شرارات في الظلام
شرارات في الظلام: دروس، وأفكار واستراتيجيات لإنارة دواخلنا جميعاً بالقراءة والكتابة
ترافيس كراودر وتود نيسلوني (دايف بورغس كونسلتنغ)
في كتابهما «شرارات في الظلام »، يقدم ترافيس كراودر وتود نيسلوني مقاربة جديدة لعملية القراءة والكتابة عبر الابتعاد عن التقاليد، ودفع غرفة الصف لتكون أكثر انفتاحاً أمام الاختيار، الشغف والأصالة.
للكلمات أهميتها! إنها، باختصار، الفكرة الرئيسة في كتاب «شرارات في الظلام.. دروس وأفكار واستراتيجيات لإنارة دواخلنا جميعاً بالقراءة والكتابة". للكتب القدرة على تشكيل طريقة تفكيرنا؛ وللقصص.. قراءتها، كتابتها ومشاركتها القدرة على تغيير منظورنا للعالم والأشخاص الذين نقابلهم. لسوء الحظ، فإن بعض الأنظمة والمناهج التعليمية موجهة نحو جعل القراءة والكتابة عملاً روتينياً أكثر من غرس حب الكتب عميقاً في التلاميذ والطلاب.
في كتاب «شرارات في الظلام »، يشارك ترافيس كراودر وتود نيسلوني تجربتهما كمعلّمين يبحثان بشكل هادف عن إثارة حب القراءة والكتابة في المتعلمين الذين يقومان بتدريسهم. فما يبدأ كومضة أو شرارة أشعلها الشغف، يمكن أن تصبح شعاعاً أو حتى منارة. القراءة مهمة. الكتابة مهمة. التعليم مهم. وهذا يستوجب إعادة التفكير والابتعاد عن التقاليد القديمة وفتح المجال لغرفة الصف أمام الاختيار، والشغف والأصالة.
«يمكن أن يطلب من الطلاب قراءة نصوص محددة أو كتابة مواضيع بعينها، لكن إذا لم يكونوا راغبين في ذلك ومنسجمين معه ومشاركين فيه، فلن يعدو كونه واجباً أكاديمياً. لتحويل الطلاب إلى قرَّاء وكُتَّاب دائمين، يتوجب علينا التنازل عن بعض التحكم والسماح للأطفال بحرية اختيار الكتب والمواضيع التي تهمهم»
أبرز ما في كتاب «شرارات في الظلام » هو الالتزام، الشغف والأصالة التي لدى الكاتبين. فهما يشاركان قصص نجاحهما وفشلهما التي تركز على أن التعليم هو رحلة باتجاهين لا نهاية لهما بين المعلمين والطلاب. وكما يشير كراودر، فإن «توجيهات جودة القراءة لا تبدأ بالأدب، إنها تبدأ بالطلاب».
من الواضح أن لدى الكاتبين المؤهلات والخبرة لتقديم أفكارهما. فنيسلوني مدير ومعلم أساسي في مدرسة «ويب » في نافاسوتا، تكساس. وسبق له ممارسة التعليم في المرحلتين الرابعة والخامسة لسبع سنوات. كما أنه حاز عام 2015 جائزة «بامي » السنوية لمدير السنة، وجائزة «بامي » عام 2014 لأفضل مدرّس للمرحلة الابتدائية، وجائزة TECA لمدرس العام في 2014 . إضافة إلى فوزه بجائزة بطل التغيير من البيت الأبيض، وتم إدراجه ضمن جائزة ) to Watch 20 ( التابعة لرابطة مجلس المدارس الوطنية. كما أنه كاتب حائز جوائز عن المشاركة في كتاب «الأطفال يستحقون »، وكتاب «شرارات في الظلام »، و «قصص من مدرسة ويب».
أما ترافيس كراودر فهو أستاذ اللغة الإنجليزية للمرحلة المتوسطة في مدرسة إيست ألكسندر المتوسطة في هيدنيت، كارولينا الشمالية، ودرّس لعشرة أعوام ويحمل خبرة التدريس في المستوى المتوسط والثانوي. يؤمن بأنَّ القراءة والكتابة هي روح الحياة التعليمية، وهو يسعى لمساعدة الطلاب وزملائه على بناء أسس راسخة للقراءة والكتابة. كما عمل كراودر مع المدرسين على تطوير مناهج ورش القراءة والكتابة في الصفوف.
يفتح صوت نيسلوني في هذا العمل نافذة على تفكير موجّه المدرسة المنغمس عميقاً في القيادة التعليمية، فيما يتحدث كراولر للقرَّاء بصوتِ معلم الصف الساعي لجعل التعليمات أصيلة وذات معنى لطلابه في المرحلة المتوسطة.
«عند كتابة هذا العمل، سعينا لتشجيع، وتحدي، وإلهام، وسؤال وتحويل تفكيركم فيما يتعلق بتعليمات القراءة والكتابة عموماً. نأمل أن نكون قد أظهرنا لكم لمحات من دواخلنا ومن صفوفنا ومدارسنا كأمثلة لما هو ممكن حقاً عندما تبدؤون بالاعتقاد بما كان ينظر له في السابق على أنه بعيد الاحتمال».
