الطريق نحو جيل الابتكار
لا يعد التفوق الدراسي والتحصيل العلمي التقليدي عوامل تصنع طالباً مبتكراً
يعد الابتكار محور النهضة والتطوير، ومن أهم العوامل التي تدفع الأفراد والدول نحو الأمام وإلى قمم النجاح. والابتكار قوة الأمم المتحضرة، وسلاح المتميزين، وهو العلامة الفارقة التي ميزت دولة الإمارات العربية المتحدة في مسيرتها، حتى غدت درة عالمية يشار إليها ويستفاد من تجاربها الرائدة في شتى المجالات. وبنظرة فاحصة إلى قمم المعرفة التي عقدتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، يتبين لنا حجم الابتكار وقيمته وأمثلة مشرقة أتت من العالم إلى دبي لتتحدث عن تجاربها.
ومن الأدلة البارزة على جهود المؤسسة في تعزيز الابتكار تسليط الضوء عليه بوصفه عنوان القمة التي عقدت في العام 2015 تحت عنوان: «الطريق إلى الابتكار ». ونحن في هذا العدد نتناول الابتكار وأهميته، ونسلط الضوء على الفوائد التي يمكن أن تكون خريطة طريق لكل من يخطط أن يكون الابتكار سبيله نحو المستقبل المشرق.
يولد الطفل ولديه غريزة
الابتكار والرغبة في استكشاف
العالم ومعرفة كل شيء
الدعابة والابتكار وجهان لعملة واحدة
ننطلق في الحديث عن الابتكار من قمة المعرفة في نسختها للعام 2015 ، ومع واحد من أبرز المبتكرين العالميين، وهو ستيف وزنياك، المؤسس المشارك في شركة أبل في العام 1976 مع ستيف جوبز، والذي منح الميدالية الوطنية للتكنولوجيا من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1985 ، وهو أعلى تكريم يناله المبدعون الرواد في أمريكا. وفي عام 2000 ، كُرِّم من داخل قاعة المخترعين الأشهر وحصل على جائزة هاينز المرموقة للتكنولوجيا والاقتصاد والتوظيف لتصميم أول جهاز كمبيوتر شخصي.
وفي إجابته على مدير الجلسة بخصوص كيفية نشر وتطبيق أساليب التكنولوجيا والابتكار بين الشباب من طلاب المدارس والجامعات، والخطوات الإيجابية التي يتعين اتباعها في هذه الناحية، وما الذي يجب أن نفعله؛ أوضح ستيف وزنياك أنه من وجهة نظره فإن المزاح أو روح الدعابة والابتكار وجهان لعملة واحدة؛ فهما متماثان تقريباً، وبينهما كثير من السمات المشتركة؛ فلو أنك أردت أن تكون مبدعاً ومبتكراً وأنت تضع تصميماً لمنتج، أو برنامج كمبيوتر، أو تطبيق جديد، فإنه يجب عليك أن تكون منفتحاً على عدة اتجاهات ومسارات مختلفة سلكها الناس من قبلُ لكي تحقق في النهاية الهدف الذي تريده ويريده أيضاً الناس من وراء المنتج الجديد.
أفلام الخيال العلمي
يذكر وزنياك أنه في أحيان كثيرة تروي قصصاً بها مزاح ودعابة تقود تفكير وعقول الأشخاص الذين يستمعون إليك في اتجاه ما، مثل سرد القصص التي بها مساحة تخيُّل، وهو شيء له علاقة أيضاً بما نسميه الخيال العلمي في أذهان البعض من الناس، وهذا الخيال العلمي نجده ونراه ونشاهده كثيراً في أفلام الخيال العلمي التي تتناول موضوعات الفضاء والحروب الفضائية، حتى إنهم يقولون إن كثيراً من الاختراعات والابتكارات التكنولوجية اليوم تُمثل ما يدور في قصص وأفلام الخيال العلمي التي تُعلمنا كيف نبتكر، والتي نشاهدها على شاشات السينما والتلفزيون.
