اقتصاد المعرفة ثروة الأمم وسلاح الازدهار
يعتمد على الابتكار والريادة بينما يركز التقليدي منه على الموارد الشحيحة
هناك اختلاف أساسي بين تعريف الاقتصاد التقليدي واقتصاد المعرفة، فحين تتم دراسة علم الاقتصاد يركز الباحثون على الموارد الشحيحة، وآلية استخدام المجتمعات لها وتوزيعها. ويتم التفكير في طرق جديدة خاصة. بينما في اقتصاد المعرفة، نستطيع أن نحصد الكثير إذا استخدمنا المعرفة، يعتمد على الابتكار والريادة ولا يركز على التقليد في دبي. وهذا ما تناولته جلسة قمة المعرفة في دورة العام 2018 ، والتي استضافت كلاً من الأستاذ الدكتور بوريس سايزلج، رئيس مجلس إدارة شبكة اقتصاد المعرفة، والسيد/آدم جرينفيلد، مؤسس شركة Urbanscale، والدكتور رائد صفدي، كبير الاستشاريين الاقتصاديين بدائرة التنمية الاقتصادية في دبي.
آدم جرينفيلد لم يرتضِ أن يضيف المعرفة إلى الاقتصاد في عصرنا الحالي، وأعاد ذلك إلى سبب رئيس وهو أن اعتقاده أنه لم يعد ثمة صناعة تعمل دون نوع من الذكاء، وهو لا يعتقد أن هناك أي نشاط اقتصادي في العالم يستطيع أن يستمر دون أن يكون الجانب المعرفي (أو ما نسميه اقتصاد المعرفة) أحد مكوناته.
المهارات الناعمة
وفي معرض حديثه عن المهارات الناعمة ومستقبل الأجيال القادمة، لفت جرينفيلد إلى مهارات التفكير النقدي، وإلى المرونة في قابلية تطبيق التفكير النقدي على أفكارنا؛ إذ أوضح أن هذا أمر ضروري، ونحن في حاجة إلى تعلم وتفهم آلية فعل ذلك، وآلية تقبل النقد.
وقال آدم جرينفيلد: أعتقد أننا سوف نتجه إلى مشكلة معاملة المعرفة بمفهومها الجامد؛ حيث إن المعرفة ذاتها مكونة من شقّين: معرفة مكتسبة ناتجة عن التفاعل البشري مع بيئته، ومعرفة متوطنة حرفياً داخلنا، وهو أمر موجود في العالم الفعلي والواقعي. وحين نفكر في أننا نستطيع إخراج هذه المعرفة من سياقها؛ لنعاملها كأمر جامد يمكن تحويله إلى تشفير إلكتروني لنقله إلى أماكن مختلفة وبيئات مختلفة، حين نفكر في ذلك فإننا نواجه خطر سوء الفهم العميق للمعرفة. مؤكداً ضرورة تطوير جيل من التكنولوجيا الاجتماعية لنضمن أن قلب وقالب التكنولوجيا المتقدمة للغاية - من الخوارزميات وتعلم الآلات - يُصَمَّم بطريقة صديقة للبشر.
المعرفة ركن الصناعة وأي
نشاط اقتصادي لا يمكن أن
يستمر بدون الجانب المعرفي
التوازن والعدالة
ويرى آدم جرينفيلد أن الطريقة التي يُنظر بها إلى مفهوم ريادة الأعمال - في الغالب - محدودة جداً؛ ففكرة أن على الجميع أن يبدؤوا إنشاء شركة أو يعرفوا البرمجة أو كيف يكون لديهم شبكة اجتماعية أمر مأساوي، وعلينا أن نوضح هذا الأمر، هناك قيم أخرى مرتبطة بالتوازن والعدالة والجمال ولا ترتبط بالاستفادة المالية من كل شيء، وهذا الذي وجدناه في أدبيات ريادة الأعمال.
