عدسة التسامح: دور الصورة في تعزيز الروابط الإنسانية
يقال إن «الصورة بألف كلمة ». تؤكد هذه العبارة أهمية التصوير الفوتوغرافي في عرض القضايا الملحة والمهمة في حياتنا. استخدمها مصورون عالميون في مناقشة مواضيعهم، ووضعوا على رأس قائمة أولوياتهم: المرأة، والأقليات، والمُعنفون، لتكون الكاميرا صوت من لا صوت له، ودعوة إلى تعزيز التسامح والقيم الإيجابية.
في هذا التقرير الذي ينتقل في رحلته بين السعودية، ومصر، ودول إفريقية، حتى الولايات المتحدة الأميركية، التقت «ومضات » مصورين عالميين يحكون كيف انتصرت الكاميرا لقيمة التسامح التي أعلنتها الإمارات عنواناً وشعاراً لعام 2019 .
تقريب الشعوب
يؤكد المصوّر المصري حسام دياب، مؤسس ورئيس شعبة المصورين الصحفيين المصريين، وعضو اتحاد المصورين العرب، أهمية الصورة في تقارب الشعوب وتقديم صورة عنهم، وخاصة في الدول البعيدة التي يعاني أفرادها التهميش، لافتاً النظر إلى أن الصور تدعم تقبل الآخر، والتسامح معه، وكسر الصورة النمطية المأخوذة عنه. يتحدث دياب، عن محطات رحلته التي تجاوزت أكثر من 40 عاماً، صوّر خلالها أهم الأحداث العالمية، بينها الحرب الأهلية في لبنان، والمجاعات في دول القرن الإفريقي، قائلاً: «إن الصور الفوتوغرافية تُصحح المفاهيم المغلوطة، خاصة في ظل السيطرة الحالية لشبكات التواصل الاجتماعي على الرأي العام ». ويضيف: «عندما يعرف الناس قصة الآخرين الحقيقية، ينفتحون عليهم بعقولهم وقلوبهم ويصبحون أكثر تقبلاً لهم »، موجهاً عدة نصائح للمصورين، ليعززوا فكرة ومفهوم التسامح، «أولها: ألا يقوموا أبداً بإظهار الناس على أنهم غير مهمين أو لا قيمة لهم، وأن يكون هدفهم تسليط الضوء على الضعف نفسه وليس الضعفاء ». ويشير المصور حسام دياب، الذي يحاضر في جامعة القاهرة، إلى أنه على المصور الفوتوغرافي أيضاً تجنُّب اقتحام خصوصية الآخرين ما لم يكن هناك داعٍ اجتماعي مُلح لذلك، ومع هذا علينا تعرُّف قصص الناس الخاصة بشجاعة، قائلاً: «تخيل أنك تصور جماعة مقربة من أهلك».
تشجيع عمل المرأة
من جهته، يبدأ زياد العرفج، رئيس قسم التصوير في جريدة «العرب نيوز » السعودية والناطقة بالإنجليزية؛ حديثه بالكلام عن عهد قطعه على نفسه منذ بداية عمله مصوراً فوتوغرافياً، وهو التركيز على الأشياء الإيجابية فقط، مؤكداً أن أول هذه الصفات هي التسامح.
وأوضح العرفج أن القضية التي عمل عليها كمصور لإبراز مفهوم التسامح هي قضية عمل المرأة في المجتمع السعودي، موضحاً «اخترت عدة نساء ناجحات في عملهن، يتولين مناصب قيادية، وصورتهن في البيت وسط العائلة ». وأشار إلى أن الهدف من الصور هو إظهار أن المرأة الناجحة في عملها تعيش أيضاً حياة اجتماعية ناجحة، وهو ما يدعم التسامح مع فكرة عمل المرأة من الأساس وخاصة في مجتمع محافظ مثل السعودية، ولذلك كانت الصور في المنزل، مع التركيز أنه لو كان الإنسان يعيش في بيئة صحية، سواء المرأة أو الرجل، لوصل إلى أعلى المناصب، موضحاً «تبيّن الصور أن المرأة تعود بعد العمل سيدة طبيعية تمارس حياتها بين أسرتها ». ولفت رئيس قسم التصوير في جريدة «العرب نيوز » النظر إلى أن مشروعه الفوتوغرافي كان قبل دعوات التجديد التي قادها سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، مضيفاً: «يحدث الآن تغيير جذري في المملكة مع وجود رؤية 2030 ، ووجود قائد جاد في عمله، ودؤوب يجعلنا نعمل ونركز أكثر على إبراز دور السيدات، وخاصة هؤلاء اللواتي يعملن منذ أن كانت الأوضاع مختلفة، ونحن نفتخر بهذا الشيء.. يحتاج معظم الشباب في المملكة إلى قدوة، ولذلك أردت تسليط الضوء على هؤلاء النساء ». واختتم المصور زياد العرفج حديثه عن صورة أخرى قام بالتقاطها يعتقد أنها تسهم أيضاً في تعزيز قضية التسامح، وهي صورة للبابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وهي أول مرة تتصدر فيها صورة البابا جريدة سعودية.
