كيف أثرّ كوفيد- 19 في التعليم في إفريقيا؟
أثار تفشي وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد- »19 اضطرابات كبيرة في جميع جوانب الحياة في أنحاء العالم كافة، وكان التعليم أحد أكثر القطاعات تضرراً مع إغاق معظم المدارس بسبب إجراءات الحظر. تقدر اليونسكو أن نحو 1.5 مليار متعلم في جميع أنحاء العالم غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة بسبب التدابير التي وضعتها الحكومات للحد من انتشار الفيروس.
لم تشعر إفريقيا بتأثير الوباء حتى منتصف مارس، عندما سجلت القارة ارتفاعاً كبيراً في العدوى التي فرضت إغلاقاً مؤقتاً للمؤسسات والمراكز التعليمية. ومع استمرار ارتفاع عدد الإصابات، أصبح من الواضح أن المدارس لن تفتح قريباً، داعية إلى اتخاذ تدابير بديلة لتمكين استمرارية التعليم.
تبنَّت بعض المدارس التعليم الإلكتروني عبر إرسال مواد تعليمية إلى الطلاب من خلال تطبيق المراسلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو «واتس آب » أو عبر البريد الإلكتروني. قامت بعض المدارس بإجراء دروس عبر الإنترنت باستخدام تطبيق «زووم »، وهو تطبيق اتصالات فيديو. ولكن في القارة التي تعاني من صعوبات في الاتصال وإمكانية الوصول إلى الإنترنت، فإن التعليم الإلكتروني غير متاح لأكبر شريحة من سكان إفريقيا.
اتصال محدود بالإنترنت
ووفقاً للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، فإن نحو 17.8 بالمائة فقط من الأسر الإفريقية لديها اتصال بالإنترنت. ومن أجل تسهيل استمرارية التعليم، اقترحت اللجنة الاقتصادية أن إفريقيا بحاجة ماسة إلى اتصال واسع النطاق بالإنترنت بأسعار معقولة لأطفال المدارس الذين أجبروا على ترك المدرسة بسبب جائحة كوفيد- 19 .
إفريقيا بحاجة ماسة إلى
اتصال واسع النطاق بالإنترنت
بأسعار معقولة لأطفال
المدارس الذين أجبروا على
ترك المدرسة بسبب جائحة
كوفيد- 19
وقال مدير قسم التكنولوجيا وتغير المناخ وإدارة الموارد الطبيعية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، جان بول آدم: تحتاج إفريقيا إلى نحو 100 مليار دولار أمريكي لتحقيق الوصول الجيد إلى الإنترنت بأسعار معقولة وعالمية بحلول عام 2030 .
ولسد الفجوة، قام معظمهم بتنشيط استخدام منصات مختلفة مثل استخدام قنوات الإذاعة والتلفزيون العامة والخاصة والمجتمعية لتقديم الدروس لأطفال المدارس في المنزل. لكن هذا الأمر لم يخلُ من التحديات؛ فقد أشار اتحاد تطوير التعليم في إفريقيا في تقرير نشر في إبريل 2020 إلى أن بعض المتعلمين والآباء يجدون أن دروس التلفزيون «سريعة جداً » بحيث لا يمكن استيعابها.
يضطر هؤلاء المتعلِّمون أحياناً إلى تسجيل الدروس التي يتم بثها على هواتفهم المحمولة للاستماع أو المشاهدة مرة أخرى لاحقاً لتحقيق فهم أفضل. كما أفاد المتعلِّمون أنهم يجدون صعوبة في طرح الأسئلة على مقدمي الدروس (المعلِّمين) وعليهم البحث عن إجابات من آبائهم، وبعضهم غير قادر على المساعدة. ويستند التقرير إلى التعليقات التي حصلت عليها المنظمة من 12 دولة إفريقية، وهي: بوركينا فاسو، وساحل العاج، ومصر، وغانا، وكينيا، وموريشيوس، والمغرب، ورواندا، والسنغال، وجنوب إفريقيا، وتونس، وزامبيا.
جهود حكومية
في كينيا، تستهدف البرامج التعليمية التي تبثّها هيئة الإذاعة الوطنية، المتعلِّمين على وجه التحديد في عامهم الدراسي النهائي (الثامن). كما أطلقت وزارة التعليم عدداً من الأساليب للأطفال ليتمكَّنوا من التعلّم عبر الإنترنت، ومن خلال قناة ( EDU ) أو قناة (Elimu ). إضافة إلى الراديو والتلفزيون، يستخدم المعهد الكيني لتطوير المناهج الدراسية أيضاً منصة تسمى ( Kenya Education Cloud ) التي تضم محتوى رقمياً متنوعاً يعتمد على مجموعة متنوعة من مجالات التعلّم المقدَّمة من خلال ملفات «بي دي إف » والملفات الصوتية والبصرية. وقد استكملت محطات الإذاعة والتلفزيون المحلية الأخرى المملوكة للقطاع الخاص، هذه الجهود، حيث استفاد العديد من الطلاب والتلاميذ ممن حرموا من التعليم خلال فترة الإغلاق، خاصة في المناطق الريفية في كينيا، حيث تعدُّ الأدوات الإلكترونية مثل الهاتف الذكي أو التلفزيون أو جهاز الراديو من الكماليات.
