رواندا من الإبادة الجماعية إلى الازدهار
قبل ربع قرن من اليوم، كان اقتصاد رواندا رازحاً تحت الأنقاض، وكانت تعاني بشدة من آثار الإبادة الجماعية التي خلّفت 800 ألف قتيل، لكن بعد وصول الجبهة الوطنية الرواندية والرئيس بول كاغامي إلى السلطة السياسية، شهدت الدولة الصغيرة الواقعة في شرق إفريقيا تحولاً لافتاً في ثرواتها الاقتصادية.
في أعقاب مجازر الإبادة الجماعية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لرواندا بنسبة 58 % لكن أسهم وصول الرئيس كاغامي للحكم بخطة طموحة تهدف لتحويل البلاد إلى «سنغافورة إفريقيا » من خلال إنشاء مرافق برنامج التكيف الهيكلي المحسنة من صندوق النقد الدولي الذي حصلت منه رواندا على قروض منخفضة الفائدة بغية تمويل برامجها الإنمائية.
انضم صندوق النقد الدولي إلى البنك الدولي لتوجيه البلاد خلال برنامج الخصخصة. ووفقاً لمعطيات البنك الدولي، فقد أسهمت الإصلاحات الهيكلية التي بدأت البلاد تنفيذها في مرحلة ما بعد الإبادة الجماعية في وضع رواندا على مسار ثابت للنمو والتقدم.
في عام 2000 قال دونالد كابروكا، رئيس البنك الإفريقي للتنمية، وكان آنذاك لا يزال يشغل منصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي في رواندا: «دمرت جرائم الإبادة الجماعية في 1994 الاقتصاد الرواندي وكذلك السكان. إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف في عام واحد، ودخل 80 % من السكان في حيّز الفقر، ودمرت مساحات شاسعة من الأراضي والماشية. كما فاقمت الإبادة الجماعية عدداً من عوائق التنمية، التي كانت موجودة في الأصل قبل عام1994 ».
وبغية اجتذاب الاستثمارات، بحسب ملاحظة كابروكا، فقد كانت البلاد في حاجة لضمان الأمن والاستقرار السياسي.
في تلك السنة، أطلق الرئيس كاغامي رؤية رواندا 2020 ، وهي خطة طموحة لتحويل اقتصاد رواندا إلى بلد متوسط الدخل يصل دخل الفرد فيه سنوياً إلى 900 دولار أمريكي.
وضع البرنامج تصوراً لمعدل نمو سنوي نسبته على الأقل 7%، لكن على الرغم من اعتماد سكان البلاد البالغ عددهم 16 مليون نسمة على زراعة الكفاف. إلا أن الحكومة خططت لنقل السكان من الاقتصاد الزراعي لمجتمع قائم على المعرفة، مع مستويات عالية من المدخرات والاستثمار الخاص، والتقليل، بالتالي، من اعتماد الدولة على المعونات الخارجية.
بعدها بست سنوات، في 2006 ، سجلت الدولة معدل نمو اقتصادي بنسبة 8%، وحافظت على هذا المعدل لتصبح رواندا بذلك من أسرع الاقتصادات نمواً في إفريقيا.
في حديثه ل «ومضات » يعزو الدكتور فريدريك غولوبا موتيبي، الباحث والمحلل الاقتصادي المستقل الذي أنجز بعض الأعمال لصالح الحكومة الرواندية هذا النمو المستدام إلى تركيز الدولة على قطاعات لم تكن تشارك في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
يقول موتيبي: «انطلقت رواندا من مستوى نمو منخفض للغاية، لكنها بدأت نمواً ثابتاً بالاستثمار في قطاعات لم تكن تسهم في الاقتصاد في مرحلة ما قبل الإبادة الجماعية. على سبيل المثال، كان هناك استثمار كبير وفاعل في القطاع السياحي، ما جعل السياحة من المساهمين الرئيسين في الاقتصاد» .
ارتفعت مكاسب رواندا من قطاع السياحة من 2.4 % في عام 1998 إلى 12.7 % في 2017 . ومن المتوقع نمو هذا القطاع بمعدل وسطي يبلغ 10.32 % سنوياً.
ويعزو البنك الدولي هذا النمو إلى ما أظهرته الحكومة من التزام بتطوير السياحة وبتكريس رواندا كوجهة آمنة في المنطقة. كما يذكر د. غولوبا موتيبي أن استثمار الحكومة في قطاع التعدين لم يشهد تطويراً جيداً في المراحل السابقة.
ويقول: «على عكس ما يقال هنا أو هناك بأن رواندا تستولي على المعادن الكونغولية، فإن لدى رواندا صناعة تعدين مزدهرة. قبل الإبادة، لم يكن قطاع التعدين ذا أهمية، أما الآن فقد بات كذلك بالفعل. لقد شهد هذا القطاع استثماراً مهماً مما جعله يسهم في زيادة صادرات رواندا من المعادن».
«أدى تبني الدولة سياسة مالية توسعية
إلى تخفيض نسبة الفقر من خلال تطوير
التعليم، والبنية التحتية والاستثمار
المحلي والأجنبي، وأصبحت البلاد في
مستوى جيد ومستقر من ناحية سهولة
إقامة المشاريع والشفافية».
