أعراض مرض الموت المفاجئ بوضوح، يصبح من الصعب إيقاف تقدمه.
طريقة العلاج
ومن جانبه يوضح الأستاذ الدكتور، خالد عباس الطرابيلي، من قسم علوم الحياة، كلية العلوم، جامعة الإمارات العربية المتحدة - العين، والمشارك في البحث، أن طريقة العلاج تتمثل في عزل الفطر المسبب للمرض من جذور أشجار النخيل المصابة باستخدام البيئات الغذائية المتخصصة، وتم تعريف الفطر عن طريق عزل الحمض النووي، واستخدام تقنية البلمرة المتسلسلة، والبصمة الوراثية. وقال الطرابيلي، خلال حديثه ل «ومضات »، إنه تم تعريف ثلاثة أنواع من الفطريات تتبع جنس «الفيوزاريوم »، وعمل اختبار قدرة الفطريات الثلاثة على إصابة أشجار النخيل داخل البيوت البلاستيكية، وأثبتت الدراسة قدرة فطر واحد فقط على إحداث المرض بشكل قوي وفعال، وهو فطر «الفيوزاريوم سولاني ». وأضاف أنه تم اختيار مبيدات كيميائية عدة، ودراسة تأثيرها في نمو الفطر في المختبر، وأثبتت الدراسة أن أفضل المبيدات تأثيراً في مسبب المرض هو «السيدلي توب »، وبعد ذلك اُستخدام المبيد على أشجار نخيل مصابة بمرض الموت المفاجئ للنخيل، واتضحت قدرة المبيد بتركيز 250 جزءاً من المليون، في علاج المرض، والقضاء على الفطر المسبب له بشكل إيجابي.
نصائح مُتبعة
ويشير الدكتور المشارك في البحث إلى أن الهدف في هذه الدراسة هو عزل وتحديد الفطريات مسببة المرض، وتقييم فعالية المبيدات الفطرية المتاحة لحماية شتلات النخيل من مرض الموت المفاجئ للنخيل، ناصحاً باتباع برامج الإدارة الدقيقة للآفات الزراعية. واستكمل الأستاذ الدكتور خالد سعيد الطرابيلي، قائمة النصائح التي يقدمها فريق البحث، بأن الممارسات البستانية الجيدة قد تقلل من تأثيرات العوامل الممرضة المسببة للمرض، وتُطيل من عمر أشجار النخيل، قائلاً إن مثل هذه الممارسات تشمل تقليم وتهذيب الأجزاء المصابة، وحرق جريد وسعف الأوراق المصابة. ويشرح الطرابيلي: بما أن العديد من مسببات الأمراض الفطرية يغزو الأنسجة النباتية الحية من خلال إصابة ميكانيكية أو فتحات طبيعية، فبالتالي يجب تجنب الجروح، وعدم وجود أي أجزاء مجروحة، أو متقطعة في أشجار النخيل أثناء تقليمها. ويوصي أيضاً بالصيانة الدورية المنتظمة للتربة، واستخدام المخصبات المناسبة لزيادة صحة ونشاط أشجار النخيل، ومع كل هذه الممارسات لا يزال استخدام المبيدات الكيميائية هو الاستراتيجية الرئيسة للتخفيف من خطر أمراض أشجار النخيل التي تسببها الفطريات الضارة، بغض النظر عن مشاكلها البيئية، وشواغل الصحة العامة. ولذلك فإن الدراسة توصي أيضاً برش أشجار النخيل بالمبيدات الفطرية، مثل: «السيدلي توب »، والذي يحتوي على «الدينوكونازول ،» و «السيلوفيناميد »، والتي أثبتت الدراسة الحالية فعاليته في تقليل حدوث مرض الموت المفاجئ للنخيل في المراحل المبكرة من الإصابة، لذلك، يمكن استخدام الحد الأدنى من تطبيق مبيدات الفطريات الكيميائية، وتنفيذ برامج الإدارة المتكاملة للأمراض لعلاج هذا المرض، التي تجمع بين المكافحة الحقلية، والكيميائية، والبيولوجية، واستخدام سلالات من النخيل مقاومة للمرض.
خطوات مستقبلية
وعن الخطوات المستقبلية كشف الدكتور سنان أبوقمر، والدكتور خالد الطرابيلي، من أعضاء الفريق البحثي، أنهما سيواصلان جهودهما العلمية في دولة الإمارات، لإيجاد طرق بيولوجية حديثة ومتطورة لمقاومة المرض عن طريق استخدام المكافحة الحيوية )المقاومة البيولوجية( عن طريق البكتيريا النافعة والتي تقوم بقتل الفطر الضار المسبب للمرض. ويوضح الدكتوران، في ختام حديثهما ل «ومضات »، أن ميكانيكية عمل البكتيريا النافعة لقتل الفطر المُمرض سوف تعتمد على إفراز مضادات حيوية طبيعية، وإنزيمات محللة للجدار الخلوي للفطر ما يؤدي إلى قتله، مؤكدين أن هذه الطريقة البديلة ستساعد بشكل أكبر على تطوير استراتيجيات فعالة للتحكم والتقليل من مرض الموت المفاجئ في أشجار النخيل، ومواجهته بطرق حديثة صديقة للبيئة، بدلاً من استخدام المبيدات الكيمائية.