التضليل حول «كوفيد-19 » على وسائل التواصل الاجتماعي
يوصي الباحثون بأخذ المعلومات من المصادر الموثوقة
أثار انتشار «كوفيد- »19 ، كأول جائحة ذات تأثير كبير، تهاجم الجنس البشري في عصر وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المناقشات والتخوفات بين مستخدمي هذه المواقع، والسبب يعود إلى ما يقرؤونه من معلومات خاطئة من مصادر غير موثوقة أسهمت في خلق فوضى خال التعامل مع الوباء.
يعد التضليل من بين التحديات الرئيسة التي واجهتها منظمة الصحة العالمية في جهودها لاحتواء الوباء الذي اندلع في ديسمبر 2019 ، في مدينة ووهان الصينية. فقد وصفت منظمة الصحة العالمية المعلومات الخاطئة المنتشرة حول «كوفيد- »19 بأنها «وبائية »، مشيرة إلى أن وجود معلومات غير صحيحة عن مشكلة ما تجعل من الصعب إيجاد حل لها. يزدهر انتشار هذا النوع من التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابات وهمية تنشر المعلومات الخاطئة والشائعات أثناء حالة الطوارئ الصحية، وتسهم في إعاقة الاستجابة الفعالة للصحة العامة، والتسبب في الإرباك وحالة من الشك.
ولكن مع استمرار تفشي الوباء في جميع أنحاء العالم، وما تسبب به من عمليات الإغلاق، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى. أصبح فيسبوك وتويتر وإنستغرام، من بين منصات أخرى، نقطة التقاء للأصدقاء والعائلة الذين لم يعد بإمكانهم الالتقاء في حديقة عامة أو سينما أو أماكن العبادة. يرى أصحاب نظرية المؤامرة في معظم وسائل التواصل الاجتماعي أنها نافذة لممارسة التضليل.
حسابات وهمية
البروفسور ريان كو، مدير الأمن السيبراني في جامعة كوينزلاند، أستراليا، قال في مقال نشره في 1 أبريل 2020 ، في «ذا كونفيرسيشن »، وهي عبارة عن شبكة إعلامية غير ربحية يسهم فيها أكاديميون وباحثون: «من الصعب قياس النطاق الدقيق للمعلومات الخاطئة ». وأشار كو إلى أنه يمكن ملاحظة المعلومات الخاطئة من خلال لقطات مأخوذة من تويتر، وتحديداً في حركة الوسم النشيط المرتبط بفيروس «كوفيد-19».
اكتشف كو ذلك في يوم واحد من خال مراقبة النشاط على منصة «بوت سينتينال »، وهو موقع يستخدم التعلم الآلي لتحديد وتصنيف الروبوتات المحتملة أو ما يعرف بالذباب الإلكتروني الذي يستخدم حسابات وهمية على موقع تويتر. في 26 مارس، كانت هذه الحسابات الذبابية مسؤولة عن 828 وسماً ل فيروس كورونا (# coronavirus)، و 544 وسماً ل «كوفيد- 19» (COVID19#)، و 255 وسماً لفيروس كورونا (#Coronavirus) في غضون 24 ساعة.
وفقاً لتحليله، اتخذت الوسوم (الهاشتاغات) هذه على التوالي المراكز الأولى والثالثة والسابعة من بين جميع الوسوم الأكثر تداولاً على تويتر.
وذكر كو أيضاً أن العدد الفعلي لتغريدات الحسابات الوهمية المتعلقة بالفيروس التاجي أعلى بكثير على الأرجح، نظراً لأن منصة «بوت سينتينال »، تتعرف فقط المصطلحات في الهاشتاغات مثل (#coronavirus)، ولا يلتقط كلمات Coronavirus) ،(19-coronavirus)، (COVID)).
مواجهة التضليل
غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي يستجيب بها المجتمع لتفشي فيروس «كوفيد- »19 ، وفقاً لسانتوش فيجايكومار، الباحث في مجال الاتصالات الصحية والمخاطر في جامعة نورثمبريا.
قال فيجايكومار لمجلة «تايم": «نشهد اتجاهاً مثيراً للقلق، حيث يتم تطبيع سلوكيات معينة ناتجة عن الخوف والقلق - مثل تخزين محارم المرحاض أو معقمات اليدين - نظراً لمناقشتها باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي».
يكمن خطر التضليل والمعلومات الخاطئة حول تفشي الأوبئة مثل الفيروسات التاجية في أنه لا يولِّد الخوف والذعر فحسب، بل يمكن أن يجعل تفشي المرض أسوأ من خال تشجيع الناس على اتباع النصائح السيئة، وفقاً لدراسة أجراها الباحثان البريطانيان، جولي برينارد وبول آر.هانتر.
