رحلة اكتشاف الفضاء
اقترب العالم العربي من اتكشاف الفضاء بعد إطلاق أول منظمة عربية تركز على التعاون في مجال الفضاء.
خلال المؤتمر العالمي للفضاء الذي عقد أخيراً، في أبوظبي، أعلنت 11 دولة عربية، من بينها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والجزائر والأردن ومصر والمغرب، عن إنشاء المجموعة العربية للتعاون الفضائي، في محاولة لدفع عجلة التنمية في قطاع الفضاء في العالم العربي. وستكون الثمرة الافتتاحية للكيان الجديد مشروعاً لتطوير قمر اصطناعي متقدم لأغراض مراقبة الأرض والتغييرات البيئية والمناخية، والذي سيعمل عليه علماء عرب على أرض دولة الإمارات.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كلمته الافتتاحية التي أعلن فيها عن إطلاق المشروع: «أسمينا القمر الاصطناعي الذي سيعمل عليه العلماء العرب، 813 ، وهو تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون، البيت الذي جمع العلماء، وترجم المعارف، وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة، منطقتنا منطقة حضارة.. وشبابنا بناة حضارات.. لابد أن نؤمن جميعاً بهذا المبدأ».
وأضاف سموه: «نمد أيدينا وخبراتنا ومواردنا أمام العلماء العرب الذين يشاركوننا الحلم والطموح لبناء مستقبل أفضل لأمتنا. القمر الاصطناعي رسالة توجهها دولة الإمارات إلى الشعوب العربية بأننا من خلال العمل المشترك نستطيع أن نبني مستقبلاً زاهراً للجميع».
وتعد إشارة سموه إلى «بيت الحكمة » أمراً مهماً، حيث يتمتع العالم العربي بتاريخ غني بالعلوم والفلك، كما أن أسماء 200 نجم مشتقة من اللغة العربية. وغالباً ما يتم اختصار بعض أسماء النجوم التي تنحدر أسماؤها من كلمات عربية أطول، لتلائم أجهزة القياس الفلكي في العصور الوسطى، في حين شُوِّهت بعض الأسماء الأخرى حتى لم يعد التعرف إليها ممكناً مع مرور الوقت بسبب أخطاء الترجمة والنسخ. وبالنسبة للمُشاهد، فإن معظم الاختراعات المتعلقة بالفلك والفضاء تحمل أسماءً عربية.
«نمد أيدينا وخبراتنا ومواردنا أمام العلماء العرب الذين يشاركوننا الحلم والطموح لبناء مستقبل
أفضل لأمتنا. القمر الاصطناعي رسالة توجهها دولة الإمارات إلى الشعوب العربية بأننا من خال
العمل المشترك نستطيع أن نبني مستقبلاً زاهراً للجميع .»
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
كما صنع علماء الفلك في العصر الذهبي الإسلامي أدوات فلكية مثل المزولة الشمسية والإسطرلاب والأرباع الهندسية والكرات السماوية وذات الحلق، وكذلك المراصد مثل تلك التي شيدها أبوعبدالله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني في مدينة الرقة، شمالي سوريا. كما لعب الفلكيون العرب دوراً مهماً في بناء جسر لتبادل المعرفة والعلوم بين اليونان القديمة وعصر النهضة الأوروبي.
وقال عمر سمرة، المغامر ورائد الفضاء المصري المرشح للمشاركة في برنامج «بوسوم » (Possum) لإعداد رواد الفضاء والذي تموله ناسا: «يجب على العالم العربي أن يستعيد مكانه التاريخي كرائد في علم الفلك والعلوم التطبيقية »، مضيفاً أن: «المجموعة العربية للتعاون الفضائي التي تشمل 11 دولة عربية، هي خطوة مهمة واعدة للقطاع ولمنطقتنا العربية. وكوني مصرياً، يسعدني أن بلدي من بين تلك الدول المشاركة في هذا المشروع، في الوقت الذي أشعر فيه بسعادة غامرة بفوز بلادي باستضافة مقر وكالة الفضاء الأفريقية في القاهرة».
وتعد هذه الخطوة الموحدة مهمة للغاية، فمع تقدم معرفة البشر بالنظام الشمسي، يُعتقد أن استكشاف الفضاء سيؤدي إلى تحسين مستويات الحياة على الأرض، عبر تطوير وسائل المعرفة العلمية والاكتشاف، ودفع عجلة التطور التكنولوجي مع توفير الفرص الاقتصادية عبر قطاعات وصناعات متعددة.
وترغب دولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في العالم العربي في التأكد من أنها ستكون جزءاً أساسياً وفاعلاً في رحلة اكتشاف الفضاء.