تنقل صحيفة «ذا نيو تايمز »، المملوكة للحكومة، إحصائيات من الهيئة الرواندية للمعادن، النفط والغاز، تشير إلى أن صادرات رواندا من المعادن في عام 2017 قد تخطت التوقعات، إذ وصلت إلى 373 مليون دولار في ارتفاع واضح عما كانت عليه؛ 166 مليون دولار أميركي في العام السابق. ويزيد هذا ب 133 مليون دولار عن الهدف الموضوع مسبقاً والبالغ 240 مليون دولار.
تحسينات في الزراعة
بالنظر إلى اعتماد معظم سكان رواندا على الزراعة، فقد ركزت الحكومة اهتمامها على هذا القطاع مما قاد إلى إنتاجية متقدمة، لكن بغية تحقيق أهدافها التنموية المنشودة، كما يرد في مفهوم رؤية رواندا 2020 ، في تحويل القطاع الزراعي في رواندا إلى قطاع ذي إنتاجية عالية عالي القيمة ليكون هذا القطاع محركاً جيداً وفاعلاً للنمو التلقائي.
تتمثل استراتيجية الخروج في التحول من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد القائم على المعرفة. وقد استدعى هذا تحسينات رئيسة في مجالات الطاقة، والماء، والاتصالات والنقل لخفض التكاليف، مع زيادة الجودة والموثوقية في الوقت ذاته. كما ركزت استراتيجية الدولة على التحسينات في التعليم والمعايير الصحية لتوفير قوة عاملة فعالة ومنتجة.
وفقاً للتقرير الوارد في كتاب حقائق العالم 2019 الصادر عن جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية حول رواندا، فقد أدى تبني الدولة لسياسة مالية توسعية إلى خفض نسبة الفقر من خلال تطوير التعليم، والبنية التحتية والاستثمار المحلي والأجنبي، وأصبحت البلاد في مستوى جيد وثابت من ناحية سهولة إقامة مشاريع الأعمال والشفافية.
ويقول تيري غاتيتي، الباحث في شؤون الحكم في معهد رواندا للأبحاث وتحليل السياسات ل «ومضات :» «يقوم النمو الاقتصادي على قدرة الناس على تنفيذ الأعمال بسرعة؛ الإنتاج السريع وبكلفة محدودة. في رواندا مشاكل هيكلية متمثلة في كونها لا تطل على البحر، ثم عندما تضيف الفساد إلى المعادلة، تصبح المسألة مشكلة هيكلية رئيسة. يخلق الفساد العجز وعدم الكفاءة في الإنتاجية لأنه عندما يحضر الفساد، فإنك تزيح الكفاءة جانباً، وتخسر بالتالي الجودة ».
لقد اجتذبت سياسة البلاد الصارمة في محاربة الفساد عدداً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي حفزت إلى النمو الاقتصادي.
ويتابع غاتيتي: «أُجريت إصلاحات في قوانين التجارة، جُمعت كل التشريعات المرتبطة بالأعمال في رواندا والتي كانت موزعة في العديد من الوزارات والإدارات الحكومية في مكان واحد؛ مجلس التنمية الرواندي الذي أصبح مركزاً واحداً لكل من ينوي إنشاء الأعمال في رواندا .» أعطى هذا للمستثمرين ضمانة عدم اضطرارهم للمرور بالإجراءات الروتينية المعقدة التي أعاقت وجود المستثمرين في السابق.
«من دون الفساد، يمكن إنجاز الأعمال، ونقل البضائع والأشخاص والأموال بشكل أسرع »، بحسب كلام غاتيتي.
رؤية 2035
بحلول يونيو 2018 ، أصبح واضحاً أن الأهداف الموضوعة في رؤية رواندا 2020 لن تتحقق، ما استدعى مراجعة استراتيجية التنمية، ووضع أهداف جديدة، الأمر الذي قاد إلى رؤية رواندا 2035 .
أشار صندوق النقد الدولي إلى حاجة الحكومة للاستمرار في بناء أرصدة القطع الأجنبي لتعزيز المرونة خلال العمل على تحديد المخاطر المالية المحتملة والحدّ منها.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه من المهم لرواندا استعادة الزخم في تعبئة العائد المحلي كمصدر موثوق لتمويل تنميتها بغية تحقيق هدفها في تحقيق معدل دخل متوسط بحلول عام 2035 .
يقول د. موتيبي: «كانت الطموحات التي وضعناها لعام 2020 مرتفعة للغاية. نحتاج لإعادة رسم استراتيجيتنا القائمة على أدائنا في تنفيذ استراتيجية التنمية الاقتصادية للحد من الفقر ». وبحسب كلام موتيبي، فإنه تحت استراتيجية التنمية الاقتصادية للحد من الفقر الأولى، تمكن نحو مليون شخص من الخروج من منطقة الفقر. ويقول د. موتيبي: «تحققت نسبة 95 % تقريباً من الأهداف الموضوعة لاستراتيجية التنمية الاقتصادية للحد من الفقر الأولى والثانية. ما يميّز رواندا أنها جيدة للغاية في تنفيذ السياسات، وأنها لا تقف فقط على رسم السياسات .
2013
226.2 مليون دولار
2014
210.7 مليون دولار
2015
149.1 مليون دولار
2016
166 مليون دولار
2017
373.4 مليون دولار