مشاعل الشميمري: الإخفاق نواة النجاح
تجربتها ثرية بالدروس التي من شأنها أن تعطي الشباب جذوة الإصرار والتحدي
تعد قمة المعرفة منصة عالمية رائدة تجمع كبار المتحدثين وأصحاب التجارب المعرفية العالمية، وهي بلا ريب من المؤتمرات الرائدة التي أضحت على قائمة أهم الملتقيات المعرفية التي تضع على أجندتها جملة من المحاور العالمية التي تهم المعنيين والمتخصصين وأصحاب القرار على حد سواء. فهي تعطي بمجمل جلساتها خلاصات مهمة من التجارب الناجعة التي عكف عليها أصحابها وتبرزها للعالم. ومن منطلق سعيها نحو إبراز تلك التجارب الملهمة للقراء، فإن مجلة «ومضات » ترى في تسليط الضوء على تلك الحوارات مسهماً فعالاً في تعريف القارئ على تلك التجارب والأفكار التي أخذت من سنين أصحابها الكثير.
تعد مشاعل الشميمري أول مهندسة سعودية- أمريكية في مجال هندسة الطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ في الخليج العربي. رائدةُ أعمال في مجال هندسة الطيران والفضاء الجوي، وإحدى المتحدثات المفوهات، وذاتُ تأثيرٍ كبيرٍ في هذا المجال. ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمضت سنواتٍ قليلةٍ من طفولتها في السعودية، حيث بدأ شغفها بالفضاء.
تساؤلات طفل
وفي حديثها ضمن قمة المعرفة للعام 2018 ، التي انطلقت في دبي تحت شعار: «الشباب ومستقبل اقتصاد المعرفة »، أوضحت مشاعل أن تجربتها ثرية بالدروس التي من شأنها أن تعطي الشباب جذوة الإصرار والتحدي، مهما بلغت الصعاب، وأنه ينبغي أن نركز على تحقيق الحلم مهما كانت الصعاب فالإخفاق هو النواة التي ينبت منها النجاح، وعلى الإنسان أن لا يخاف من الإخفاق وأن يأخذ المخاطرة ويحقق ما يريد تحقيقه.
نجوم السماء في صحراء محافظة
العنيزة فتحت لدي أبواب
التساؤلات حول عوالم الفضاء
بدأت مشاعل الشميمري حديثها على منصة «حوارات المعرفة » بالقول: «بدأ فضولي مع هذا الأمر في صحراء محافظة العنيزة حيث قررت والدتي اصطحابي إلى هناك، وبدأت التساؤل عن النجوم في السماء، وكأي طفل في السادسة كنت بحاجة ماسة إلى الحصول على إجابات، فواصلت التساؤل، وقررت من هذا الوقت -وأنا في سن السادسة- أن يصير الفضاء هو غايتي المنشودة، وأن أصعد إلى الفضاء، ولهذا ينبغي أن أصنع الصواريخ، ولأصنع الصواريخ ينبغي أن أصبح مهندسة صواريخ، ومن هذا اليوم بدأت رحلتي؛ فحصلت على البكالوريوس في هندسة الطائرات والمركبات الفضائية، ثم الماجستير الذي كان ممولً من قِبل وكالة ناسا، وكان هدفي في هذا البحث هو تصميم صاروخ بدفع نووي حراري لمهام (مارس)؛ وهو نوع من الصواريخ مخصص للذهاب إلى المريخ وبالتحديد حمل بشر إلى المريخ».
