مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة تستعد لإطلاق مؤشر المعرفة العالمي 2020
* بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي الذكرى الـ 75 لتأسيس الأمم المتحدة
* مبادرة نوعية باتت تمثِّل خريطة طريق لتنمية المجتمعات
دبي ـ غسان خروب
«المعرفة رأس المال الحقيقي للبشرية»، بهذا التعبير وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أهمية المعرفة وتأثيرها في الإنسان. وفي هذا الشأن لعبت الإمارات دوراً محورياً، بأن تبوأت مكانة متقدمة على مؤشر المعرفة العالمي، الذي يعدُّ خريطة طريق للتنمية المستدامة للمجتمعات، حيث تكمن أهميته في قدرته على مساعدة الدول لصياغة استراتيجيات التفكير الاستباقي لدعم المعرفة وتعزيزها، باعتبارها عنصراً أساسياً في بناء اقتصاد معرفي قوي، قادر على ضمان التنمية المستدامة. وفي الذكرى الـ 75 لتأسيس الأمم المتحدة، تستعد مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لإطلاق مؤشر المعرفة العالمي 2020، إذ تتلاقى أهداف مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة والأمم المتحدة في خدمة البشرية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة من أجل رفاهية الشعوب، وتؤكد المؤسَّسة شراكتها العالمية في مجال المعرفة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي أثرت في العديد من المبادرات المثمرة لخدمة البشرية. وقد بذلت المؤسَّسة منذ ولادتها في 2007، جهوداً عالية القيمة، مكَّنتها من إطلاق مبادرات عدة، على رأسها مؤشر المعرفة العالمي، الذي يهدف إلى قياس «المعرفة كمفهوم شامل وثيق الصلة مع مختلف أبعاد الحياة الإنسانية المعاصرة»، فيما يستند المؤشر إلى 7 مؤشرات قطاعية، تعنى بالتعليم قبل الجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني، والتعليم العالي، والبحث والتطوير والابتكار، تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، والاقتصاد، والبيئات التمكينية، ونتيجة لدور المؤسَّسة العالمي وتأثيرها في المجال المعرفي ومساعدتها للعديد من الدول، فإنها كُرِّمَت في مقر الأمم المتحدة من قِبَل آخيم شتاينر، المدير العام لبرنامج الأمم الإنمائي، باعتبارها شريكاً معرفياً عالمياً للبرنامج، وأثمرت العلاقة مشروعات معرفية رائدة على مستوى المنطقة العربية والعالم.
خطة واضحة
وتنبع أهمية وجود مؤشر عالمي للمعرفة، من قدرته على توفير خطة واضحة للإصلاحات والاستثمارات على مستويات عدة، والتأسيس لمسارات فاعلة، تهدف إلى تحسين الأوضاع المعرفية لبلدان العالم، ما يتطلب توفير بيانات وإحصائيات دقيقة تظهر مستوى المؤشر المعرفي لمختلف دول العالم، ولذلك يركز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنوياً على عرض نتائج المؤشر على المنظمات الإقليمية والدولية، كما يقوم مشروع المعرفة العالمي بالتواصل مع الوزارات المعنية لعرض نتائج المؤشر والعمل معها على تحسين نتائج دولهم على المؤشر، كما حدث في مصر التي استطاعت خلال عام واحد التقدُّم 17 مركزاً بفضل العمل على نقاط الضعف ومعالجتها. وبنظرة سريعة على نتائج مؤشر المعرفة العالمي، نجد أنَّ سويسرا وفنلندا حافظتا على مركزيهما الأول والثاني، وتلتهما الولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة ولوكسمبورغ، بينما استطاعت الإمارات تحقيق تقدم ملحوظ على المؤشر ذاته، ووفقاً للإحصائيات التي أصدرتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، حافظت الإمارات على مركزها ضمن أفضل 20 دولة، عالمياً، ليكشف المؤشر تقدم الدولة 7 مراكز في غضون عامين فقط، ما مكنها من احتلال المركز الـ 18 عالمياً، والأول عربياً، علماً أنَّ مؤشر المعرفة العالمي لعام 2019 يتكوَّن من 133 متغيراً، ويغطي 136 دولة، ليرتفع عدد الدول إلى 138 في مؤشر هذا العام والذي سيتم إطلاقه في نوفمبر المقبل.
تنمية مستدامة
جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أكد أنَّ المشروع يهدف إلى النهوض بالمنطقة العربية، ويسهم في بناء مجتمعات المعرفة، قائلاً: «الاستثمار في إنشاء ونشر واستخدام المعرفة المتعلّقة بعمليات التنمية أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة»، ونوَّه إلى أنَّ الشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أفرزت مجموعة نتائج مهمة، وكشفت حقيقة الوضع المعرفي في مختلف الدول. وقال: «مؤشر المعرفة هو أداة فاعلة لقياس مكانة كل دولة في مسيرة المعرفة التي تعوّل عليها للارتقاء بكوادرها»، مؤكداً أنَّ الإمارات سخَّرت جميع الإمكانات لرفعة الوطن العربي في شتى المجالات. وقال: «ركَّزت الإمارات على دعم وإصدار مؤشر المعرفة، لتمكين الحكومات من التعرُّف إلى مكامن القوة والضعف في مجال المعرفة». وأضاف: «من خلال رؤيتنا للمتغيرات التي حدثت على المستوى المعرفي لبعض الدول، يمكننا القول إنَّ المؤشر نجح في تحقيق العديد من أهدافه».