وعبر القصص والأمثلة الواقعية التي يسوقها الكاتبان فإنهما يسلطان الضوء على:
. . دمج المهارات القرائية في جميع المواضيع والمواد بطريقة جذابة ومحفزة.
. . تمكين التلاميذ والكادر التدريسي من السؤال واستكشاف الأسئلة الصعبة عن العالم.
. . تشجيع المتعلمين من جميع المستويات على قراءة الكتب التي تبدو صعبة.
. . اتخاذ المسؤولية في السعي لمشاركة المعرفة لصالح الجميع.
بغية تحقيق هذه الأهداف، يصرّ كراودر ونيسلوني على حاجة المدرسين إلى أن يكونوا نموذجاً يحتذى. «إذا كان هدفنا بناء قدرة طلابنا كقرَّاء وكُتَّاب، فإن من الواجب أن نشارك في عملية القراءة والكتابة أيضاً، في كل ما نفعله، في كل مادة نُدرِّسها، شعرية الحساب، استعارات العلوم، إنسانية التاريخ وأدب اللغة تجتمع كلها لإنتاج تجربة جميلة، الكل متحدون بالقراءة»
كما يدعو الكاتبان بحزم لفكرة أن يتجاوز التعليم مبادئ التدريس. «إنها مسؤوليتنا جميعاً أن نقدم لطلابنا التجربة التربوية التي تمكّنهم. القراءة والكتابة على قدر كبير من الأهمية اليوم في جميع الفصول الدراسية، حيث يتم إسكات ونقض وتغيير الحقائق. يحتاج الطلاب للقدرة على القراءة نقدياً والتواصل الفاعل بغية توسيع قصصهم، والشعور بالتحدي، والتساؤل واستلهام الكلمات والمعلومات المحيطة بهم».
يختتم كراورد ونيلسوني بالقول: «يحتاج الطلاب إلى أن يرونا كقرّاء. كما أنهم بحاجة لرؤيتنا ككتّاب. إنهم بحاجة لرؤية التعليم كعملية فوضوية وجدية ومليئة بالأخطاء والمثابرة، لكن المكافأة المتمثلة بقراءة كتاب مؤثّر أو كتابة حقّة هي لحظات ثمينة لا تعوض».
يتوهج شغف الكاتبين بإثراء جوانب القراءة والكتابة لدى الطلاب في كل كلمة من «شرارات في الظلام ». إنه نداء إلى حقيقة أن نمو الطلاب مرتبط بنمو معلميهم. يقدم كراودر ونيسلوني تدريبات ونشاطات للعمل عليها مع الطلاب ويظهران تأثير وسائلهم بأمثلة واقعية من غرفة الصف. هذا الكتاب جدير بالقراءة من المعلمين، والآباء والأمهات، وكل من يرى أنه لا يزال هناك مجال للتعلم والمشاركة والتطور كقرّاء وكتّاب.
الجنون في الحضارة
أندرو سكال (تيمز آند هدسون)
يقدم هذا الكتاب التاريخي الجميل سرداً منهجياً وساحراً لكيفية النظر إلى الجنون من الأزمنة القديمة إلى العصر الحديث. يصف عالم الاجتماع أندرو سكال كيف فُهم الجنون وتم التعامل معه في الصين القديمة، والهند والشرق الأوسط قبل التركيز على تطور الرؤى الأوروبية والأمريكية للمرض العقلي السائد اليوم في العالم.
وبالمنظور العام، أدّت فكرة الجنون كنوع من الاستحواذ الخارق للطبيعة في اليونان القديمة إلى فكرة أن عوامل مثل الكآبة والمسّ كانت تتموضع في الجسد. لكن خلال العصور الوسطى، سيطرت الفكرة الأولى المتمثلة في بحث المصابين عن العزاء في المزارات الدينية والطقوس الشعبية. في عصر التنوير، عادت فكرة أنه يمكن معالجة الجنون جسدياً إلى الظهور، لكنها جلبت معها فكرة «الحبس الكبير »، حيث كان يحتجز عدد كبير من الأشخاص في مصحّات، ما سبب لهم أضراراً هائلة. «لم تحترم الممارسات البربرية الحالة الاجتماعية. فقد عولج جنون الملك جورج الثالث بضربه بالسوط».
