هند المعلا: تعليم المستقبل يرتكز على الإبداع والمرونة والمحبة
أكدت أن الذكاء الاصطناعي يتوافق مع «الرعاية الإنسانية »
في إطار سعينا لجعل «مجلة ومضات » مرجعاً معرفياً يستوعب مجالات المعارف، ويستشرف آفاق المستقبل، ويضع القارئ العربي على أحداث تطورات عالم المعرفة، ولما كان عام الاستعداد للخمسين من أهم مصادر الاستشراف الحكومية التي تشهد بريادة دولة الإمارات العربية المتحدة على الصُّعد كافة، فإننا نستعرض في مجلة ومضات في كل عدد آفاق الاستشراف في القطاعات التي وجَّهت قيادة الإمارات الرشيدة الأفراد والمؤسَّسات للإسهام في وضع تصوراتها وخططها.
وحيث إنَّ قطاع التعليم هو من أهم القطاعات التي تعد الإمارات رائداً عالمياً فيها، فقد توجهنا إلى سعادة هند المعلا، رئيسة الإبداع والسعادة والابتكار في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، للحديث حول آفاق التطورات التي ترونها لقطاع التعليم على مستوى دولة الإمارات عموماً وإمارة دبي على وجه الخصوص، والتي أكدت أنَّ التعليم في المستقبل سيتخذ من حل المشكلات، والعمل بروح الفريق سبيلاً له، إضافة إلى الإبداع، والمرونة، والشعور بالتعاطف، والعطف، والمحبة، وسوف يساعد المعلمون طلابهم على الشعور بالارتباط بعالمهم. وأكدت أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكن أن يخلق مجتمعاً تقنياً متطوراً ولكنه لا يمكن أن يسدي الحنان والرعاية إلى أبنائنا. وغير ذلك من النقاط المهمة التي نتعرض لها في هذا الحوار.
يمكن للتكنولوجيا القيام
بأشياء كثيرة ولكنها تبقى
"بغير قلب" فلا يمكن أن تقدم
الرعاية لأبنائنا
* ما تقييمكم للوضع الحالي للتعليم في دبي؟ وكيف تنظرون إلى ما تمَّ إنجازه على مستوى التعليم الخاص في إمارة دبي؟
- عملت هيئة المعرفة والتنمية البشرية على إعداد مخطط للمشهد التعليمي في الإمارة، الذي يبين الوضع الحالي للتعليم، حيث اختلف مشهد التعليم الخاص هذا العام نتيجة الاختلاف الكبير في الظروف الراهنة.
يمكن الاطلاع على مخطط المشهد التعليمي في الإمارة عبر الرابط التالي:
https://www.khda.gov.ae/ar/publications/ article?id=10264
ذكاء بلا قلب
* هل وصل التعليم إلى المستوى المأمول الذي يؤهل الطالب لدخول عصر الثورة الصناعية الرابعة بجدارة؟
- لقد أحدثت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تغييرات فعلية بالعديد من القطاعات، كالتصنيع، والخدمات المصرفية، والنقل، ولا شك في أنَّ التغيير سوف يَطال قطاع التعليم أيضاً. لقد غيّرت هذه التكنولوجيا أسلوب حياتنا، متى؟ وأين؟ وكيف نعمل؟ ونظرتنا إلى أوقات فراغنا أيضًا، وسوف تغيّر بنائية المدارس والتعليم، وهذا أمر يستحق الترحيب به، وليس الخوف منه.
سوف تتمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من القيام بأشياء كثيرة، ولكن هناك شيء واحد لن تستطيع القيام به، إنه "الرعاية". تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليس لديها "قلب إنسان"، وقد تخضع التكنولوجيا لثورة، لكن التدريس سيعيش "نهضة"، وسيؤدي ذلك إلى إعادة التدريس إلى ما كان عليه في السابق، حيث التواصل من القلب أولاً.
لقد أظهرت نتائج الدورة الرابعة على التوالي من المسح الشامل لجودة حياة الطلبة في دبي والذي نفذته الهيئة خلال شهر نوفمبر من العام الماضي، أن نحو 70 في المئة من طلبة الصفوف من السادس إلى التاسع في المدارس الخاصة بدبي يرتبطون بعلاقات قوية مع معلميهم بزيادة بلغت 11 في المئة مقارنة بنتائج الدورة السابقة من المسح في عام 2019 م. وقال نحو 65 في المئة من طلبة الصفوف من العاشر إلى الثاني عشر بأنهم يرتبطون بعلاقات قوية مع معلميهم، بزيادة بلغت 8 في المئة مقارنة بالدورة ذاتها.
وشارك في هذا المسح 102 ألف و 854 طالباً وطالبة من الصف السادس إلى الصف الثاني عشر، أو ما يعادلها بالمناهج التعليمية الأخرى المطبقة في جميع المدارس المؤهلة وعددها 189 مدرسة خاصة بدبي، وبنسبة مشاركة للطلبة بلغت نحو 83 %.
في المستقبل، سيركز عمل المعلمين على المهارات والقيم التي تثري قلوبنا. المهارات والقيم مثل: حل المشكلات، والعمل بروح الفريق، والإبداع، والمرونة، والشعور بالتعاطف، والعطف، والمحبة. وسوف يساعد المعلمون طلابهم على الشعور بالارتباط بعالمهم، والشعور بأنهم متواصلون مع بعضهم البعض، والشعور بأنهم محبوبون. سيصبح المعلمون مدرِّبين، ومرشدين لطلبتهم وأصدقاء لهم، فالمعلمون ليسوا «معلمين » فقط، لأنهم أيضاً «متعلِّمون».
