اتباع ضوابط من الحكومات والأفراد يقلل منها تأثيرات كورونا النفسية
تكاد قطاعات عديدة في العالم تنهار مع استمرار قادة العالم في الإعلان عن قيود تهدف إلى إبطاء انتشار الفيروس التاجي الجديد الذي بدأ في مدينة ووهان الصينية، في ديسمبر 2019 . ومع تفشيه خارج حدود الصين، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه وباء سريع الانتشار في جميع أنحاء العالم. لهذا الوباء تأثيرات نفسية كبيرة، ويجد الباحثون ضرورة في إيجاد سبل للتعامل معها.
اعتباراً من 17 أبريل 2020 ، قدم أكثر من 22 مليون أميركي طلبات للحصول على إعانات البطالة منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة الطوارئ الوطنية عقب تفشي فيروس كورونا. نظراً لإجبار الشركات على الإغاق في محاولة لوقف انتشار فيروس كوفيد- 19 ، كان البديل لأرباب العمل في مختلف قطاعات الاقتصاد الأميركي هو تسريح الموظفين. وفقاً لتقرير في صحيفة «واشنطن بوست»، أفادت العديد من الشركات التي لا تزال تعمل عن انخفاض كبير في المبيعات.
ويقول التقرير: «يمكن للأفراد على المستوى النفسي أن يلوموا الوباء بدلاً من أنفسهم »، وتقول سارة داماسكي، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع وعلاقات العمل والتوظيف في جامعة ولاية بنسلفانيا: «ولكن ما قد يتبع ذلك هو أن الشركات قد تدرك، كلما طال ذلك، أنها لا تحتاج إلى نفس العدد من الموظفين. أي إن هذه التكنولوجيا يمكن أن تحل محل الكثير. سيكون ذلك أكبر خوف مع عواقب بعيدة المدى».
قد لا يكون الوضع أسوأ من أي مكان آخر في العالم، ولكن معدلات البطالة، على الصعيد العالمي، في ارتفاع مع تنبؤات بانخفاض الاستثمار الأجنبي، وخاصة في دول العالم الثالث.
يقول ديفيد بلوستين، أستاذ علم النفس الإرشادي في كلية بوسطن، ومؤلف كتاب «أهمية العمل في عصر عدم اليقين: تجربة العمل المتآكل في أميركا » لشبكة «بي بي سي» الإخبارية: «سيكون هذا وباء البطالة العالمي. أسميها أزمة ضمن أزمة».
يرافق فقدانَ الوظيفة آثار نفسية، ويمكن أن تكون أسوأ في الأوقات الحالية من قلق انتشار كوفيد- 19 . في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى أن أرقام الوفيات المسجلة نتيجة لأمراض أخرى أعلى مقارنة بوفيات كوفيد- 19 ، فإن سرعة انتشار هذا الوباء الجديد هي الأكثر رعباً. كان أكثر من مليوني شخص قد ثبتت إصابتهم بالمرض حتى 18 أبريل. وهذا يفسر سبب إعان الحكومات في جميع أنحاء العالم عن المبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي )أعادت منظمة الصحة العالمية تسميتها أخيراً بالتباعد الجسدي( في حين توجّب على من تظهر لديه أعراض المرض أو كان في اتصال مع مريض حامل للفيروس، البقاء في الحجر الصحي.
تحدث مجموعة من الاستجابات
النفسية للحجر الصحي، مثل
الارتباك والخوف والغضب والحزن
والخدر والأرق الناجم عن القلق
الحجر الصحي
استعرض الباحثون، سامانثا ك.بروكس، ريبيكا ك.ويبستر، لويز إي سميثس، ليزا وودلاند، سيمون ويسيلي، ونيل جرينبرج التأثير النفسي للحجر الصحي باستخدام ثاث قواعد بيانات إلكترونية استناداً إلى حالات حجر صحي إلزامية سابقة كشفت عن آثار نفسية سلبية مثل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والارتباك والغضب.