سيعمل القمر 813 متعدد الأطياف على مراقبة الأرض وقياس العناصر البيئية والمناخية في عدد من الدول العربية، من بينها الغطاء النباتي وأنواع التربة والمعادن والمياه ومصادرها، إلى جانب قياس الغازات الدفيئة والتلوث والغبار في الهواء. وسيجري تمويل القمر الاصطناعي من قبل وكالة الإمارات للفضاء، وسيتولى مهندسون عرب تطويره ضمن المرافق المتطورة في المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بجامعة الإمارات في مدينة العين، الذي يعد أول مركز بحث فضائي على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وتستغرق عملية تطوير القمر الاصطناعي ثلاثة أعوام، وسيكون عمره الافتراضي نحو خمسة أعوام، كما سيكون له مدار قطبي بارتفاع 600 كيلومتر، وسيرسل البيانات إلى محطة أرضية في دولة الإمارات ومحطات استقبال فرعية في بعض الدول العربية، لتستفيد منها مختلف الجهات البيئية والبلديات والمؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي والتخطيط العمراني. وقال أحمد فريد، مراقب الفضاء المصري في مركز الفضاء الألماني في ميونخ: «استكشاف الفضاء هو جهد تعاوني ،» مضيفاً: «معرفتنا بالعلوم والاستكشاف لم تتطور بعد، حيث مازلنا نكافح من أجل الهبوط على كوكب المريخ، في حين أن التغير المناخي يضعف مواردنا المائية، كما أن الإنسانية تواجه العديد الأمراض».
وأوضح فريد أن «استكشاف الفضاء يمكنه مساعدتنا على حل جميع هذه المشكلات »، موضحاً أنه «عالم ورائد فضاء مرشح للمشاركة في رحلة فضائية دون المدارية ستساعد العلماء والباحثين في معرفة مشكلات تغير المناخ من خلال الطيران فوق طبقة الميزوسفير، وجمع العينات والتقاط الصور. نحن بحاجة إلى معدات خاصة لذلك، فضلاً عن برامج تدريب فضائية تتطلب التنقل داخل المركبة».
سيعمل القمر »813« متعدد الأطياف على مراقبة الأرض
وقياس العناصر البيئية والمناخية في عدد من الدول
العربية، من بينها الغطاء النباتي وأنواع التربة والمعادن
والمياه ومصادرها، إلى جانب قياس الغازات الدفيئة
والتلوث والغبار في الهواء.
وأضاف: «يمكننا تحقيق تقدم ثوري في الطب، إذ إن الأدوية لدينا ليست متطورة بما يكفي لتشخيص بعض الأمراض التي تظهر فجأة، كما تنقصنا الحلول الناجعة لذلك. ونأمل من خلال التجارب الفضائية على محطة الفضاء الدولية المساهمة في تغيير هذا الوضع. كما أن هناك صعوبة في تشخيص بعض الفيروسات على الأرض بسبب الجاذبية، وسيكون من الأسهل التعرف إليها عندما نكون في بيئة منخفضة الجاذبية ». وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية أطلقت أخيراً، وكالتها الفضائية الخاصة، واستضافت القاهرة مقر وكالة الفضاء الأفريقية، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقود مبادرات الفضاء العربية، وكان لها دور أساسي في تشكيل المجموعة العربية للتعاون الفضائي.
وفي 25 سبتمبر المقبل، سيصبح هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي ينطلق في مهمة إلى محطة الفضاء الدولية، بعد اتفاق مشترك جمع بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس ». ويشكّل هذا البرنامج جزءاً من مهمة الإمارات الأوسع نطاقاً لتصبح رائدةً عالمية في مجال استكشاف الفضاء على مدى الخمسين عاماً المقبلة. وتستثمر البلاد بشكل كبير في البرامج العلمية، ليس فقط للمساهمة في خدمة المصالح الوطنية، بل لاستكشاف احتمالية عيش البشر في الفضاء. وأطلقت الإمارات خطة لاستعمار المريخ بحلول عام 2117 . ومن خلال بعثة المريخ الإماراتية، تخطط البلاد لإرسال مسبار غير مأهول إلى الكوكب الأحمر في عام 2020 ، ما يجعلها أول مهمة استكشاف للكوكب تقوم بها دولة عربية أو إسلامية على الإطلاق. وقال أحمد فريد، وهو أيضاً أحد رواد الفضاء المشاركين في برنامج «بوسوم « :» تعد مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ، واحدة من أكبر المهمات الفضائية في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط. ومن خلال هذا المشروع، سيسهم العالم العربي مجدداً في مساعدة البشر على استكشاف الفضاء. إن نجاح وكالة الفضاء الإماراتية في الوقت الحالي ببرامجها، سيثير إعجاب العالم بما لديها من مهارات وقدرات».
وأضاف: «قطاع الفضاء يتطلب التعاون. يجب أن يكون الجميع على هذا الكوكب جزءاً من هذه العملية، بغض النظر عن عرقهم أو القارة التي يعيشون فيها. وبمجرد أن تصبح رائد فضاء وتنظر إلى الأرض من الفضاء، فلن ترى حدوداً، سترى فقط نقطة زرقاء مسالمة تعد المكان الوحيد المعروف الذي فيه حياة في هذا الكون الشاسع».
«تعد مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ،
واحدة من أكبر المهمات الفضائية في
جميع أنحاء العالم، وليس فقط في الشرق
الأوسط. ومن خلال هذا المشروع، سيسهم
العالم العربي مجدداً في مساعدة البشر
باستكشاف الفضاء».
أحمد فريد، عالم ورائد فضاء، مرشح لمهمة «بوسوم».