«عند استخدام وسائل التواصل
الاجتماعي، تأكد من أنك
سمعت عن تلك الحسابات
على مواقع التواصل الاجتماعي
قبل مشاركة أي معلومة منها»
استخدم الباحثان في جامعة إيست أنجليا، نورويتش، إنجلترا، محاكاة لنمذجة كيفية تأثير انتشار المعلومات على انتشار الأمراض الفيروسية المختلفة. وكانت النتائج التي توصا إليها هي أن انتشار المعلومات الخاطئة أثناء تفشي المرض قد يجعل تفشي المرض أكثر حدة، وأن تقليل كمية النصائح الضارة المنتشرة حتى ولو قلياً يمكن أن يخفف من هذا التأثير.
وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في لقاء مع خبراء أجانب وأمنيين في ميونيخ بألمانيا، فبراير الماضي: «نحن لا نكافح وباءً فحسب، بل نكافح وباء المعلومات المضللة أيضاً».
كان البديل لمنظمة الصحة العالمية هو إرسال فريقها من «مدمري الخرافات » للعمل مع شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك، وجوجل بينترست، وتويتر، وتيك توك، ويوتيوب، وغيرها من المواقع الشهيرة لمواجهة المعلومات الخاطئة والتضليل الآخذ في الانتشار.
مصادر موثوقة
وقال ويلفريدو لي، المصور الصحفي في وكالة أسوشيتد برس: «عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تأكد من أنك سمعت عن تلك الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي قبل مشاركة أي معلومة منها».
الأمر الأسوأ هو أن المحتوى المثير يحظى بأكبر قدر من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجذب المزيد من الإعجابات والمشاركات والتعليقات.
كتب الصحفي أليخاندرو دي لا غارزا من مجلة «تايم »، ومقرها نيويورك، مقتبساً من الخبراء، في مقال 16 مارس 2020 ، أن المستوى غير المسبوق للمعلومات التي تصلنا في الوقت المناسب يمكن أن يمنحنا الأدوات التي نحتاج إليها لاتخاذ قرارات ذكية، ولكن أيضاً يجعلنا أكثر قلقاً بشأن ما سيأتي.
وقال جيف هانكوك، أستاذ الاتصالات في جامعة ستانفورد ومدير مختبر ستانفورد الاجتماعي لوسائل الإعام: «يمكن أن تساعدنا المحادثات حول الفيروس التاجي، خاصة تلك التي تحدث على مستوى المجتمع، على تجاوز هذه الأزمة ». وأضاف: «تعكس هذه المناقشات كيفية تفكير المجتمع وتفاعله مع الأزمة... وتسمح للمجتمع بالتحدث نوعاً ما عبر نوع من التهديد غير المسبوق».
الانخراط مع الجمهور
يستخدم العلماء وخبراء الصحة العامة الآخرون وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً للانخراط بشكل مباشر في محادثات مع الجمهور. هذه هي الطريقة التي توصلت بها منظمة الصحة العالمية إلى فكرة مشاركة المعلومات في الوقت المناسب حول «كوفيد-19 » من خال منصة رسائل تطبيق «واتس آب».
«عندما تكون المعلومات
شحيحة، تتاح الفرص أمام
المتلاعبين على مواقع التواصل
الاجتماعي للتجارة في الفوضى
والخوف»
لكن هذا لم يقلل من تأثير التضليل بسبب الحوافز المختلفة للأشخاص الذين ينشرون التضليل. «الدافع الرئيس هو المكسب المالي ،» وفقاً لمؤشر التضليل العالمي، وهي منظمة غير ربحية مقرها المملكة المتحدة، مهمتها العمل على تعطيل مواقع التضليل وإلغائها على الإنترنت.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن الجانب الإيجابي من وسائل التواصل الاجتماعي ولّد الخوف، بحجة أنه قد يكون ما يحتاجه العالم لإبطاء انتشار الأوبئة.
وقالت خديجة علي باحثة في الأخبار المزيفة والتواصل حول الأمراض لمجلة «تايم « :» قد يؤدي المستوى المعتدل من الإثارة في الرسائل التي تثير الخوف إلى زيادة تفاعل المستخدمين. عندما يتم دمج هذه الرسائل مع معلومات مفيدة تساعد الناس على حماية أنفسهم أو تشخيص الأعراض، يمكن أن تصبح في النهاية رسالة اتصال صحية قوية وقابلة للتنفيذ، وتؤدي إلى مشاركة وتفاعل على نطاق واسع بين السكان».
بدون استراتيجيات مدروسة لمنع انتشار المعلومات الضارة، يمكن أن يحدث الكثير من الخطأ. لا تزال منصات وسائل التواصل الاجتماعي تشكل ضعفاً اجتماعياً تقنياً خطيراً في أوقات الارتباك والأزمات. عندما تكون المعلومات شحيحة، تتاح الفرص أمام المتلاعبين في وسائل الإعام للتجارة في الفوضى والخوف.