أما عن السبب في عدم استخدام آدم لمصطلح ريادة الأعمال، فهو أنه عادة ما يختلط بسهولة بهذه الهُويَّة المحدودة؛ وهو يعتقد أن الجانب الأكبر من فهم الشباب لمصطلح «ريادة الأعمال » لا يعبر عن كثير من الأمور الرائعة التي نشير إليها مثل مسألة الإبداع، والابتكار لدى البشر.
بوريس سايزلج
رئيس مجلس إدارة شبكة اقتصاد المعرفة، وكبير مستشاري مركز الابتكارات في سلوفينيا. حاز درجة الماجستير في دراسات التنمية من «معهد الدراسات الاجتماعية »، والدكتوراه في عمليات التكامل الإقليمي بين الدول النامية، وهو مؤسس ومدير مركز الأبحاث حول البلدان النامية، كما عمل عميداً بكلية دوبا لإدارة الأعمال.
أما الإبداع فإنه برأيه أمر مفيد من الناحية الاقتصادية، لكن الأمور التي تضيف معنى وسياقاً إلى حياتنا في الغالب ليس لها قيمة اقتصادية، فهناك أمور مرتبطة باللحظات الإنسانية، وإذا لم نبدأ من هذا الفهم أعتقد أننا سنترك شيئاً في غاية الأهمية خارج المعادلة البشرية.
عملية متكاملة
الأستاذ الدكتور بوريس سايزلج يتفق مع جرينفيلد بأنه ليس هناك اقتصاد في العالم يمكن أن نسميه اقتصاداً معرفيّاً بنسبة 100 %، وليس هناك اقتصاد لا يعتمد على المعرفة مطلقاً، فهي عملية متكاملة ويرى أن اقتصاد المعرفة ينبغي أن يؤسس له من مراحل الدراسة الأولى، وأنه لا يمكن أن نتحدث عن اقتصاد معرفة ناجح إلا بالحديث عن مخرجات تعليمية ابتكارية، ومن هذا المنطلق يبين أن هناك دولاً كثيرة حول العالم لا تزال عاجزة عن إعادة جدولة وتحديث المنظومة التعلمية بالكامل، وحين نتحدث عن مرحلة ما بعد التعليم الثانوي، فا بد من أن يتحول التركيز تجاه المهارات الناعمة، أي القدرات الخاصة بالعمل ضمن فريق، والعقلية النقدية، وما شابه ذلك.
آدم جرينفيلد
مؤسس شركة Urbanscale وكاتب أمريكي ومهندس متخصِّص في التخطيط العمراني، ترأس هندسة المعلومات في شركة رازورفيش في طوكيو، وعمل مدير إخراج التصاميم المتعلقة بالخدمات وواجهة المستخدم في مقر شركة نوكيا في هلسنكي، من أشهر مؤلفاته «عصر بزوغ الحوسبة في كل مكان »، و «التقنيات الجذرية: تصميم الحياة اليومية».
ثقافة الريادة
وعن ريادة الأعمال الناجحة التي تنطلق بالمجتمعات نحو الحياة الأفضل، ركز الدكتور بوريس سايزلج على ضرورة تعليم الأطفال ثقافة ريادة الأعمال، حتى في التعليم الرسمي؛ حيث لا بد من غرسها في المناهج، فإذا عرّفنا الأطفال ثقافة تطوير ريادة الأعمال المسؤولة من سن مبكرة سيكون لدينا طريق ممهد نحو اقتصاد المعرفة. ولا يربط بوريس ريادة الأعمال بشروط وبروتوكولات تقيد الأفكار الإبداعية فيها، ومن هذا المنطلق يقول: ريادة الأعمال ترتبط عندي بصناعة توجه يرتبط بوجود منهجية ابتكارية، ويستطيع الشخص أن يصبح رائداً للأعمال دون أن يفتح شركة؛ فيمكن أن يكون رائداً للأعمال في مجال آخر، أو في شركة أخرى، أو في مؤسسة غير حكومية، أو أن يكون رائداً للأعمال في أسرته.
