خطة دفاع كوكبي للطوارئ الفضائية
يشكل اصطدام غير متوقع لكويكب أو جسم فضائي مع الأرض خطراً حقيقياً على كوكبنا والجنس البشري بأكمله. ومع احتمال سقوط نيزك أو جرم سماوي، بدأت وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم أخيراً، تأخذ خطر الإبادة العالمية على نحو أكثر جدية.
إذا لم يتسبب الجنس البشري في انقراضه من خلال اتخاذ إجراءات غير كافية متعلقة بتغير المناخ، أو عن طريق قرارات الحرب الكارثية التي اتخذها قادة العالم المتهورون، أو من خلال إنشاء خامات نانوية ذاتية التكرار مصممة على تدمير أسيادها، فلا تزال هناك فرصة بعيدة لكنها واردة، وهي أن يصطدم كويكب بالأرض فتكون النهاية. فكّروا في العواصف النارية الخارجة عن السيطرة، وأمواج تسونامي العملاقة، ولأن الشمس ستنحجب بسبب الحطام والغبار الصخري، سيحلّ شتاء مدمّر وطويل.
يشير كتاب ستيفن هوكينغ الأخير «إجابات قصيرة عن أسئلة كبيرة »، إلى أن اصطدام كويكب كان على الأرجح أكبر تهديد للكوكب ولبقائنا عليه؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بمفاهيم «أرمجيدون ،» يتم التغاضي عن بعض الكويكبات إلى حد ما، ويبدو وفق ذلك احتمال حدوث اصطدام كارثي ضعيفاً إلى درجة أنه لا يوجد برنامج استجابة وقائية أو طارئة.
في تقرير عام 1996 للقوات الجوية الأمريكية بعنوان «الدفاع الكوكبي: تأمين صحي كارثي لكوكب الأرض »، قال المؤلفون فيه: «معظم سكان العالم لا يعرفون أو يهتمون باحتمال الاصطدام الكوني، على الرغم من أن هذا الخطر من الفضاء يشكل موضوع قلق مميتاً للبشرية ».
يبدو أن هناك الكثير الذي يستدعي القلق بشأن الأرض بالفعل، دون إضافة أن هناك احتمالية محو الأرض بسبب كويكب يتوجه مباشرة إليها، لذلك معظم الناس يتحدّثون عن هذا الاحتمال دون أن يلتفتوا إليه. ويمضي مؤلفو التقرير قائلين: «عندما علمنا أن فريقنا قد خصص موضوع «الدفاع الكوكبي »، فقد أدركنا ما فعله معظم الناس عندما نظروا إلى الموضوع لأول مرة: لقد ضحكنا. ومع ذلك، عندما غمرنا أنفسنا بالبيانات، وبدأنا العمل مباشرة مع العديد من علماء الفلك والخبراء الذين يعملون بنشاط على هذه المشكلة، سرعان ما حل مكان ضحكاتنا القلق ».
ويضيفون: «لم يكن قلقنا يستند فقط إلى احتمالات مواجهة الأرض أزمة اصطدام وشيكة بكويكب أو مذنّب كبير، ولكن الحقيقة أن مثل هذه الاصطدامات تحدث بشكل متكرر أكثر بكثير مما يدركه معظم الناس، وأن المجتمع العالمي، على الرغم من أنه يصبح أكثر جدية بشأن هذا التهديد، إلا أنه يفتقر حالياً إلى القدرة على الكشف عن هذه الأجسام غير الأرضية أو التخفيف منها على نحو ملائم. لكن الأهم من ذلك هو حقيقة أن اصطدام كويكب صغير نسبياً من شأنه أن يتسبّب، على الأرجح، في أضرار كارثية وخسائر في الأرواح، ويمكن أن يؤدي حتى إلى انقراض الجنس البشري!».
يظهر دليل على اصطدام الكويكبات في جميع أنحاء العالم. ففوهة فريديفورت في جنوب أفريقيا التي صنفت في عام 2005 كموقع من مواقع اليونسكو للتراث العالمي، تعد أكبر أثر معروف في العالم ناشئ عن اصطدام كويكب، مع دائرة نصف قطرها 190 كيلومتراً؛ يقدر العلماء تاريخ الاصطدام بنحو ملياري سنة. وفي أونتاريو بكندا، هناك حوض «سودبيري » الذي تشكّل منذ نحو 1.8 مليار سنة، يبلغ قطره 130 كيلومتراً.
في الآونة الأخيرة، انقضت 66 مليون سنة على اصطدام كويكب قطره 10 كيلومترات بالأرض، وتسبب في حدوث العصر «الطباشيري – الباليوجيني »، والذي يُعرف بأنه السبب الرئيس وراء انقراض الديناصورات.
