ذكريات كورونا
في وقت لا يزال فيه العالم مشغولاً بمواجهة فيروس كورونا المستجد، وتُسنفر فيه الطاقات للتغلُّب على التحدي وإيجاد مصل مضاد أو دواءٍ شافٍ، تبقى الإجراءات الاحترازية التي وجَّهت بها الدول والحكومات ضماناً وصمام أمان أمام المد الذي يمكن أن ينشأ من جرّاء الاختلاط والاندماج العشوائي الذي لا يراعي ضوابط التباعد الاجتماعي المطلوب للوقاية، فضلاً عن إجراءات العناية الشخصية الضرورية للحماية من المرض.
وفي هذا الصدد، لم تكن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة غائبة عن المشهد ساعة، فقد سعت في هذه الظروف إلى استثمار شراكاتها وخبراتها على مدى سنين مضت في مبادرات معرفية بنّاءة تسعى إلى جمع المفكرين والخبراء وأصحاب المعرفة على منصاتها الافتراضية التي حفلت بها منذ بداية انتشار هذه الجائحة، وحتى كتابة هذه السطور دون انقطاع؛ فالمعرفة كما هو معلوم هي الضامن الأبرز، بل والأوحد، لمواجهة الأزمات، والسبيل الوحيدة للتغلُّب على التحديات الكبرى على جميع المستويات.
كان الفضاء الافتراضي للمؤسسة في هذه الظروف مزدحماً بالندوات والمؤتمرات التي واكبت الأزمة وجمعت تحت مظلتها نخبة كبيرة من المسؤولين والمفكرين وأصحاب التجارب، ليدلوا بدلوهم في العديد من المحاور التي ناقشتها. من هذا المنطلق كان المنتدى الافتراضي «كوفيد 19 : تسريع الخطى نحو مجتمع المعرفة » علامة بارزة ومشرقة في سجل مشروع المعرفة بالشراكة بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ضمن العديد من المبادرات التي واكبت استنفار العالم أجمع للوصول إلى النتائج الناجعة في مجابهة هذا الوباء على كافة المستويات، الصحية والتعليمية والوقائية وغيرها.
إنَّ هذه الأيام التي يمرُّ بها العالم لن تمحى من سجل التاريخ المعاصر، بل وإنَّ الأيام المقبلة لن تكون كسابقتها، فعالم ما بعد كورونا، كما أكَّد سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لن يكون كحاله قبل هذا الوباء. التاريخ لا ينسى، بل يسجل الأحداث والوقائع والمواقف بأمانة وصدق، فما الذي سيسجله لنا التاريخ في زمن كورونا؟ لا ريب أنَّ هذا الوباء قد أفرز مليارات البيانات التي تخصُّ المرض في عصر الانفجار المعلوماتي الكبير، بيد أنه، إضافة إلى ذلك، سوف يحمل معه شهادات تضاف إلى أرصدة الدول والأفراد.
سيسجِّل تاريخ كورونا لخط الدفاع الأول سجلاً ناصعاً بالإنجاز. سيسجل تاريخ كورونا للطلاب ذكريات التعليم الافتراضي الذي واصلوا من خلاله تحصيلهم العلمي، وتخرجوا به في مدارسهم وجامعاتهم دون أن يؤثِّرَ الوباء في مواصلتهم التعليم. سيدوِّن تاريخ كورونا للعائلات ذكريات الحجر المنزلي الذي تعرَّفوا فيه إلى بعضهم أكثر، وأمضوا من خلاله ساعات قد تكون مملِّة إلا أنَّ ذكرياتها ستكون حاضرة يسردها الأبناء لأبنائهم وأحفادهم، وستكون علامة مميِّزة للشخص ليفتخر بأنه «عاش في زمن كورونا».
سيسجل تاريخ كورونا لدولة الإمارات العربية المتحدة أنها دولة عزَّ نظيرها، وتفرَّدت قيادتها، وأزهر فيها الأمل المشرق رغم الصعوبات... سيسجل التاريخ للإمارات أنها دولة رائدة بالمعرفة، متسلِّحة بالابتكار في التخطيط والتنفيذ، والاستعداد المعرفي الذي جابهت فيه بكل إرادة وعزم تلك الأيام الصعبة التي مرت على العالم، وخرجت من الأزمة وفي جعبتها كثير من الدروس التي اعتادت أن تستثمرها لإتمام البناء.