تجارب ناجحة
ما يحققه المؤشر من نتائج كفيل بتوفير المساعدة للدول، عبر الكشف عن التجارب الناجحة في قطاعات المؤشر السبعة، لمواجهة التحديات فيها بسرعة وبصورة فعّالة، فمثلاً ساعد المؤشر في التعريف بالتجربة الإماراتية في التعليم التقني والتدريب المهني، حيث قامت بتطبيقها مجموعة من الدول التي بادرت إلى بناء جامعات تكنولوجية. في المقابل، جاءت نتائج قطاع الاقتصاد لتمثل دليلاً على قدرة الدول العربية بتوافر الإرادة السياسية والتخطيط الجيد، على منافسة دول العالم والتقدم عليها، وفي هذا السياق، احتلت الإمارات المركز الثاني عالمياً بعد سنغافورة والمركز الأول عربياً على محور التنافسية الاقتصادية، حيث أسهمت هذه النتائج في تغيير تفكير دول المنطقة، وبدأت الدول في التحوُّل من تنفيذ سياسات اقتصادية من خارج المنطقة إلى محاولة دراسة وتطبيق التجربة الإماراتية، ما يؤكد تفرُّد الإمارات وقيادتها معرفياً وتفوقها على مستوى المنطقة، فيما تشير التوقعات إلى أنَّ استمرار الإمارات على هذا الخط سيمكّنها قريباً من قيادة العالم معرفياً، وهو ما يشير إلى أنَّ مؤشر المعرفة العالمي أعاد تشكيل الخريطة المعرفية على مستوى العالم.
كما كان مشروع المعرفة سباقاً بإنتاج تقرير استشراف مستقبل المعرفة، حيث يُعدُّ تقريراً فريداً من نوعه، ويتضمّن أداة مبتكرة لقياس المعرفة تعتمد على تحليل البيانات الضخمة وتقييم الوعي بالمهارات والتكنولوجيا في 40 دولة، تهدف إلى فهم أفضل، لكيفية تنقّل المجتمعات الحالية وتحولها، بما يمنحها القدرة على التكيُّف والتعامل مع متطلبات المجالات المستقبلية التي ستُسهم في تشكيل المستقبل القريب والبعيد، فالغرض الرئيس من هذا التقرير هو مساعدة قادة الدول على إعداد مواطنيهم للمشهد المعرفي المستقبلي وتزويدهم بمهارات كافية.
رؤية مشتركة
وفي هذا الجانب، يقول الدكتور هاني تركي، رئيس المستشارين التقنيين ومدير مشروع المعرفة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «تستند شراكتنا مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، إلى رؤية مشتركة قوامها تعزيز التنمية المستدامة القائمة على المعرفة في المنطقة العربية وخارجها»، ويضيف: «تحت مظلة هذه الشراكة ومشروع المعرفة، أطلقنا مؤشر المعرفة العالمي الذي يستند إلى رؤية فكرية مبنيّة على أدبيات وتقارير أممية تؤكّد تلازمية المعرفة والتنمية، لتتحوّل بمقتضاها المعادلة من منظور التنمية القائمة على الموارد المادية والطبيعية إلى تنمية ذكية قائمة على الموارد المعرفية، وتصبح المعرفة في إطار ذلك أساسَ تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة».
مشروع المعرفة العالمي لم يكتفِ بالتواصل ومساعدة الدول على تحسين أوضاعها المعرفية، ولكنه ساعدها أيضاً على دمج الشباب وتأهيلهم باعتبارهم رأس المال المعرفي، وأداة التقدم للمجتمعات. فمثلاً تمَّ تدريب نحو 700 شاب بالأردن بالتعاون مع وزارة الشباب التي أطلقت مخيماً صيفياً بعنوان «معسكرات الحسين المعرفية»، كما أطلقت وزارة الشباب الأردني هيئة للمعرفة، لتهتم بالقضايا المعرفية لدى فئة الشباب، بينما تمَّ في مصر وبالتعاون مع وزارة التعليم العالي، إطلاق فريق المعرفة المصري، ليكون نواة لبناء استراتيجية وطنية لبناء مجتمع المعرفة المصري.
نقلة نوعية
انتشار جائحة كورونا، كان كفيلاً بالكشف عن أهمية إدارة المعرفة في التعامل مع الأزمات، حيث أحدثت الجائحة نقلة نوعية على مستوى المجتمع ومنظماته، ما أسهم في إتاحة الفرصة أمامها لإعادة البناء بطريقة أفضل، استناداً إلى الدروس المستفادة من الجائحة، وفي هذا السياق، ومنذ عام 2017 أشار مشروع المعرفة من خلال نتائج مؤشر المعرفة العالمي إلى ضعف قطاع البحث والتطوير والابتكار على مستوى العالم، وهو ما ينبئ بضعف الأنظمة الدفاعية البحثية وعدم جاهزية الدول لمواجهة أي ظرف طارئ، وهذا ما حدث بالفعل في ظل الأزمة الحالية، حيث تسعى الدول لإعادة ترتيب أولوياتها وزيادة الاهتمام بقطاع البحث والتطوير والابتكار، وعملت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال معرفة حجم التحديات التي تواجه العالم حالياً، والعمل على نشر الأفكار الخلّاقة بين الأجيال الشابة، ورعايتها لاستدامة الأعمال الريادية، وتعزيز فرص الحصول على التعليم، كما أطلقت المؤسَّسة، خلال عقدها للمنتدى الافتراضي «كوفيد 19: في تسريع الخطى نحو مجتمع المعرفة» سلسلة من ورش العمل والدورات التدريبية العملية بهدف تزويد الشباب العربي بالمهارات المطلوبة للمستقبل.