الموسيقى العربية في العصر الرقمي
غيّرت التكنولوجيا طرق استماعنا إلى الموسيقى والتفاعل مع الأغاني، لتنتج جمهورها الخاص، وكلماتها، وألحانها، وعكست مدى التغير الحاصل في الموسيقى العربية خلال السنوات العشر الماضية.
يرى موسيقيون متخصصون أن هناك عدة مظاهر وضحت هذا التغيير في واقع الموسيقى العربية أهمها المهرجانات المصرية التي انتشرت بشكل كبير خال الفترة الأخيرة، إضافة إلى الراب الشامي والمغاربي، والموسيقى الإلكترونية.
ويوضح موسيقيون ل «ومضات » أن ظهور المنصات المختلفة لسماع الأغاني على الإنترنت، وفَّر جزءاً من الحل للمستمعين بعيداً عن شركات الإنتاج التقليدية المكلفة مادياً للجمهور، مشيرين إلى أن الموسيقى العربية تطورت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن بشكل كبير حتى ظهرت الموسيقى الشعبية التي نتحدث عنها الآن كأحد متغيرات العصر الرقمي.
ويلفت المتخصصون النظر إلى التطورات الرقمية وفوائدها العظيمة، إلا أن الأضرار تسير بالتوازي أيضاً، موضحين أنه من السهل جداً قرصنة المصنف الموسيقي مع انتشار التكنولوجيا الحديثة، مما يُعرض حقوقهم للضياع، وتُعّدُّ من أهم التحديات التي تهدد المبدعين وقطاع الإنتاج الموسيقي كافة.
موسيقى مستقلة
ويقول معن أبو طالب، مؤسس مجلة معازف الإلكترونية التي تصدر بالعربية والمعنية بالموسيقى: إن العالم العربي شهد خال السنوات العشر الماضية صعود عدة مشاهد موسيقية مستقلة وبديلة، من المهرجانات، إلى الراب الشامي، والمصري، والمغاربي، والبوب المغاربي، والموسيقى الإلكترونية وسواها.
ويرى أبو طالب أن ظهور مئات المواهب في المجالات الإبداعية المختلفة مثل: التأليف، والغناء، والإنتاج، وإخراج الأغاني المصورة، وتصميم الأغلفة؛ لم يقابله نهوض مماثل في واقع موازٍ لصناعة الموسيقى في الترويج، وحجز وتنظيم الحفات، والمبيعات، وحقوق النشر، والجوانب القانونية، وهو الأمر الذي لا يزال يُعيق تطور وانتشار هذه المشاهد، ويجعل من الصعب على عدد كبير من فنانيها تحقيق أرباح مستقرة تضمن تفرغهم لأعمالهم. ويؤكد أن استخدام المنصات الإلكترونية الحديثة لبث الأغاني يوفر جزءاً من الحل للجمهور المستقل، إلا أن شركات التسجيل الضخمة في العالم العربي سيطرت على معظم الأرباح، لامتلاكها الجهات القادرة على المتابعة القانونية وتسجيل فنانيها وتحصيل عقود بنسب أرباح عالية.
وأوضح مؤسس مجلة معازف الفنية الإلكترونية، أن هناك استراتيجيات بديلة يستخدمها الموسيقيون المستقلون كاعتماد المهرجانات، والراب المغاربي، والبوب العراقي على الأغاني المصورة لزيادة أرباحهم من يوتيوب، واعتماد الراب المصري والشامي على برنامج «ساوندكلاود » لتحويل شهرتهم إلى أرباح عبر الحفات والتمويل الجمعي.
ويُكمل معن أبو طالب: «هناك شركات تسجيل مستقلة قليلة لكن مهمة في الظهور، وظهرت أشكال مختلفة بديلة من الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وكالات الترويج البديلة.. وبشكلٍ بطيء، بدأت تتشكل صناعة موسيقى خاصة بهذه المشاهد، تجد حلولها الخاصة لتحقيق الاستقرار للفنانين، ثم المنافسة مع الشركات التقليدية».