غزو الفضاء
وتتساءل مشاعل في حديثها على منصة القمة: هل تعلمون لماذا قررت الولايات المتحدة الذهاب إلى القمر؟ وتجيب عن السؤال بأن الحرب الباردة كانت الشرارة الأولى لذلك؛ فما حدث أن الروس أرادوا غزو الفضاء أولً؛ حيث أرسلوا أول قمر صناعي (سبوتنك) إلى الفضاء، ثم أرسلوا أول رائد فضاء (يوري جاجارين)، فكان جواب الولايات المتحدة: إذا ذهبتم إلى الفضاء فسنذهب إلى القمر! مهما كانت التكلفة. ولكن كم كانت تكلفة برنامج أبولو؟ كانت نحو 24.5 مليار دولار، وهو رقم كبير جدّاً! ومنذ عام 2000 بدأت العقلية تتغير، خاصة بعد حادثة مكوك الفضاء كولومبيا 2003 ؛ لأن المكوكات كافة أصبحت قديمة وتكلف الكثير لصيانتها وتشغيلها، ولهذا ينبغي إنهاء هذا البرنامج! ولكن ذلك أثار حفيظة رائدي الأعمال في معرفة السبب في أن السفر إلى الفضاء أمر صعب ومكلف جدّاً؛ لذا بدؤوا إقحام لاعبين مثل سبيس إكس، وفيرجن غالاكتيك، والعديد من الشركات الأخرى التي تحاول فتح آفاق جديدة حين يتعلق الأمر بتكلفة السفر إلى الفضاء. من هذا المنطلق، تبين مشاعل الشميمري أن مفهوم السفر إلى الفضاء في الماضي كانت تحقيق المطلوب مهما بلغت التكلفة، بينما المفهوم الآن هو تحقيق المطلوب بأقل تكلفة.
حاجة السوق
شركة (مشاعل إيروسبيس) كانت حلماً يراود مشاعل الشميمري في سن السادسة والعشرين وقد أخذت القرار الحاسم بأن تحققه. وكان هدفها من هذه الشركة بناء الصواريخ، وحين عرضت الأمر على رئيس المهندسين في شركتها وأمعنا في النظر إلى السوق أدركا أن هناك نقصاً كبيراً في الشركات التي تقدم خدمات إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة؛ والأقمار الصناعية الصغيرة هي شريحة في سوق الأقمار الصناعية تشمل الأقمار الصناعية من وزن 1 كجم إلى 500 كجم، وتلك كانت هي السوق المستهدفة.
كثير من الناس يسأل مشاعل: كيف تجنين المال؟ هل تبيعين الصواريخ؟ تجيب: في العادة لا أبيع الأشخاص الصواريخ، نحن نجني المال من خلال خدمة إطلاق قمرك الصناعي إلى الفضاء بصواريخنا. كما أن العمر الافتراضي للقمر الصناعي منذ إطلاقه هو سنتان أو ثلاث سنوات، لذا يجب استبداله، فتأتي وتطلب إطلاق قمر صناعي آخر؛ لأنه لن يدوم أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات، وفي بعض الأحيان قد تريد إطلاق مجموعة أقمار لتعطيك أكبر تغطية. إذن من المحتمل أن تطلق 20 قمراً أو ربما 100 ، وفقاً لهدفك منها.
ريادة
تعمل مشاعل الشميمري حالياً استشارية في مجال هندسة الطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ، وتواصل سعيها وراء شغفها بتثقيفِ وإلهامِ الآخرين من خلال المؤتمرات والندوات عبر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي. أثناء إقامتها في ميامي- فلوريدا أسَّست شركة «مشاعل إيروسبيس » وعمرها 26 عاماً، لتحقّق حلمها في بناء الصواريخ. وعملت قبل ذلك في قسم ديناميكا الهواء في شركة «رايثيون لنظم الصواريخ »، وأسهمت من خلال عملها في 22 برنامجاً مختلفاً للصواريخ. حصلت على درجة الماجستير في هندسة الطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ، ودرجتي البكالوريوس في تخصصي الرياضيات التطبيقية، وهندسة الطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ من معهد فلوريدا للتكنولوجيا في ملبورن. ويركز تخصصها الأكاديمي على ديناميكا الهواء التجريبية والتحليلية، وتصميم الصواريخ، والدفع النووي الحراري. تشمل خبرتها المهنية والعملية مجالات عدة مثل الديناميكا الهوائية، وإجراء اختبارات الأنفاق الهوائية، وتصميم الصواريخ والمركبات، والمحاكاة التنبؤية، وتحليل مرحلة انفصال الصواريخ، مع التركيز على مجال تطوير الأدوات الحاسوبية. وحصلت على جائزة
«المرأة العربية الملهمة » لعام 2015 .
