اللقاحات تحت مجهر حوارات المعرفة
عقدت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي جلسة حوارية بعنوان "اللقاحات بين الحقائق والخرافات" التي تنظِّمها المؤسَّسة والبرنامج ضمن مبادرة "حوارات المعرفة". واستضافت الجلسة الدكتور إسلام حسين، عالم الفيروسات الجزيئية، كبير العلماء في شركة مايكروبيتكس، وأدراها الدكتور منصور أنور حبيب، استشاري طب الأسرة والصحة المهنية.
في بداية الجلسة، أوضح الدكتور إسلام حسين أنَّ اكتشاف اللقاحات يعدُّ من أعظم الإنجازات الطبية التي مدت في عمر البشر، ومن خلالها ينعم البشر الآن بالعمر الصحي المديد، حيث تعمل اللقاحات على تعريف الجسم بخطورة الفيروس لمقاومته في حالة الإصابة، مشبهاً هذه العملية بمحاولات الإنقاذ الافتراضية التي تحدث في الشركات أو المؤسَّسات.
وقال الدكتور إسلام: "إنَّ تقنية الناقل الفيروسي المعتمدة في بعض اللقاحات الحالية تسبِّب نزلات برد خفيفة، وتعمل هذه التقنية على مبدأ تعديل بعض جينات الفيروس لكي يفقد القدرة على التكاثر، وإنَّ كل الطرق المستخدمة في إنتاج لقاحات لا تحتوي على فيروس حي، ولكن تحتوي على شيء شبيه بالفيروس، بحيث يبدأ بعد دخوله الجسم بسلسلة من التفاعلات حتى يتعرَّف الجسم إليه ويكوِّن مناعة منه بتكوين الأجسام المضادة له".
وعن الآثار الجانبية التي يتوقّع حصولها بعد التطعيم، أشار عالم الفيروسات الجزيئية إلى أنها آثار طبيعية تنشأ عن التفاعلات الكيميائية التي يفرزها الجسم، وهذا قد يرفع حرارة الجسم بشكل بسيط ويؤدي إلى بعض المضاعفات الشهيرة التي يسببها التطعيم. ومع أنَّ بعض الناس تتفاعل بشكل مفرط مع أحد مكونات اللقاح، إلا أنه، ولحسن الحظ، فإنها لم تكن بنسبة عالية، فقد كانت ما بين 2-4% فقط، ومع ذلك فإنه يتم علاجها بشكل سريع، وهذا ما يجيب عن سؤال الكثير من الأشخاص عن السبب في مدة الانتظار 15 دقيقة التي يطالب من يتلقّى التطعيم بانتظارها.
وإجابة عن سؤال الدكتور حبيب حول ما إذا لم يشعر متلقي اللقاح بأي آثار جانبية، هل يشكّل ذلك خللاً في فاعلية اللقاح؟ أوضح الدكتور إسلام حسين أنه إذا لم يحدث للشخص المطعَّم أيُّ آثار جانبية فإنَّ هذا لا يدلُّ على أنَّ اللقاح لم يكوِّن المناعة المطلوبة التي أخذ من أجلها؛ لأنَّ هذا متعلق بالاختلافات بين استجابة الأجسام للتطعيم، وأنه إن حدث آثار جانبية لمدة زائدة عن اليوم فإنَّ على المطعَّم أن يتوجَّه إلى الطبيب في أسرع وقت ممكن لأنه يتم التعامل معها طبياً وتعالج بشكل سريع.
وفي معرض حديثه عن حديث الساعة والتحوُّر الذي يتمُّ على فيروس كورونا المستجد، أوضح الدكتور إسلام أنَّ الفيروسات بشكل عام تتحوَّر طيلة الوقت، فالفيروس يدخل بشكل نسخة واحدة للخلايا ويسيطر على الخلية وينتج ملايين النسخ منه، ولكن الأنزيم الذي ينسخ غير دقيق في عملية النسخ، وهذه الطبيعة متأصلة في جميع الفيروسات، وهي غير خاصة بفيروس كورونا المستجد. ومن هنا بدأت شركات الأدوية باستخدام المعلومات الوراثية التي ترتكز على شفرة الفيروس الذي أصاب سكان مدينة ووهان الأصلي، لأجل تطوير لقاحات مضادة له، وقد تمَّ تطوير ترسانة من اللقاحات خلال 8 أشهر من اجتياح الفيروس، وهذا يعدُّ إنجازاً للعلماء في هذا العصر، ومع ذلك فإنَّ الفيروس قادر على إحداث طفرات.
وعن السؤال الذي يطرح من قِبَل الجمهور حول مناعة التطعيم ومناعة الإصابة بالفيروس، أيهما أفضل؟ أشار الدكتور إسلام حسين إلى أنَّ مناعة اللقاح أفضل بالتأكيد من مناعة الإصابة؛ لأنَّ تبعات الإصابة لا يعلم ما نتائجها وتختلف من شخص لآخر، ومعدل عدم الإصابة بعد الإصابة الأولى غير دقيقة. أما الاستجابة المناعية التي تنشأ عن اللقاح فإنها محسوبة ومدروسة، بخلاف المناعة الناتجة عن الإصابة.
وأشار الدكتور إسلام حسين إلى أنَّ الكثير مما يتمُّ تداوله حول لقاحات كوفيد 19 هو من محض الخيال ولا أساس له من الصحة العلمية، ومن تلك الخرافات أنَّ اللقاح يسبب مشكلة في الإنجاب، وهذا على العكس تماماً، فإنَّ الفيروس هو ما يسبِّب بعض المشكلات نتيجة العدوى وليس اللقاح. كما أنه لا صحة لمعلومة أنَّ اللقاح يسبب التوحُّد، وهي معلومة ملفَّقة وليس لها أيُّ أساس من الصحة، وقد أثبتت الدراسات أنه لا علاقة بين اللقاحات ومرض التوحُّد. إضافة إلى أنَّ اللقاحات لا تتفاعل بأي شكل مع المادة الوراثية ولا خوف من أيِّ نوع من اللقاحات على الجينات ولا يمكن أن يحدث أي ضرر على الجينات تسببها اللقاحات، خلافاً لما يشاع في هذا الشأن.
وعن لزوم اتخاذ الإجراءات الاحترازية بعد أخذ جرعتي اللقاح، أوضح الدكتور إسلام أنه يجب الاستمرار بهذه الإجراءات وإن كان الشخص قد أخذ جرعتي اللقاح؛ لأنَّ الدراسات الحالية تؤكِّد أنَّ اللقاح يقي من الآثار والمضاعفات التي تنتج عن المرض، ولكنها لا تقي من العدوى بالضرورة.
وفي ختام حديثه، توجَّه الدكتور إسلام حسين برسالة إلى الناس بأنه حتى وإن افترضنا أنَّ هناك بعض الآثار الجانبية للقاح، كغيره من التطعيمات، فإنها لا تقارن بالآثار الكارثية الناتجة عن فيروس كورونا. وأنه ينبغي التوسُّع في رقعة التطعيم كي تتكوَّن مناعة مجتمعية عن طريق استخدام التطعيم، وهذا يوفِّر غطاءً من الوقاية يوقف حلقة انتشار الفيروس، مؤكداً أنَّ التطعيم يؤدي إلى التقليل من تحوُّر الفيروس، وهي مهمة مجتمعية على الجميع أن يتبناها ويكون مسؤولاً في هذه الناحية.