لقاء التقليدي والحديث
ومن جانبه، يرى الموسيقار المصري ياسر عبد الرحمن، أن الأمر الأساسي لتطور أي مشهد موسيقي يكون بالتقاء الفنانين ببعضهم وبالجمهور، سواء من خال منصات تقليدية كالحفات والألبومات الموسيقية، أو من خال المنصات الإلكترونية الحديثة من تطبيقات الهاتف، أو المواقع الإلكترونية، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح عبد الرحمن أنه منذ الثلاثينيات وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كان العالم العربي خاضعاً لنمط إنتاجي شبه موحد في شكله الكلاسيكي تأليفاً، وإنتاجاً، وتسويقاً، وخال السنوات الأخيرة ظهرت الموسيقى الشعبية بالتزامن مع التطور التكنولوجي وانفتاح العالم العربي على التأثرات العالمية والغربية. وأكد أن الحياة تتطور بشكل كبير اليوم، ويصاحب هذا التطور استحالة استئناف الموسيقى العربية في شكلها التقليدي، فهناك علاقة شائكة بين حاضر وماضي الموسيقى العربية، وتزداد تشابكاً بسبب توافر مختلف أنواع الموسيقى في يد الجميع بسبب الإنترنت. وأكمل الملحن والمؤلف عبد الرحمن قائاً: «لا يمكن للموسيقي أن يكون مسايراً لروح العصر، ما لم يكن قريباً من التحولات الرقمية الجارية في عالم اليوم »، مضيفاً: «هذا يرجع إلى ارتباط الموسيقى، تصوراً وإبداعاً وإنتاجاً وتلقياً بوسائط رقمية حديثة، حيث يتسم العصر الرقمي بالتواصل، والتفاعل، والتشارك».
قلب الموازين
ويعتقد الموسيقار خالد حماد، الذي يُعَدُّ أحد أهم واضعي الموسيقى التصويرية في السينما والمسلسات التلفزيونية العربية، أن العصر الرقمي قلب موازين صناعة الموسيقى، بإعطاء جهاز التحكم في يد الجمهور بإمكانية الدخول إلى الإنترنت وسماع أغانيه المفضلة، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت طرق الاستماع للموسيقى بشكلها التقليدي. وأوضح حماد أن الأدوات الجديدة جعلت العلاقة بين المعجبين والفنانين قوية للغاية، وفتحت أمامهم المصادر المختلفة لتجاوز الحدود الجغرافية، حيث لا يقتصر دور الفنان حالياً على التأليف والغناء للجمهور، بل امتد ليشمل علاقة تفاعلية مع مُحبيهم.
«شهد العالم العربي خلال عشر سنوات
صعود عدة مشاهد موسيقية مستقلة
وبديلة، من المهرجانات، إلى الراب
الشامي، والمصري، والبوب المغاربي،
والموسيقى الإلكترونية
ويوضح قائاً: «عند النظر إلى المستقبل علينا دائماً العودة للتاريخ، حيث إن الموسيقى العربية لها أصول تاريخية متعددة، واستوحى الموسيقيون العرب الأوائل مؤلفاتهم من المصريين القدماء والآشوريين والسومريين، والعديد من الآلات التي يعزف عليها اليوم مستوحاة من الآلات المعروضة على لوحات تلك الحضارات القديمة الجدارية ووثائقها، وعلى الرغم من الأصول القديمة لأدوات الشرق الأوسط الموسيقية، إلا أنه تم تطوير بنيتها المعاصرة منذ القرن الثامن قبل المياد، وهي فترة في الثقافة الإسامية تُسمى «العصر الذهبي».
وأوضح الموسيقار حماد أن العصر الرقمي أتاح إمكانية إعادة إحياء التراث القديم وتجديده وعرضه بطرق حديثة، مشيراً إلى أن الوسائل الرقمية الحديثة قدمت هي الأخرى مستوى جديداً من الإشكاليات في مجال الموسيقى، حيث زادت من مستوى المخاطرة في التنبؤ بنجاح الأغاني، إضافة إلى إمكانية دخول غير المتخصصين في المجال.