اكتشاف الشخصية المبتكرة
هذا يُعلمنا في الحقيقة درساً مهمّاً؛ يركز عليه ستيف وهو محور مهم في حياة كل شخص. قد يسأل الآباء أنفسهم كيف أعلم أن ولدي مبتكر، أو كيف أجعل منه مبتكراً؟ من المهم أن تسأل نفسك: هل أنا شخص مبتكر؟ هل أنا شخص مبدع في عملي وحياتي بصفة عامة؟ هل سأقوم باستكشاف أفكار جديدة وتعرُّف أشياء جديدة مفيدة؟
إذا أحب الإنسان شيئاً في
سنواته الأولى واستمر فيه
فإنه سيحصد النجاح
يرى ستيف وزنياك أن الشخص المبتكر يفكر دائماً ولديه الميل باستمرار إلى التفكير في أنه قادر على عمل الأشياء على نحو أفضل مما كانت تبدو عليه من قبل، هذا النوع من الأشخاص في حالة إبداع مستمر؛ وهو ما يُنمي المهارات والقدرات العقلية لديهم. وفي مراحل التعليم الأساسي في المدارس، نجد أن الطفل يولد ولديه غريزة الابتكار؛ فهو لديه الرغبة القوية في هذه السن المبكرة على استكشاف العالم ومعرفة كل شيء عن المحيط الذي يعيش فيه، ولديه الرغبة في معرفة كل شيء وكيف يعمل في هذا العالم من حوله؛ فالفضول غريزة تولد معنا منذ الأيام الأولى. ودائماً ما يقول الآباء والأمهات لأطفالهم: عليكم أن تفعلوا هذا الشيء ولا تفعلوا ذلك الشيء، عليكم أن تتصرفوا على هذا النحو بالضبط، وعندما تذهب إلى المدرسة ويدفعك الفضول إلى فتح درج الطاولة لمعرفة ما بداخله، مثلاً، فهم يقولون لك إنه غير مسموح لك أن تفعل ذلك، وهو ما لا يستطيع الجميع أيضاً عمله داخل فصول الدراسة.
آفاق جديدة للطلاب
أكدت أنوشا أنصاري، وهي مؤسس مشارك ورئيس شركة «بروديا سيستمز » أن مجالات التكنولوجيا، وبشكل خاص تكنولوجيا المعلومات، سوف تفتح كثيراً من الآفاق والمجالات الجديدة لدى الطلاب في حقل التعليم بالمدارس، والتي يمكنهم تطبيقها على دراساتهم، كما ستوفر لطلاب الجامعات مجالات مختلفة جديدة للدراسة، وهو ما لمسته بنفسها حين تتحدث إلى الطلاب في الجامعات المختلفة؛ حيث يُظهرون حماساً شديداً من أجل تعلم هذه الأشياء المفيدة لدراستهم ولحياتهم، ويرغبون في تعلمها بسرعة، من بينها علم النانو تكنولوجي أو التكنولوجيا الحيوية، وغيرهما من المجالات.
وتأكيداً للفكرة التي طرحها ستيف وزنياك، تذكر أنصاري أن أهم الأشياء التي صنعتها كانت خارج المدرسة والجامعة، موضحة أن كل هذه المهارات والقدرات في مجال الابتكار تعدُّ مختلفة تماماً عما تعلمناه في أثناء الدراسة النظرية، وإن كانت هذه الدراسة قد أعطتنا بعض الأسس الضرورية لمواصلة البحث والاستكشاف في الحياة العملية. ولنتذكر دائماً أن أفضل الأشياء التي يمكن أن تفعلها بنجاح هي التي تكون في أغلب الأحوال من بنات أفكارك ومن صنع خيالك بعيداً عن الكتب والمقررات المدرسية، ولكن الأهم من هذا وذاك في النهاية أنك تدرك ثقتك بنفسك وتثق بذكائك، فما يبقى هو أن تجلس إلى نفسك وتبدأ في وضع تصورات وأفكار وخطوات لما تريده، عليك أن تكتب في الكتاب بدلاً من قراءة الكتاب.
(الحب) أساس الابتكار
يرفض ستيف فكرة أن التفوق المدرسي هو معيار الابتكار والإبداع، فغالباً ما يوصف الشخص بالذكاء عندما يحصل على درجات مرتفعة في المدرسة، وغالباً ما نجعل الذكاء الأكاديمي مساوياً للقدرة على الابتكار. لكن الابتكار ينشأ في نظر ستيف من خلال مصطلح (الحب)، فإذا أحب الإنسان شيئاً في سنوات عمره الأولى، ربما الكيمياء أو العلوم أو الرياضيات، وربما حتى مِهناً أو حِرفاً مثل النجارة مثلاً، فإنه يتحتم عليه أن يستمر في هذا الاتجاه ويمضي فيه إلى الأمام بقدر ما يستطيع؛ لأنه بهذا الحب سوف يصنع حتماً النجاح في المجال الذي يحبه. فلن تكون المدرسة هي الوسيلة الوحيدة للتعلم واكتساب المهارات والقدرة على الابتكار، ولكن العالم الخارجي بعيداً عن محيط المدرسة والجامعة هو الذي سيجعلنا نتعلم كل هذه الأشياء، وهو الذي يمكن أن يُعلمنا القدرة على الابتكار والتفكير المبدع والخلاق. إن من الضروري مواصلة البحث والاستكشاف، وأن تظل عيوننا مفتوحة دائماً على كل ما هو جديد قد نصادفه.
