نجيب محفوظ.. روائي عالمي بنكهة محلية
يعدّ نجيب محفوظ، أول كاتب عربي يفوز بجائزة نوبل في الأدب، ولا يزال تأثيره واضحاً في الكثير من الكتّاب والقراء العرب حتى يومنا هذا.
قال الروائي نجيب محفوظ ذات مرة: «يمكنك معرفة ما إذا كان الرجل ذكياً من خلال إجاباته، ويمكنك معرفة ما إذا كان الرجل حكيماً من خلال أسئلته .» طوال مسيرته المهنية التي امتدت على مدى 70 عاماً، والتي شملت عشرات الروايات والقصص القصيرة والأفلام والمسرحيات، طرح المؤلف المصري الشهير أسئلة حول الدين والسياسة وأدوار الجنسين والقومية، وسعى إلى الحصول على إجابات في الأحداث اليومية التي عاشها في القاهرة. اليوم، لا يوجد نقاش حول أن محفوظ - أول كاتب عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب - كان ذكياً وحكيماً للغاية.
كان محفوظ الأصغر من بين سبعة إخوة له، ولد عام 1911 لعائلة مسلمة محافظة، وأمضى سنواته الأولى في «الجمالية »، وهو حي يعود بناؤه لقرون في القاهرة. تشكل الأزقة والشخصيات الصاخبة في هذا الحي - وردّ فعل محفوظ على الاضطرابات الاجتماعية في بلاده، بما في ذلك الثورة المصرية ضد الحكم البريطاني في عام 1919 ، العمود الفقري لقصصه.
كان محفوظ قارئاً نهماً منذ سن مبكرة، واتضح تأثره الأدبي بالعديد من المؤلفين المصريين مثل: حافظ نجيب، وطه حسين، وسلامة موسى، وعظماء أوروبيين مثل تولستوي، ودوستويفسكي، وتشيخوف، وبروست، وكافكا، وجويس، وفولكنر، وشو. ومع تصويره المباشر للحياة في العاصمة المصرية، وصفه النقاد بأنه «ديكنز القاهرة »، حيث قالت مجلة «نيوزويك :» «إن الأزقة، والمنازل، والقصور والمساجد، والأشخاص الذين يعيشون فيها، يتم استحضارهم بشكل واضح في عمل محفوظ بالطريقة التي استحضر فيها ديكنز شوارع لندن».
وقال محفوظ في إحدى المقابلات للصحفي جاي باريني من صحيفة «ذا غارديان « :» لقد قرأت الكثير من الروايات الأوروبية عندما كنت شاباً، وواصلت قراءتها. يجب أن يقرأ الكاتب. كان ديكنز، بطبيعة الحال، مهماً بشكل خاص بالنسبة لي »، وأضاف: «العالم ينكسر أمامك في كتبه بنورها وظلامها. فكل شيء يوجد فيها ».
بدأ محفوظ الكتابة في المدرسة الابتدائية، لكن لم يكن له ظهور حتى إكماله دراسته في الفلسفة، حيث بدأ العمل موظفاً حكومياً في أثناء تشكل مسيرته الأدبية. عمل محفوظ في وزارات مختلفة مع الأيام، بما في ذلك في منصب مدير الرقابة في مكتب الفن، ومستشاراً لوزارة الثقافة، قبل أن يعود إلى المنزل للكتابة في المساء، وهي ممارسة استمرت حتى تقاعده من الخدمة المدنية في عام 1971 .
وقال لمجلة «باريس ريفيو » في عام « :1992 كنت دائماً موظفاً حكومياً. لم أحصل على أي أموال من كتابتي حتى وقت متأخر. قمت بنشر نحو 80 قصة مقابل لا شيء. على العكس، لقد صرفت أموالاً على الأدب - على الكتب والورق ».
لكن هذه الحياة المزدوجة لم تفعل شيئاً لإعاقة إنتاج محفوظ. في عام 1939 ، نشر كتاب «عبث الأقدار »، وهو الأول في سلسلة مكونة من 30 رواية تاريخية، تبعه «رادوبيس » و «كفاح طيبة » عامي 1943 و 1944 على التوالي، قبل أن يتخلى عن الماضي لصالح الحاضر، ليحول تركيزه إلى النسيج الاجتماعي والسياسي لمدينة القاهرة المعاصرة. على مدى العقود الأربعة التالية، خطّ الكاتب المصري المتميّز 34 رواية، و 350 قصة قصيرة، و 25 سيناريو. وقد تم تحويل 30 رواية أخرى من أعماله إلى أفلام.
قالت الروائية المصرية أهداف سويف: «كان محفوظ ذا تأثير كبير في الأدب العربي. كان أعظم روائي حيّ لمدة طويلة جداً. محفوظ كان مبتكراً في استخدام اللغة العربية. لقد جسّد التطور الكامل للرواية العربية بدءاً بالروايات التاريخية في أواخر الأربعينات من القرن الماضي من خلال الواقعية، والتجريبية وما إلى ذلك ».