نجاح الإخفاق
تعطي مشاعل على منصة القمة دروساً مهمة في الإصرار على تحقيق الهدف مهما بلغت التكلفة، وأن السن والنوع لا يمكن بحال أن تقف عائقاً يحول دون ذلك، إذ تقول في ذلك: حين بدأت شركتي قال لي الناس: أنت في السادسة والعشرين فماذا تعرفين؟ أجل كنت في سن السادسة والعشرين، ولكني أفضّل أن أحاول وأخفق على ألا أحاول. حين بدأنا الشركة كان لدينا مستثمر يمول المشروع بشكل كامل، لكنه انسحب في منتصف المشروع. وإذا أردت أن تقنع إنساناً ليضع أمواله في استثمار طويل الأمد يحتوي العديد من المخاطر فالأمر معقد! لكن أكملنا طريقنا في تطوير هذه الصواريخ، وظللتُ أبحث عن مستثمر، عامين ونصف.
المستثمرون نوعان
من واقع تجربتها، ترى مشاعل أن المستثمرين نوعان؛ إما أنهم لا يفهمون طبيعة صناعة الفضاء فيبتعدون عنها، وإما أنهم يفهمون طبيعة صناعة الفضاء فيضعون جميع استثماراتهم في شركة سبيس إكس، فكان من الصعب جدّاً إيجاد مستثمر. وبينما كانت تواجه هذه المشكلات المالية أخفقَت بعض التجارب على غرفة الاحتراق، ليس لمرة ولا لمرتين، بل لثلاث مرات، والسبب كان المادة المستخدمة. تقول مشاعل: ثم وجدنا مادة صالحة لنا لكن لم يكن لدينا الوقت ولا المال لاستخدام هذه المادة الجديدة، ففكرت في أن نختبر النظام التجريبي، إذ لسنا في حاجة إلى الصعود إلى الفضاء، كل ما نحتاج إليه هو اختبار النظام التجريبي، وذهبنا إلى موهافي وجهزنا الصاروخ، ولكن المضخة لم تعمل، فرجعنا وأتينا بمضخة أخرى، ووضعناها، لكن توقع، ما الذي حدث؟ لم ينجح الأمر! ثم قال لي كبير مهندسي الشركة: ماذا تريدين أن نفعل؟ فقلت له: لديّ خياران هنا، إما النجاح وإما الموت؛ لذا حاولنا كثيراً حتى حققنا النجاح، وحصلنا على عدد من العقود المبدئية، ونحن نصنع جميع الأجزاء بأنفسنا.
كان هدفي تصميم صاروخ
بدفع نووي حراري لمهام
صاروخ (مارس) المخصص
لحمل البشر إلى المريخ
شرف المحاولة
تختتم مشاعل الشميمري حديثها موضحة أنها تود أن توصل رسالة مفادها أن ما تعلمته من تجربها أثبت لها أنها قادرة على صناعة التكنولوجيا والصواريخ، على الرغم من أنها لم تحصل على مستثمر، لكنها تتمنى أن يأتي قريباً. تقول مشاعل موضحة ذلك: على الأقل قد حاولت، قد أكون أخفقت من المنظور الاقتصادي، لكني نجحت على المستوى التقني. في بعض الأحيان يكون من الصعب على بعضنا أن يقبل بدء شيء والوقت غير مناسب. هذا لا يعني أن عليه التخلي عنه، إنما يعني أنه في وقت لاحق قد تكون السوق جاهزة لهذا الأمر. والأهم أنه ينبغي لك أن تركز على تحقيق حلمك مهما كانت الصعاب؛ فالإخفاق هو النواة التي ينبت منها النجاح، إذاً لا تخف من الإخفاق وخذ المخاطرة وحقق ما تريد تحقيقه.