في الستينيات، غالباً ما اعتبر الجنون حالة هيكلية اجتماعية؛ ذريعة أتاحت للدولة احتجاز أولئك الذين لم يلتزموا بقوانينها ونظمها. يستبعد سكال هذه النظرية ك «هراء عاطفي »، مظهراً أن أعراضها؛ الوهم، والهلوسة، وإيذاء النفس، سجلت في المجتمعات الإنسانية كافة. لكنه يحاجج بأن أسباب الجنون لا تزال «غامضة » بشكل أساسي. ويبين أن الاعتقاد المبسّط السائد في أواخر القرن العشرين بأن المرض العقلي سببه اختلالات في كيمياء الدماغ هو في الغالب غير دقيق، بالنظر إلى أن المهدئات ومضادات الاكتئاب المستخدمة حالياً «ليست علاجات وإنما مسكنات »، كما أن لها غالباً آثاراً جانبية مؤذية. إذا كان هناك رسالة مضمّنة في دراسة سكال الجيدة، فقد تكون ميل الأطباء إلى أن «يثوروا من أجل نظرياتهم »، بحسب كلام دانيال بيك في «ليتراري ريفيو .» إنه يصف بعض الحالات الفردية والمكشوفة، مثل حالة الجرَّاح هنري كوتن في نيوجرسي، الذي اعتقد في سنوات الحرب بأن الجنون يسببه تعفن الدم، ما دفعه لاستئصال أعضاء داخلية كاملة من المرضى. لكن هناك بالتأكيد الكثير من العلاجات السائدة التي كانت وحشية، من التعليق والتجويع في القرن الثامن عشر وصولاً إلى الجراحات الدماغية التي تؤدي لعطب الدماغ في القرن العشرين. سكال راوٍ ماهر، وكتابه يتمتع بالبحث الجيد والتفاصيل الدقيقة والإشارة إلى الصورة الكاملة للموضوع. إنه جدير بالقراءة على نطاق واسع.
«أن تكون آلة »: مغامرات بين البشر الآليين، والطوباويين، وقراصنة الكمبيوتر والمستقبليين الذين يحلون مشكلة الموت
مارك أوكونيل (غرانتا)
تمثل الفكرة الأساسية في حركة «الارتقاء البشري » ( Transhumanism ) في كاليفورنيا أن على البشرية استخدام التكنولوجيا للتطور والانتقال إلى ما وراء الحدود العقلية والمادية. تشمل الممارسات التي تدعو إليها الحركة التجميد «تجميد الأجساد على أمل إعادة إحيائها يوماً ما »، الاختراق الحيوي «تعديل ذواتنا عبر الغرس الحيوي وزرع الأعضاء الاصطناعية »، والمحاكاة العقلية التامة «نسخ شخصياتنا على أجهزة الكمبيوتر .» في كتابه الأول، يصف الصحفي الإيرلندي مارك أوكونيل الذي يكتب بأسلوب «الغونزو ( Gonzo )» على نمط هانتر إس. تومبسون، مواجهاته مع العديد من أفكار ومناصري حركة الارتقاء البشري. بعض هذه الأفكار عجيبة، مثل المرشح الرئاسي الأميركي السابق زولتان إستفان الذي يسافر عبر الولايات المتحدة في «باص الخلود » المصمم على شكل كفن. لكن حتى في قلب السخرية، يبدو أن بمقدور أوكونيل إظهار بعض الشفقة تجاه أهداف الحركة، التي يرى فيها بعض الأشياء المشتركة مع الدين. والنتيجة هي صدور كتاب ذي فطنة استثنائية. ربما تبدو حركة الارتقاء البشري غريبة وخارجة عن المألوف، لكنها تضم عدداً من الأشخاص المؤثرين وشديدي الثراء. مثل المؤسس المشارك لموقع «باي بال » بيتر ثيل الذي ضخّ ملايين الدولارات في أبحاث تهدف لإطالة عمر الإنسان، وبخاصة حياته هو. أما راي كورزيل، رئيس قسم الهندسة في غوغل، فهو مناصر رئيس لحركة الفردانية، وعندما تحدث التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي، فإنها ستدمج بين البشر والآلات. كما أنه يؤمن بأن هذا ممكن الحدوث خلال «عقد أو ما يقارب العقد من الزمن».
يستكشف أوكونيل هذه الأفكار ضمن سياق أوسع من «التفاؤل الجذري » السائد الذي ينظر إلى كل مشكلة « - بما في ذلك التقدم في العمر والموت » - على أنها قابلة للحل عبر التكنولوجيا. وربما يكون الافتقاد للحدة، مع أسلوبه الجميل في الكتابة هو ما يجعله أقرب لدليل يوضح هذه العقلية. في كتاب «أن تكون آلة » ثمة عيب يتمثل في افتقار أوكونيل للمعرفة العلمية الرصينة التي تخوله الانخراط في «التقنيات التي تعقد عليها حركة الارتقاء البشري آمالها »، بحسب كلام أوليفر مودي في ذا تايمز. ما يقلل من مستوى الكتاب ويجعله أشبه ب «أكثر قليلاً من معرض للأفكار الغريبة ». أما ديفيد سكستون فيقول في لندن إيفننغ ستاندرد: «يبدو هذا لاعقلانياً، لكنه لا يزال ممتعاً للغاية».
بالنسبة لأوكونيل، فإنه لا يقدم كتابه هذا بغرض التسلية المحضة. ففي جوهر كتابه ثمة الفكرة الجدية الثابتة بأن الحياة، إن كان لها أي معنى، مرتبطة بشكل غير منفصم بما يودّ مناصرو حركة الارتقاء البشري النجاة منه: «الولادة، والإنجاب والموت».