تطوير اللقاحات الجديدة: يمرّ تجريبها بمراحل متعددة
أدى تفشي الفيروس التاجي الجديد «كوفيد- »19 في ووهان، الصين، في ديسمبر 2019 ، إلى إجراء بحث مكثف عن التشخيص واللقاحات والأدوية لهذا الوباء الذي غيّر من عاداتنا الاجتماعية، وأوقف عجلة الاقتصاد، وعطّل مسيرة الحياة اليومية.
حتى تاريخ 20 مارس، كان ما يصل إلى 42 لقاحاً في مرحلة ما قبل السريرية، ولقاحين في المرحلة الأولى من التجارب السريرية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ولكن ماذا يفعل العلماء لتطوير هذه اللقاحات الجديدة؟
يقدّم البروفسور آدم فين، أستاذ ديفيد باوم لطب الأطفال في جامعة بريستول في المملكة المتحدة، ورئيس مجموعة أبحاث مركز لقاح الأطفال في بريستول، نظرة عميقة على كيفية دراسة الباحثين للفيروسات والبكتيريا التي تسبب العدوى قبل تطوير لقاح محتمل قائلاً: «لتطوير لقاح، يجب أولاً إجراء بحث لفهم طبيعة العدوى التي تحاول منعها. تحتاج إلى معرفة ما يكفي عن الفيروس أو البكتيريا التي تسبب العدوى؛ عليك أن تفهم بنية الجرثوم )الكائنات الحية الدقيقة(، لأنه من أجل إنشاء لقاح تحتاج إلى معرفة ما يكفي عن العدوى لتتمكَّن من تقليدها».
طرق متعددة
يوضح البروفسور فين، في مقابلة نشرتها «فاكسينز تودي »، أن اللقاحات يتم إنشاؤها بطرق مختلفة، أولها، صنع لقاح يعد في حد ذاته عدوى، ولكن مع نسخة من الميكروب الأصلي الذي لا يصيب الشخص بالمرض. وهذا، كما يوضح، يساعد على تحفيز الجهاز المناعي من خلال التسبب في عدوى خفيفة بحيث إنه بمجرد تعرض الجسم لهذا الجرثوم، يستجيب الجهاز المناعي بسرعة.
ويضيف: «هناك طريقة أخرى هي إنشاء مادة من الجرثوم، لا تسبب العدوى في الواقع، ولكنها تحفز الاستجابة. ويشار إليها بأنها لقاح غير حي. كانت النسخ السابقة من اللقاحات جرثومات مقتولة »، مشيراً إلى أن «اللقاحات الحديثة تستخدم طرقاً أكثر تعقيداً لتكوين المضادات (الترياق)».
بعد إجراء أبحاث ما قبل السريرية، يتم اختبار اللقاح على مجموعة صغيرة جداً من الأشخاص )أحياناً يصل عددهم إلى ستة أشخاص( فيما يسمى بالدراسة السريرية «المرحلة الأولى ». هذا يساعد على استبعاد مشكلات السلامة الرئيسة، ويساعد الأطباء أيضاً على تحديد الجرعة المناسبة للخطوة التالية في عملية الاختبار. يقول فين: «قبل أن يتم إعطاء أي شيء للبشر، يجب اتخاذ خطوات دقيقة لضمان تصنيع جميع المواد بطريقة آمنة تماماً، وخاضعة لرقابة صارمة، حتى تعرف تماماً ما ستقدمه للناس. يتم بذل الجهود بشكل خاص لضمان عدم وجود أي فرصة على الإطلاق لتلوث البشر بمواد معدية أو سامة أخرى».
مراحل اللقاح
شارك نحو 100 إلى 200 شخص، في تجربة المرحلة الأولى، ولكن في المرحلة التالية؛ تجربة المرحلة الثانية، يتم تقديم اللقاح لعدد أكبر من الناس، لأن الباحثين يريدون تحديد ما إذا كان اللقاح يعطي استجابة مناعية متسقة، وكذلك يراقبون حدوث أي آثار جانبية.
يشرح الدكتور فين ذلك بالقول: «تتضمن المرحلة الثانية إعطاء جرعة ثابتة من اللقاح، وغالباً ما تكون إلى جانب اللقاحات الروتينية الأخرى، إلى عدد أكبر من الناس، ومعظمهم من الأطفال إذا كانوا من السكان المستهدفين، والهدف هو معرفة مدى تكاثر الاستجابة المناعية وتناسقها. في هذه المرحلة، يمكنك تحديد معدلات الأعراض السلبية الشائعة مثل التورم، والحمى، إضافة إلى بعض الأعراض الأقل شيوعاً بقليل».
عندما يكون المرض شائعاً بشكل معقول - يكمل فين - يمكن إجراء تجارب المرحلة الثالثة لاختبار كيفية حماية اللقاح ضد العدوى الطبيعية. غالباً ما تتضمن هذه الدراسات عشرات الآلاف من المتطوعين الأصحاء بغية أن يكون لدى الأطباء فرصة أفضل لاكتشاف المشكلات النادرة التي لم تظهر في دراسات المرحلة الثانية الأصغر، وتثبت أن اللقاح يمنع المرض.