رائد صفدي
كبير الاستشاريين الاقتصاديين بدائرة التنمية الاقتصادية في دبي. ترأّس فريق الخبراء المكلف بتنفيذ خطة دبي
الاستراتيجية 2015 نحو تحقيق التنوع والنمو المستدام في دبي، وهو خبير بارز في اقتصاديات التنمية. حاز الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج تاون، وعمل بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD والبنك الدولي.
مكونات بشرية متفوقة
الذكاء والقدرة الإدراكية وطرق تعبير الأفراد عن أنفسهم وتواصل بعضهم ببعض والمشاعر وما إلى ذلك، كل ذلك مكونات بشرية يعتقد سايزلج أنها تجعل الذكاء الاصطناعي آمناً، لأنه أداة فحسب، ولا يمكن أن يحل محل تلك المكونات البشرية. وأننا كبشر إن نحن نظمنا أنفسنا، وتعاملنا بأسلوب مناسب في المجتمع معه، سيساعدنا ذلك على أن نصبح أفضل من السابق، وعلى أن نعزز مبادئ الوحدة والتضامن الاجتماعي أكثر وأكثر.
ويختم الدكتور بوريس سايزلج بالقول: هل تعرفون من الذي يقود التغيير على مر التاريخ؟ إنهم الشباب، فنحن نعيش في وقت يمكنكم فيه توصيل آرائكم إلى الحكومات والسلطات بصورة تتخطى ما كانت عليه في الماضي، وهذا أمر لا يتم استخدامه بالصورة المطلوبة.
صنع المستقبل
«لا نستطيع توقع المستقبل، لكن نستطيع أن نخلق المستقبل؛ بأن نبدأ اليوم، ولنبدأ دائماً بالتعليم ». بهذه العبارة بدأ الدكتور رائد الصفدي حديثه، إذ رأى أننا إن نظرنا إلى استراتيجية الابتكار فسنجد التعليم يتربع على قمة قطاعاتها السبعة، ثم الطاقة والمياه والتكنولوجيا والنقل. من هنا علينا أن نخلق نظاماً ومجتمعاً وثقافة ونظاماً تشريعيّاً، في إطار منظومة متكاملة تعمل كلها كمنصة موحدة؛ حتى تستوطن المعرفة مجتمعنا.
وحول اقتصاد المعرفة وتنميته في المجتمع يوضح الدكتور الصفدي أنه لا بد أن يكون هناك نظام بيئي يناسب نظام اقتصاد المعرفة، وهذه مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، وتبدأ بنشر ثقافة المعرفة، وهذا عنصر مهم جدّاً لخلق اقتصاد معرفي.
فرص لا تحديات
ولا يؤيد الدكتور الصفدي أن يطلق اسم التحديات، بل هو يفضل مصطلح الفرص، التي تستدعي من صناع المستقبل ومتخصصي اقتصاد المعرفة أن يبتكروا منتجات جديدة لمواجهة كل ما يطلق عليه اسم التحديات، ومن هنا فإننا إن نظرنا إلى كل تحدٍّ على أنه فرصة لابتكار شيء أفضل، رأينا أن التحديات إيجابية ومثمرة. ولعل الدكتور رائد الصفدي متأثر في هذا بالنهج التي قامت عليه دبي في تحويل كل الفرص إلى تحديات. ومن هذا المنطلق يقول: حين تكون في دبي، انظر إلى البنية التحتية التي لا يضاهيها شيء فيما يتعلق بالاتصالات، سواء على الجانب الرقمي أو على جانب البناء، وانظر إلى البنية التحتية الناعمة المتعلقة بالإطار التشريعي الذي يتلقى أفكاركم ويطبقها إذا كانت جيدة وتتبع الاستراتيجية الحكومية. لن تجد في أي مكان آخر حول العالم مثل هذه القدرة على التواصل مع القادة، وهذه المشاركة التي تستجيب للفرص إذا كانت متناغمة مع الخطة الاستراتيجية.