ليس الذكاء هو ما يميز الإنسان
على غيره من الكائنات بل القدرة
على التخيل والاستطلاع
ستيف وزنياك يحكي عن نفسه أنه عانى في طفولته، وأحياًنا في مرحلة الشباب، من طريقة التفكير التقليدية هذه التي تربط الابتكار بالمدرسة فقط؛ فكان يتحرج أن يتحدث مع الناس ممن يختلفون عنه في نمط التفكير، ومع ذلك فإنه في مرحلة شبابه سبق جميع الطلاب بأن ابتكر جهاز الكمبيوتر الذي لم يكن أصلاً معروفاً على المستوى الأكاديمي التقليدي في الدراسة النظامية. كل هذا لم يتعلمه في المدرسة ولا حتى في الجامعة، ولكنها رغبة وحب المجال الذي ثابر على العمل حتى أبدع فيه.
ليس الذكاء ما يميز الإنسان
باتريك باودري، رائد الفضاء الفرنسي الأكثر شهرة، الذي يعد ثاني فرنسي يصعد للفضاء، أدلى بتجاربه وأفكاره حول الابتكار، والتي لا بد وأن تكون شعلة تضيء الطريق أمامنا كي نسلك هذا الطريق وتكون أمامنا الأسس والقواعد التي نبني عليها رحلتنا نحو الابتكار المنشود.
يرى باتريك باودري أن البشرية كلها على كوكب الأرض لديها سمة خاصة تتميز بها وليست موجودة لدى الكائنات الأخرى، وهذه الميزة ليست الذكاء؛ لأن الذكاء كما نعرف موجود أيضاً لدى الحيوانات؛ فهذه الخاصية تتمثل في حب الاستطلاع لدينا وفي قدرتنا على التخيل والتفكير الخيالي، وتتمثل هذه الخاصية كذلك في روح الدعابة أو المزاح والضحك لدينا.
حلم الطيران
يعرض باتريك تجربته التي بدأت من حلم الطيران، حيث كان حلمه الوحيد عندما كان طفلاً. لكن الحلم لا يكفي، بل إنه عمل وثابر حتى أصبح يقود جميع أنواع الطائرات المقاتلة بعد ذلك وبعد أن تدرج وترقى في عمله أصبح طيارً محترفاً، بل، وفي نهاية المطاف، وصل إلى مرحلة متقدمة في عمله، بفضل تطور قدرته على الابتكار والتخيل؛ بحيث يمكنه الآن صنع طائرات جديدة وابتكار طرق جديدة للطيران.
نقل الخبرات للأطفال يساعدهم
على التفكير ويكسبهم القدرة
على التخيل والابتكار
نقل الخبرات
إن الشيء الرئيس الذي يمكن تحقيقه من وراء العمل مع الآخرين ضمن فريق واحد، بحسب تجربة باتريك، هو تعلُّم أشياء جديدة؛ ثمَّ نقل الخبرات إلى الأطفال حتى يتعلموا هذه التجارِب والخبرات الجديدة؛ وهو ما يساعدهم كثيراً على التفكير وتحسين قدراتهم الذهنية، ويساعد بدوره على اكتسابهم القدرة على التخيل والابتكار للوصول إلى أفضل الطرق من أجل التغلب على معظم المشكلات التي تواجههم بالفعل، أو تلك التي يمكن أن تواجههم في المستقبل، والعمل على إيجاد حلول عملية لها، وذلك هو أهم شيء في العملية التعليمية، والتي يمكن أن تتحقق لديهم، وهو الهدف نفسه الذي يسعى إليه الجميع، ولقد ناضل باتريك طوال مراحل حياته من أجل تشجيع الأطفال على التعليم ومنحهم فرص التعليم.