لقد أثبتت دولتنا أنها دائماً جاهزة ومستعدة، لم تتغير أي دولة في العالم خلال الخمسين سنة الماضية أكثر من دولة الإمارات العربية المتحدة، وسنواصل صنع هذا التغيير في التعليم أيضاً. لأنها ليست بداية الثورة الصناعية الرابعة، إنها أيضاً بداية النهضة التعليمية الأولى.
تجربة مستقبلية
* انطلاقاً من دعوة قيادة الإمارات الرشيدة الأفراد والمؤسَّسات إلى وضع تصوّراتهم حول طموحات الخمسين عامًا القادمة، وانطلاقاً من خبرتكم العميقة في حقل التعليم، كيف يمكن تعزيز تنافسية التعليم في إمارة دبي على المستويين الإقليمي والدولي؟
- بالنظر إلى مشهد التعليم الخاص في دبي، والتي يتسم بتنوع فريد من نوعه في مختلف مراحله وأشكاله وأنواعه، إضافة إلى التنوع في الجنسيات والثقافات التي تنخرط في هذه المنظومة، وفي ظل الدعم اللامحدود الذي توليه القيادة الرشيدة لاستشراف المستقبل، فإننا نعمل في الهيئة مع شركائنا المحليين والدوليين من أجل صنع التجربة المستقبلية في التعليم إقليمياً ودولياً، والتي تعزز من تنافسية المنظومة بشكل عام وخريجي دبي بشكل خاص.
نتطلع ليصبح المعلمون مرشدين
لطلبتهم وأصدقاء لهم،
فالمعلمون ليسوا «معلمين »
فقط بل هم متعلِّمون أيضاً
* إنَّ التوجُّه نحو أدوات التعلُّم عن بُعد أصبح ضرورة في الوقت الراهن، كما ينظر إليه الكثيرين باعتباره أحد النماذج التعليمية المستقبلية، كيف ترون مستقبل التعليم عن بُعد؟
- لا شك أن الظروف الاستثنائية التي فرضت تطبيق التعليم عن بُعد العام الدراسي الماضي قد أوجدت فرصاً جديدة في قطاع التعليم، إذ فتح التعليم عن بُعد المجال أمام المؤسسات التعليمية بشكل عام والمدارس بشكل خاص لتطوير وسائل جديدة للتعليم بمشاركة المعلمين والطلبة وأولياء الأمور.
إن التجربة الجديدة للتعليم عن بُعد أوجدت فرصاً لتعزيز المرونة والاستجابة للتغيير في المؤسسات التعليمية من خلال التركيز على الأولويات التي تضمن استمرارية تعلم الطلبة، كما أوجدت فرصة أمام المعلمين لتعلم طرق مختلفة في أساليب التدريس والتعلم، ولبناء شبكات التعاون لتبادل الممارسات الناجحة في مدارس دبي، إضافة إلى مساعدة الطلبة على تحمل المسؤولية بدرجة أكبر في عملية التعلم، بما يجعلهم أكثر استقلالية، وأكثر دراية بأساليب التعلم الخاصة بهم.
إن المعيار المهم في المستقبل هو ضمان بلوغ جودة حياة الطلبة في رحلتهم التعليمية بصرف النظر عن النموذج التعليمي المطبق. ومن هذا المنطلق، فإن أية أطر تشريعية مستقبلية تتطلب الأخذ بعين الاعتبار عناصر جودة الحياة للطلبة والمجتمع التعليمي في ظل عالم متغير بوتيرة متسارعة.
نماذج المستقبل
* استشراف المستقبل في قطاع التعليم بات أولوية ونهجاً من خلال طرح التصوُّرات المستقبلية عن واقع التعليم وأهمية تطويره والجوانب التي يتطلَّبها ليكون قادراً على التنافسية.. ما الأنشطة والمبادرات التي تتطلعون إلى تحقيقها ليتمكَّن الطلاب من الولوج في أسواق العمل المستقبلية؟
- لقد غيرت الظروف الاستثنائية - والتي نادراً ما تتكرر في حياتنا- من شكل المدارس، وهذا ما نلمسه جميعاً العام الدراسي الحالي، كما منحتنا هذه الظروف الفرصة لإعادة تشكيل التعلم وابتكار نماذج تعليمية جديدة تواكب المستقبل. لا يمكن لأي منا أن يتخيل كيف سيكون المستقبل، لكننا وإذ نحاول أن نتحرر من أية قيود لنتخيل شكل الحياة بعد خمسين عاماً، فكل شيء سيتغير بالتأكيد، بما في ذلك نوعية وطبيعة وظيفة المعلم ودوره، والطريقة التي نتعلم من خلالها، المهم هنا ليس حجم التغيير وإنما سرعته وكيفية استجابتنا له.
ستقدم التكنولوجيا الكثير من المساهمات العظيمة هنا، لكننا سنحتاج أكثر إلى تعزيز القيم الإنسانية في منظومتنا التعليمية، وهنا تبرز أهمية الانتباه أكثر -كما ذكرت سالفاً- إلى جودة حياة الطلبة والمعلمين والمجتمع بأكمله، وهذا ما نعمل عليه في الوقت الحالي من حزمة من المبادرات المتنوعة التي تستهدف الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور والمؤسسات التعليمية. في الختام، فإن النقطة الجوهرية هنا - من وجهة نظري- بأنه إذا كان كل شيء من حولنا سيتغير في المستقبل، فإن السؤال الحقيقي الذي أعتقد بأن المستقبل يكمن في الإجابة عنه هو: ماذا نريد للإنسان؟