دولة القراءة
لا تقدمَ من دون معرفة، تلك حقيقة يعرفها الجميع، كما تثبتها وقائع التاريخ وتجارب الأمم، ولا معرفة أيضاً من دون قراءة، بل من دون تحقيق مستويات عليا من القراءة بين شرائح المجتمع كافة، وهو الأمر الذي أدركته الإمارات؛ فأخذت على عاتقها مسألة الارتقاء بالقراءة والوصول بها لكي تكون نشاطاً يومياً يمارسه الجميع من الخليج إلى المحيط؛ فالإمارات في كافة مشروعاتها وبرامجها تضع المعرفة على رأس أولوياتها، وتوفر كل السبل التي من شأنها الانخراط بقوة في فضاءات المعرفة المختلفة.
ولم تتوقف الإمارات عند الأرقام والمعلومات المغلوطة المبنية على الافتراضات والاستنتاجات، والتي تشير إلى تردي وضع القراءة في العالم العربي، فجاءت نتائج مؤشر القراءة العربي، الذي أطلقته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة عام 2016 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لتدحض تلك المعلومات المغلوطة التي كانت متداولة من قبل.
قصة الإمارات مع القراءة تحتاج إلى وقفات من نوع خاص؛ فمشروعات القراءة هنا جاءت بمذاق مختلف، حتى باتت القراءة الشغل الشاغل للجميع.
بك يا مزنة وأمثالك من الطاب
العرب نتفاءل بأن القادم أجملمن تغريدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،
يبارك فيها للطالبة مزنة نجيب الفائزة في تحدي القراءة العربي
على مستوى الإمارات 2019 .
في 16 سبتمبر 2015 أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «تحدي القراءة العربي »، وحينذاك قال سموه: «العالم العربي يمر اليوم بأزمة قراءة ومعرفة، والأرقام التي نسمعها في هذا المجال صادمة »، ولذلك جاءت مبادرة التحدي لتتجاوز صدمة الجميع في أوضاع القراءة، وتوفر خمسين مليون كتاب في المرحلة الأولى لمليون طالب عربي، والهدف أن يقرأ كل طالب في العام الأول خمسين كتاباً.
ولكن لماذا بدأت استراتيجية القراءة بالطاب؟ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «أول كتاب يمسكه الطاب يكتب أول سطر في مستقبلهم ،» هو الحلم بمستقبل أجمل وأفضل، ومن هنا كانت متابعة سموه الدائمة لكل ما يتعلق بالقراءة، وحنوه الأبوي على المتفوقين فيها. ولنا أن نتصور ذلك الجهد الذي سيبذله كل طالب في قراءة هذا العدد من الكتب، ولكن لنتخيل الحصاد الأكبر؛ فقراءة 50 كتاباً في العام في هذا العمر الصغير سيؤسس با شك لجمهور من القرّاء يؤثر في بيئته بما يتيح انتشاراً أكبر للمعلومات والنهوض بالتفكير العقلاني والإيمان بأهمية العلم والتقدم.
ولم يقف الطموح الإماراتي عند هذا الحد؛ إذ أعلنت الدولة عام 2016 عاماً للقراءة، وخصصت شهر مارس من كل عام للقراءة، بل وحددت عشرية كاملة للقراءة ) 2016 - 2026 (، وصدر أول قانون للقراءة، ولم تلبث الدولة بأكملها أن احتفت بالقراءة، من خال جلسات عصف ذهني، ومبادرات في الوزارات والمؤسسات والهيئات المختلفة، وفعاليات وأنشطة عدة تهدف إلى الوصول بالكتاب إلى كل مكان. أصبحت القراءة شغل الوزير، كما هي هم المثقف. تحولت إلى تحدٍّ بالنسبة للطالب ونشاط بالنسبة للموظف. ووقف وراء كل ذلك بنية تحتية متطورة؛ ففي الإمارات العديد من معارض الكتب، وفيها مكتبات ضخمة تدفع المتابع إلى الفخر، ولعل على رأسها مكتبة محمد بن راشد، التي تضم 8 مكتبات متخصصة ونحو مليون كتاب مطبوع وإلكتروني وسمعي، فضاً عن مبادرات مبتكرة مثل مشروع «كتاب في دقائق » الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والذي يزود المكتبة العربية بملخصات لثلاثة كتب من المؤلفات العالمية كل شهر.
اللافت في كل هذا الزخم أنه ربما تكون الإمارات الدولة الوحيدة في العالم التي تصدر قانوناً للقراءة، واستراتيجية وطنية تتضمن 30 توجهاً رئيساً في قطاعات التعليم والصحة والثقافة والإعام، وتخصص عشر سنوات كاملة للقراءة، حتى تحولت القراءة إلى مسألة تهم الجميع، نسمع من يتحدث عنها ليس في وسائل الإعام أو بين تجمعات المثقفين وحسب، ولكن النقاش حول القراءة أصبح في كل مكان، وهو في الحقيقة نقاش حول المعرفة؛ حول كيفية الدخول إلى المستقبل متسلحين بأداته الأهم والأبقى، والمتمثلة في جيل قارئ يعرف العالم من حوله، ويعرف كيف يتعامل مع التحديات المحيطة به.