على الرغم من مرور الوقت الذي لا يمكن تصوره، فإن ذلك يعني أن حدثاً مشابهاً من الممكن أن يقع مرة أخرى. قد يعني ذلك أيضاً أن هناك ضربة أخرى متأخرة. وفقاً لمؤسسة «بي ،»612 وهي مؤسسة خاصة غير ربحية مقرها في ولاية كاليفورنيا، وتكرس نفسها للدفاع الكوكبي ضد الكويكبات: «من المؤكد بنسبة 100 في المائة أننا سنصطدم بكويكب مدمر، لكننا لسنا متأكدين بنسبة 100 في المائة من وقت حدوثه».
في تقرير عام 1996 للقوات الجوية
الأميركية بعنوان «الدفاع الكوكبي:
تأمين صحي كارثي لكوكب الأرض ،»
ذكر المؤلفون أن: «معظم سكان
العالم لا يعرفون أو يهتمون باحتمال
الاصطدام الكوني، على الرغم من
أن هذا الخطر من الفضاء يشكل
موضوع قلق مميت للبشرية .
من المؤكد أن اصطدامات الأجسام القريبة من الأرض والنيازك، وهي ليست كتلاً صلبة من المواد المتبقية من تكوين النظام الشمسي مثل الكويكبات، ولكنها مجموعات أصغر من الصخور وجسيمات الفضاء، ظهرت في الآونة الأخيرة. في عام 2013 ، انفجر نيزك «تشيليابينسك » بشكل ساطع في سماء وسط روسيا، وبعد ذلك على الشاشات في جميع أنحاء العالم، حيث دخل الغلاف الجوي للأرض وتحطم في المدينة. ومن المثير للدهشة أنه لم تحدث أي وفيات، ولكن أصيب نحو 1500 شخص، معظمهم بسبب الزجاج المكسور، حيث تسببت موجة الانفجار المفاجئة في تدمير 7200 مبنى في ست مدن في أنحاء المنطقة.
بلغ وزن هذا النيزك نحو 13000 طن متري )أكثر من برج إيفل(، وقطره نحو 20 متراً، وهو أكبر جسم طبيعي معروف يدخل الغلاف الجوي منذ عام 1908 ، عندما انفجرت كرة نارية نيزكية فوق منطقة حرجية نائية في سيبيريا بالقرب من نهر تونغوسكا في بودكامينايا. ويقدر أن هذا الانفجار قد يقضي على منطقة حضرية بأكملها، ولكن مع سقوطه في منطقة غابات غير مأهولة بالسكان، لم تسجل أي وفيات. وقدر الانفجار بنحو 15 ميغاطناً، وهو ما يمثل طاقة تزيد بنحو 1000 مرة على كمية القنبلة الذرية التي أسقطت على هيروشيما في اليابان. وقد دمر نحو 80 مليون شجرة فوق مساحة تبلغ 2150 كيلومتراً مربعاً وأثار نقاشات جادة حول تجنب اصطدام الكويكبات.
تطورت النقاشات على مدار 111 عاماً مضت، لا سيما وأن الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء «ناسا »، قد أدرجت أن 73 كويكباً لديه فرصة واحدة من بين 1600 فرصة لضرب الأرض، ومع ذلك لا يوجد نظام دفاع كوكبي فعال يمكن الاعتماد عليه. وفي السنة نفسها التي سقط فيها نيزك «تشيليابينسك »، أكد الخبراء أمام الكونغرس الأمريكي، أن وكالة «ناسا » ستحتاج إلى خمس سنوات على الأقل من الإعداد قبل أن يتم إطلاق مهمة لاعتراض الكويكب. في 12 أكتوبر 2017 ، ظهر كويكب يدعى ) 2012 TC4 (، بقياس 15 - 30 متراً، يسافر في الفضاء بسرعة تقدر بنحو 25000 كم/ساعة، على بعد 43000 كيلومتر من أنتاركتيكا )القارة القطبية الجنوبية(. هذه المسافة قد تبدو بعيدة بما فيه الكفاية لعدم الشعور بالقلق وفق منظورنا العام، لكن من الناحية الكوكبية هو قاب قوسين أو أدنى.
إضافة إلى أجراس الإنذار التي تدق من TC4( (، كانت «ناسا » تراقب أيضاً كويكباً يدعى «بينو »، يمكن رؤيته كل ست سنوات من الأرض، والذي من المتوقع أن يمر بين كوكبنا والقمر في عام 2135 . في خطوة جوهرية نحو استعداد أكثر ملاءمة لنشاط الكويكبات والأجسام القريبة من الأرض، تقوم وكالة الفضاء بتطوير سفينة فضائية تعرف اختصاراً باسم «هامر »، وذلك في مشروع مشترك مع إدارة الأمن القومي الأمريكية ومختبر أسلحة من وزارة الطاقة الأمريكية.