«لقد فاز العالم العربي أيضاً بجائزة
نوبل. أعتقد أن الأبواب الدولية قد
فتحت، وأنه من الآن فصاعداً، سوف
ينظر الأشخاص الذين يعرفون
القراءة والكتابة إلى الأدب العربي
أيضاً. نحن نستحق هذا الاعتراف ..»
نجيب محفوظ
اليوم، يتذكره القرّاء كثيراً ب «ثلاثية القاهرة » ) 1957-1956 (، التي تتخذ من حي «الجمالية » مكاناً للأحداث، وقد استخدم اسم شوارع حقيقية من طفولته )بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية(. تصور الروائع الثلاث الثروات المتغيرة في القاهرة من خلال عدسة عائلة واحدة، ابتداء من عام 1919 ، عام الثورة المصرية. وانتهاء بعام 1944 ، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها. وقال الدكتور رشيد العناني، أستاذ الأدب العربي والمقارن: «إن ثلاثية القاهرة تتعامل مع الحالة الإنسانية على نطاق واسع. فكل عاطفة وحالة إنسانية موجودة فيها، أياً كان نوع شخصيتك، مهما كانت تجربة حياتك، سيكون هناك شيء لتقوله لك ». كانت عالمية موضوعاته هي التي استحوذت على اهتمام الأكاديمية السويدية. أثناء منحه جائزة نوبل في الأدب عام 1988 ، قال البروفيسور ستور ألين: «إن عملك الغني والمعقد يدعونا لإعادة النظر في الأمور الأساسية في الحياة. ويمكن الشعور بالجودة الشعرية لنثرك عبر حاجز اللغة.. حيث شكّلت فناً عربياً روائياً ينطبق على جميع البشر».
بعد وقت قصير من تسلُّم الجائزة، قال محفوظ: «لقد فاز العالم العربي أيضاً بجائزة نوبل. أعتقد أن الأبواب الدولية قد فتحت، وأنه من الآن فصاعداً، سوف ينظر الأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة إلى الأدب العربي أيضاً. نحن نستحق هذا الاعتراف ». قبل الفوز بالجائزة، ظهرت فقط حفنة من روايات محفوظ في الغرب. اليوم، تم نشر أعمال محفوظ في أكثر من 600 طبعة و 40 لغة. ومما أَضافه محفوظ: «لقد منحتني جائزة نوبل، لأول مرة في حياتي، شعوراً بأن أدبي يمكن تقديره على المستوى الدولي. أحد التأثيرات التي يبدو أن جائزة نوبل فرضتها هي أن المزيد من الأعمال الأدبية العربية ترجمت إلى لغات أخرى».
بعد ست سنوات، تعرّض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، وطُعن في عنقه على يد شابَّيْن. منذ ذلك الحين، لم يستطيع أن يمسك قلماً لأكثر من بضع دقائق في اليوم، وعلى الرغم من أنه استمر في إملاء أعماله، فقد تباطأ أداؤه.
نشرت له سلسلة من القصص عن الحياة الآخرة، في عام 2005 . وقال محفوظ عنها لوكالة «أسوشيتد برس » في ديسمبر عام « :2005 لقد كتبت السماء السابعة لأنني أريد أن أؤمن أن شيئاً جيداً سيحدث لي بعد الموت »، في وقت لاحق، في أغسطس 2006 ، توفي محفوظ. عند رحيله، وصفه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بأنه «علم من أعلام الفكر والثقاف ة ، وروائي فذ ، ومفكر مستنير، وقلم مبدع ، وكاتب خرج بالثقافة العربية وآدابها إلى العالمية».
والآن، بعد مرور 12 سنة على رحيله، يتحدث إلينا نجيب محفوظ مرة أخرى. ففي العام الماضي، اكتشف الناقد المصري محمد شعير صندوقاً من المخطوطات غير المنشورة في منزل ابنة محفوظ، وتم نشر 18 منها في مجموعة بعنوان «همس النجوم ». وقالت دار الساقي للنشر عنها: «نحن سعداء للغاية بأن نقدم لقرّائنا تلك المجموعة القصصية، فهذا الاكتشاف الذي لا يُقدّر بثمن خبر رائع لعشاق أحد أكثر الروائيين المحبوبين في العالم».
متحف نوبل 2019
تحت عنوان «عوالم مشتركة »، يحتفي متحف نوبل الذي تنظمه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في هذا العام بجائزة نوبل للأدب. ويركز على عمل حائزي جائزة نوبل في الأدب، ويضم معرضاً تفاعلياً يناسب جميع الأعمار. يستمر المعرض من 3 فبراير إلى 1 مارس في «لا مير » إحدى الوجهات السياحية الفريدة في دبي.