نبذ الكراهية
وعلى الجانب الآخر من العالم، يقف الدكتور منديز منديز، المحاضر في عدة جامعات أميركية، وسط طلابه يشرح لهم دور الصورة الفوتوغرافية في ترسيخ مفهوم التسامح، حيث أحضر شخصين أحدهما ذو بشرة بيضاء، والآخر من أصحاب البشرة السمراء، وطلب منهما التركيز على زوايا التصوير والإضاءة، وأجرى جلسة تصوير لهما، بنفس الأوضاع والتقنيات.
يقول الدكتور منديز: «إن الهدف من التصوير الفوتوغرافي كفنّ هو طرح الاختلافات دون التدخل فيها، ولهذا فإن على الطلاب التركيز على التصوير في حد ذاته، وليس شكل ولون الشخص الذي يصورونه »، مضيفاً: «إن المصور الفوتوغرافي يحمل رسالة تنبذ العنصرية والكراهية وتنقل وجهات النظر المتنوعة إلى الجمهور».
خلق التعاطف
ومن جانبه، يرى الفنان والناشط روبرت لويد، مدرّس مادة التصوير الفوتوغرافي في جامعة شرق واشنطن، أن هناك قضايا عديدة يمكن أن تنقلها الصورة مثل: قضايا اضطهاد المرأة، ولون البشرة، والمعنفون، والفقراء، والجوعى، متحدثاً عن تجربته في المشاركة بحملة لمساعدة الفقراء من خلال الصورة. أوضح لويد أن صورة ما عندما تنقل أشكال الجوع والفقر التي عانى منها الناس، تدعو الكثيرين إلى التعاطف معهم، مشدداً أن علينا جميعاً أن نبني صورة كاملة عن التسامح، والتعاطف مع المستويات الأخرى في المجتمع الإنساني. وأكد أن هناك قصصاً كثيرة عن العنف تنتقل إلى أجزاء أخرى من العالم، وعند مشاهدة الصور، عليك أن تسأل نفسك: ما هي علاقتك بها؟ هل تقبل هذا الفكر أو ترفضه؟ مشيراً إلى أن الإجابة دائماً تأتي من خلال بناء مفهوم التسامح في المجتمع بمشاركة الملاحظات الهادئة بين الأفراد، ونقل وجهات النظر المختلفة. ويضيف مدرس مادة التصوير الفوتوغرافي في جامعة شرق واشنطن قائلاً، «إذا كنت تخطط لتوصيل مفهوم التسامح للطلاب أو لنقل الآراء والمعتقدات المختلفة، فهناك عدة طرق ممتازة لتسهيل ذلك، وهي: عند النظر إلى بعض الصور، على سبيل المثال، صورة صبي أميركي من أصل إفريقي خلف سور حديدي، أو أخرى لحشد من الناس يحيطون بصبيان من أصل إفريقي ليتمكنوا من دخول المدرسة.. هذه الصور تبين معاناة الأشخاص وتجعل الآخرين أكثر تسامحاً معهم».
كلمات في التسامح
تقع مسؤولية التسامح على عاتق أولئك الذين يتمتعون برؤية أوسع.
جورج إليوت، روائي.
عدم التسامح هو أول علامة على وجود نقص في التعليم.
ألكسندر سولجينتسين، روائي.
أحد أكثر الطرق اتساقاً لزيادة التسامح هو التواصل مع الجانب الآخر ومشاركته تجربة العمل على هدف ما.
مارك براندت، عالم نفسي.
إذا لم نتمكن من إنهاء خلافاتنا الآن، فيمكننا على الأقل المساعدة على جعل العالم آمناً للتنوع.
جون كينيدي، سياسي.
التسامح هو امتياز الإنسانية؛ فكلنا مليء بالضعف والأخطاء. دعونا نتسامح بعضنا مع بعض. هذا هو قانون الطبيعة الأول.
فولتير، كاتب.