كلمة «هامر » اختصار ل «مهمة التخفيف من حدّة الكويكبات في الاستجابة لحالات الطوارئ ،» وهي بالفعل سفينة فضائية يقدّر وزنها بتسعة أطنان تحلّق مباشرة إلى كويكب مهدِّد لإبعاد مساره عن الأرض. وهناك خيار ثانوي وأكثر حسماً، وهو تحميل السفينة بقنبلة نووية لتفجير الكويكب في الفضاء؛ وهو خيار يتم معاينته أيضاً من قبل العلماء الروس. في ورقة نُشرت في مجلة «الفيزياء التجريبية والنظرية »، وصف فريق العلماء الروسي كيف أنهم قاموا بتكرار تدمير كويكب على نطاق صغير بإطاق شعاع ليزر على نموذج كويكب يبلغ طوله 4 ملم فقط، ويتطلب 200 غول من الطاقة لتدميره. أشار الفريق المكوّن من باحثين من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا والمركز النووي الفيدرالي الروسي وشركة الطاقة النووية «روساتوم »، إلى أن هناك حاجة لساح نووي بقوة 3 ميغاطن لتدمير كويكب بعرض 200 متر.
تبدو الطريقة النووية أكثر صرامة من طريقة «مسبار التصادم »، حيث يتم ضرب الكويكب بالسفينة الفضائية قبل الهجوم المتوقع لتغيير مساره الواضح والأرضي، ويتمتع بدعم واسع من جميع وكالات الفضاء المشاركة في هذا الحقل. وقال عالم الفيزياء الفلكية ديفيد ديربورن، وهو المرجع العالمي الأبرز في موضوع الكويكبات التي تهدد الأرض وباحث في الولايات المتحدة الأمريكية في مختبر لورانس ليفرمور الوطني منذ عام « :1983 إذا كان الكويكب صغيراً بما يكفي، واكتشفناه في وقت مبكر بما فيه الكفاية، يمكن أن نتجنبه بالتصادم. إن مسبار التصادم ليس مرناً مثل الخيار النووي، عندما نريد تغيير سرعة الجسم بسرعة ».
ينطوي عمل ديربورن على تصميم واختبار كل من المتفجرات النووية والتقليدية، ويقود فريقاً يعاين أثر انفجار نووي في مسار جسم في الفضاء. وأضاف: «في حالة الطوارئ، يجب أن نعرف أنها متوافرة، ويجب أن يكون لدينا فكرة عن كيفية استخدامها بشكل صحيح ». وهو يقف إلى جانب الانحراف النووي باعتباره الحل الأمثل، قائاً: «إنها الطريقة الوحيدة التي تعمل على الأجسام الكبيرة (1000 متر)، أو إذا كان وقت الاكتشاف متأخراً بما فيه الكفاية بحيث لا يكفي تغيير السرعة الصغيرة ».
بعد مرور أكثر من قرن على حادثة نهر تونغوسكا، أصبح الآن من المقبول عالمياً أن يكون نظام الدفاع الكوكبي أو نظام التوزيع العام ذا أهمية قصوى لمنع الدمار الكارثي وفقدان الأرواح، بل وإنقاذ الجنس البشري من الانقراض.
"إذا كان الكويكب صغيراً بما يكفي،
واكتشفناه في وقت مبكر بما فيه
الكفاية، يمكن أن نتجنبه بالتصادم.
إن مسبار التصادم ليس مرناً مثل
الخيار النووي، عندما نريد
تغيير سرعة الجسم بسرعة".
ديفيد ديبورن،- عالم الفيزياء الفلكية
خلص تقرير «الدفاع الكوكبي » إلى أن: «المسألة ليست محصورة في تكهنات، لكن عندما يتم الكشف بشكل فعلي عن كويكب أو مذنب فجأة كتهديد، فإنه يتسبب في حالة من الفوضى والهلع العالميين، ويُعرض البشرية كلها للخطر. والسؤال الواضح إذن هو: هل يمتلك قادة اليوم القناعة نفسها، تجاه الحفاظ على الجنس البشري؟ وهل هم على استعداد للاستثمار في نظام التوزيع العام باعتباره سياسة ضمان صحي لكوكب الأرض؟».
في يونيو 2018 ، حذر المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، من أن أمريكا لاتزال غير مستعدة للتعامل مع اصطدام الكويكبات، لكنها طورت وأصدرت «خطة عمل استراتيجية تأهباً للأجسام القريبة من الأرض » للتحضير بشكل أفضل.
الخطة عبارة عن خريطة طريق شاملة لنهج مشترك لتطوير تكنولوجيات وسياسات وممارسات وإجراءات فعالة لتقليل التعرض الأمريكي والعالمي لتأثيرات الأجسام القريبة من الأرض. وخلصت الخطة إلى أنه عند تنفيذها «ستعمل على تحسين الكشف والأبحاث وتخطيط المهام والاستعداد للطوارئ والاستجابة لها، والمشاركة المحلية والدولية. وسيؤدي تنفيذ خطة عمل الأجسام القريبة من الأرض إلى زيادة قدرة الولايات المتحدة واستعدادها، مع الشركاء المحليين والدوليين، للتخفيف من أثر الخطر الذي تشكله الأجسام القريبة من الأرض».