اختلاف اللقاحات عن الأدوية
يقول البروفسور فين: «إن تجارب اللقاحات تختلف عن دراسات الأدوية الجديدة في أشكال عدة. لسبب واحد، تم تضمين عدد أكبر بكثير من الأشخاص في تجارب المرحلة الثالثة للقاحات، لأن الباحثين يريدون اكتشاف أي آثار جانبية نادرة جداً تسبب فيها اللقاح، مضيفاً: «كما أن هناك شيئاً آخر يجعل التسامح مع الآثار الجانبية في تجارب اللقاح أقل من تجارب الأدوية، وهو حقيقة أن المتطوعين - والمجموعة المستهدفة المستقبلية للقاح - يتمتعون بصحة جيدة في البداية».
قبل أن يتم إعطاء أي لقاح للبشر،
يجب اتخاذ خطوات دقيقة لضمان
تصنيع جميع المواد بطريقة آمنة
تماماً، وخاضعة لرقابة صارمة
قبل أن يتم إعطاء أي لقاح للبشر،
يجب اتخاذ خطوات دقيقة لضمان
تصنيع جميع المواد بطريقة آمنة
تماماً، وخاضعة لرقابة صارمة
«بالنسبة لمعظم اللقاحات، باستثناء الحالات التي يكون فيها المرض الذي يتم منعه نادراً جداً، هناك ضرورة لإجراء تجارب لإظهار الوقاية من المرض. في جميع الحالات، يجب إجراء دراسات تبحث عن آثار جانبية نادرة غير متوقعة. عند هذه النقطة، يجب تحصين أعداد أكبر من الناس. إن الهدف الأساسي هو إثبات أن الأشخاص الذين يتلقون اللقاح محميون ضد المرض »، حسبما يقول الدكتور فين، مضيفاً: «لكي يكون هذا ممكناً، يجب أن يكون المرض شائعاً بما فيه الكفاية عند السكان، بحيث يمكن اكتشاف الاختلافات بين الأشخاص المُلقحين وغير المُلقحين داخل إطار زمني معقول. غالباً ما يكون هناك عشرات الآلاف من الأشخاص المشمولين في تجارب المرحلة الثالثة هذه التي تلتقط أيضاً آثاراً جانبية نادرة وأعراضاً ضارة قد لا يتم ملاحظتها في التجارب الصغيرة».
ويوضح البروفسور فين: «يتم تحديد عدد الأشخاص المشاركين في كل مرحلة من تجارب اللقاح حسب الغرض الذي يتم إنتاج الدواء من أجله. على سبيل المثال، إذا كان الدواء لعلاج مرض بدلاً من منعه، يتم إجراء دراسات على عدد قليل من الأشخاص، على عكس الوضع الذي يكون فيه اللقاح للوقاية من المرض. لرؤية تأثير العلاج، لا تحتاج إلى دراسة الكثير من الأشخاص إلا إذا كنت تبحث عن فرق صغير بين علاجين متشابهين. عندما تختبر لقاحاً بين سكان أصحاء، فأنت بحاجة إلى مجموعة أكبر من المرضى، خاصة إذا كانت العدوى التي تحاول منعها نادرة، واستبعدت الآثار الجانبية النادرة».
مراقبة تأثير اللقاح
بعد اجتياز المراحل المختلفة من التجارب، يقدم مصنعو اللقاح تقريراً إلى هيئة تنظيمية مثل وكالة الأدوية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية للموافقة عليها. بعد الموافقة، يمكن إتاحة اللقاح للجمهور. ويعلق البروفيسور فين على ذلك بقوله: «إذا تم الحصول على الموافقة، فإن الخبراء الوطنيين يقررون ما إذا كانوا سيوصون باللقاح لجميع الأطفال، أو المجموعات المعرضة للخطر أو لإتاحته دون إضافته إلى جدول التحصين الروتيني».
في هذه المرحلة، تجري المراقبة المستمرة لتأثير اللقاح كجزء مما يمكن تسميته تجارب المرحلة الرابعة، ويتم تشجيع الأطباء على الإبلاغ عن أي آثار جانبية واضحة غير متوقعة بحسب البروفسور فين. ويختم حديثه بالقول: «بمجرد أن يتم ذلك، يمكن إجراء دراسات الترصد للمرحلة الرابعة للبحث عن الاتجاهات في المرض - ونأمل أن الاتجاهات نزولية. بشكل نموذجي، يتم تقديم نسبة كبيرة من السكان - عادة من الأطفال الصغار - لتلقي اللقاح. في كثير من الحالات، تمنع اللقاحات المرض ليس فقط بين أولئك الذين تلقوها، ولكن أيضاً تقلل من انتقالها إلى الآخرين الذين لم يتم تلقيحهم أيضاً. إذا كنت تحسب بعناية عدد الحالات التي تأتي من خلال نظامك الصحي، فيمكنك تتبع المرض، لأنه يصبح نادراً أو حتى يختفي تماماً في بعض الحالات».