قاموا بتجميع النتائج التي توصلوا إليها في تقرير بعنوان «الأثر النفسي للحجر الصحي وكيفية الحد منه: مراجعة سريعة للأدلة »، تم نشرها في 26 فبراير 2020 من قبل مجلة «ذا لانسيت» الطبية الأسبوعية في لندن.
«يعدّ الحجر الصحي في كثير من الأحيان تجربة غير سارة لأولئك الذين يخضعون له. كما أن الانفصال عن الأحباء، وفقدان الحرية، وعدم اليقين بشأن حالة المرض، والملل يمكن، في بعض الأحيان، أن يخلق تأثيرات واضحة»، بحسب التقرير.
من بين البيانات التي تمت مراجعتها، كان هناك أشخاص فرض عليهم العزل بعد تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) عام 2003 ، واكتشف أن الأشخاص الذين تم عزلهم بسبب الاتصال الوثيق مع أولئك الذين يحتمل أن يكون لديهم «سارس » أبلغوا عن استجابات سلبية مختلفة خال فترة الحجر الصحي.
استجابات مختلفة
يشير التقرير إلى أنه تم الإباغ عن حدوث الخوف والعصبية والحزن والشعور بالذنب، إضافة إلى عدد قليل من المشاعر الإيجابية مثل السعادة والراحة. عاوة على ذلك، حددت الدراسة أيضاً مجموعة من الاستجابات النفسية الأخرى للحجر الصحي، مثل الارتباك والخوف والغضب والحزن والخدر والأرق الناجم عن القلق.
وجاء في التقرير: «استطلعت جميع الدراسات الكمية الأخرى فقط أولئك الذين تم عزلهم، وأبلغوا بشكل عام عن انتشار كبير لأعراض الحزن والاضطراب النفسي. كما أبلغت دراسات عن الأعراض النفسية العامة، والاضطراب العاطفي، والاكتئاب، والتوتر، والمزاج المنخفض، والنزق، والأرق، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، والغضب، والإرهاق العاطفي».
توصلت دراسة أخرى عن «السيطرة على السارس والتأثيرات النفسية للحجر الصحي » في تورنتو، كندا، إلى استنتاجات مماثلة، مشيرة إلى أن الحجر الصحي قد يؤدي إلى ضائقة نفسية كبيرة تظهر على صورة اضطراب ما بعد الصدمة مع أعراض الاكتئاب.
وفقاً للباحثين في هذه الدراسة: ترتبط أسباب الضغوطات المذكورة أعاه بقضاء فترات أطول في الحجر الصحي، والمخاوف من الإصابة، والإحباط، والملل وعدم كفاية الإمدادات الغذائية، والمعلومات غير الكافية، والخسائر المالية.
ظروف العزل
كان الدكتور جيمي سباير سينتونغو، المحاضر في قسم الفلسفة في جامعة ماكيريري الأوغندية، من بين 1.092 شخصاً تم عزلهم عند الوصول إلى الدولة الواقعة في شرق إفريقيا من أوروبا والشرق الأوسط قبل أن تعلن أوغندا عن إغاق تام. في البداية، كان عليهم أن يقضوا 14 يوماً في الحجر الصحي المؤسسي، ولكن السلطات مددت الفترة لأسبوع آخر.
وفي حديثه مع «ومضات »، قال الدكتور سينتونغو: إن الظروف التي يخضع فيها المرء للحجر الصحي تؤثر في كيفية تعاونه. كل هذا يتوقف على ظروف المرء ومرونته. البعض يقبع في الحجر الصحي في ظروف غير مرغوب فيها بعيدة عن حياتهم الطبيعية. لا بد أن يكون الأمر أكثر صدمة لهؤلاء البعض يقبل الحجر ويتكيف بسرعة معه».
يشير الدكتور سينتونغو أيضاً إلى عوامل مثل ما يفتقده المرء أثناء الحجر الصحي سواء كان عائلة أم أطفالاً، أم أسلوب الحياة، والدعم العاطفي المتاح.