تقول مورين كاكا، وهي طالبة في جامعة كينية خاصة في نيروبي: «الجامعات العامة مغلقة، لكن الخاصة واصلت التدريس عبر الإنترنت. أنا أتلقى دورة في جامعة خاصة، وبقيت دروسنا مستمرة. عانينا عقبات فقط عندما لم نتمكَّن من الخروج للقيام بمشاريع بسبب القيود المفروضة على الحركة وحظر التجول».
في ساحل العاج، وفقاً للشراكة العالمية للتعليم، تقدِّم وزارة التربية والتعليم والتدريب الفني والمهني من خلال المبادرة المسماة (مدرسة مغلقة لكن دفاتر مفتوحة) بالشراكة مع ( Eneza Education ) ، دروساً مجانية في المدارس الابتدائية من خلال الهواتف المحمولة. تتوافر أيضاً دروس عبر الإنترنت لطلاب الصفوف التحضيرية والابتدائية، والإعدادية والثانوية على منصات مثل ( www.ecole-ci.online )، و ( www.ecoleweb.mysonec.com )، وعلى صفحة ( EducTV )على موقع فيسبوك.
في السنغال، قدمت وزارة التعليم منصة الموارد عبر الإنترنت؛ الأداة الرئيسة لإتاحة مصادر التدريس والتعلم عبر الإنترنت. تجمع المنصة في مرحلتها الأولى الموارد الرقمية وتصنِّفها. وفي مرحلتها الثانية ستكون متاحة أمام المعلِّمين والمتعلِّمين وأولياء الأمور. كما تشارك في هذه المبادرة أجهزة التلفزيون والمحطات الإذاعية الوطنية.
تمكين استمرارية التعليم
كانت أوغندا قد خططت لإعادة فتح المدارس في 27 إبريل، لكن رئيس الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، يوري موسيفيني، مدَّد الإغلاق، وبموجب ذلك أعلنت وزارة التعليم والرياضة عن إطار عمل جديد لتمكين استمرارية التعليم. بموجب هذا الإطار، يتم تدريس الطلاب من المراحل الابتدائية والثانوية على الراديو والتلفزيون، بينما يُطلب من الطلاب في مؤسسات التعليم العالي والجامعات القيام بالقراءة والبحث.
لكن ما يقرب من 90 في المئة من المتعلمين البالغ عددهم 15 مليوناً في أوغندا لا يمتلكون أجهزة كمبيوتر منزلية أو هواتف محمولة، وبالتالي فهم غير قادرين على الاتصال بالإنترنت، في حين أن العديد من الأسر، مثل أي مكان آخر في المناطق الريفية في إفريقيا، ليس لديها أجهزة تلفزيون أو حتى كهرباء لتشغيل الأدوات، وبذلك تم تركهم بدون خيارات للتعلم خارج المدرسة.
في إفريقيا.. التعلُّم الرقمي
ليس شيئاً تقدمه بشكل
مفاجئ بل يحتاج إلى مراحل
يشير الدكتور أحمد كاويسا سينغيندو، عميد الجامعة الإسلامية في أوغندا، وهو أيضاً خبير في التكنولوجيا التعليمية والتربوية، إلى أن التدريس عبر الإذاعة والتلفزيون هو طريقة تعليمية خاصة تحتاج إلى تدريب المعلِّمين والمتعلِّمين على حد سواء. ويقول الدكتور سينغيندو: إنه بدون تدريب الطرفين، يمكن إساءة استخدام هذا الأسلوب في التدريس وجعله غير منتِج. ويشير أيضاً إلى عدم وجود ردود فعل في هذا النمط من التدريس. ويضيف: إن التغذية الراجعة مهمة للغاية في عملية التعليم والتعلم، لأنها تساعد المعلم على تقييم ما إذا كان المتعلِّمون منتبهين ومتابعين. نوع التعليم الإذاعي والتلفزيوني الذي لدينا في أوغندا هو طريقة واحدة؛ من المعلم إلى الجمهور. لا توجد ملاحظات ولا تعليقات. عندما لا يكون لديك تعليقات وتمضي للأمام في التدريس، تكون الفاعلية معرَّضة للخطر بشكل كبير. إن التغذية الراجعة واللاحقة أمران حاسمان في التعليم الفعال. مع تحول المزيد من البلدان الإفريقية إلى الراديو والتلفزيون لتسهيل التعلم المستمر، تقول إليزابيث كيساكي، وهي طبيبة نفسية للأطفال: إن معلمي ومنتجي الإذاعة والتلفزيون بحاجة إلى جعل الدروس أكثر إثارة للاهتمام للمتعلمين حتى يتمكنوا من المتابعة. وتضيف: إن الوقت الذي تُبث فيه هذه الدروس مهم للغاية. ولأن المتعلمين في المنزل، فإن ساعات الصباح أفضل للدروس. كما أن الدروس الطويلة يمكن أن تكون مملة.
ويرى التربوي جوناثان كيفومبي أنه تم تطوير العديد من التدخلات بسرعة دون توجيه. ويقول: إنه من دون التحضير المسبق، سارع صانعو السياسة الأفارقة إلى تقديم نموذج غريب للتعليم والتعلم. وختم كلامه قائلاً: يستخدم واضعو السياسات نهج النسخ واللصق. إنهم يريدون القيام بالأشياء كما يقومون بها في العالم المتقدم، وتركوا المؤسسات تقود القطاع إلى الهاوية. التعلم الرقمي ليس شيئاً تقدمه بشكل مفاجئ، بل يحتاج إلى مراحل.