وقال الدكتور سينتونغو: «إن الشخص الاجتماعي للغاية معرض للصدمة خال الحجر الصحي بدرجة أكبر وأخطر من غيره، حيث تكون الحياة على عكس ما اعتادوه. كما يصبح الأشخاص الذين يفوتون الفرص الخارجية الحيوية تحت الحجر الصحي معرضين للصدمات للغاية. ومن بين النتائج المحتملة الغضب والانطواء والأفكار الانتحارية والارتباك وانخفاض التركيز. إن الشيء المحدد الذي يحدث لشخص ما يعتمد على مجموعة واسعة من العوامل الشخصية والاجتماعية».
كما أن مسألة الوصم الاجتماعي خارج الحجر الصحي تظل تتبعهم لفترة. في العديد من التقارير البحثية، تظهر ملامح الوصم بشكل بارز، وغالباً ما تستمر لبعض الوقت بعد الحجر الصحي، حتى بعد احتواء تفشي المرض.
«أفاد المشاركون في العديد من الدراسات بأن آخرين كانوا يعاملونهم بشكل مختلف مثل تجنبهم، ورفض الدعوات الاجتماعية، ومعاملتهم بالخوف والشك، وإبداء التعليقات النقدية».
التخفيف من التأثيرات
خال مدونة صوتية على موقع جمعية علم النفس الأميركية، قدّم البروفسور باروخ فيشوف، الأستاذ في جامعة كارنيجي ميلون، وخبير في الإدراك العام للمخاطر والحكم البشري وصنع القرار، أفكاره حول الآثار النفسية للحجر الصحي.
الشخص الاجتماعي للغاية معرض
للصدمات النفسية خلال الحجر
الصحي بدرجة أكبر وأخطر من غيره
قال البروفيسور فيشوف: «سيكون هناك أشخاص عانوا من صدمات نفسية في حياتهم؛ هؤلاء هم أكثر عرضة لأي حدث مرهق. أعتقد أنه إذا قام أحدهم بإجراء مقابلة منتظمة مع كل شخص، فسيجد أن بعض الأشخاص تتعطل حياتهم أكثر من الآخرين، إذا كانوا مسؤولين عن فرد مريض أو عاجز أو ضعيف في الأسرة، أو بين من لا تكون لديهم القدرة الاقتصادية على تحمل خسارة الدخل لهذه الفترة الزمنية».
وأضاف: «أعتقد أن ما يراه المرء بشكل سطحي على مستوى جماعي هو ما يفعله الناس عادة. إنهم مرنون، وداعمون لبعضهم، ويتضامنون معاً، ويحاولون الاستفادة من الوضع السيئ على أفضل وجه. إذا اعتمدنا على المرونة الطبيعية للناس، وإذا عاملتهم السلطات باحترام، ولبّت احتياجاتهم المادية قدر المستطاع، فمن المتوقع أن يتغلب عليها معظم الناس بشكل جيد».
في تقريرهم، أوصى الباحثون بروكس، وبستر، سميثس، وودلاند، ويسيلي، وغرينبرغ أنه في الحالات التي يعتبر فيها الحجر الصحي ضرورياً، يجب على المسؤولين عزل الأفراد لفترة لا تزيد عن المطلوب، وتوفير أساس منطقي واضح للحجر الصحي، ومعلومات حول البروتوكولات، وضمان توفير إمدادات كافية.
يجب على المسؤولين عزل الأفراد
لفترة معيّنة، وتوفير أساس
منطقي واضح للحجر، ومعلومات
حول البروتوكولات، وضمان توفير
إمدادات كافية
وختموا توصياتهم بالقول: «إذا كان الحجر الصحي ضرورياً، فإن نتائجنا تشير إلى أنه يجب على المسؤولين اتخاذ كل إجراء لضمان أن هذه التجربة مقبولة قدر الإمكان للناس. يمكن تحقيق ذلك عن طريق: إخبار الناس بما يحدث ولماذا، وشرح المدة التي سيستمر فيها، وتوفير أنشطة ذات معنى لهم للقيام بها أثناء الحجر الصحي، وتوفير اتصالات واضحة، وضمان إتاحة الإمدادات الأساسية )مثل الطعام والمياه والإمدادات الطبية(، وتعزيز الإحساس بالإيثار الذي يجب أن يشعر به الناس».