القراءة عنوان التسامح
اكتشفت مجموعة من الأكاديميين من جامعات المملكة المتحدة وإيطاليا أن قراءة سلسلة روائية شعبية للأطفال شجعت على ترسيخ التسامح في الأطفال والمراهقين وحتى الشباب.
كشفت دراسة أكاديمية نُشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي التطبيقي، كيف أن سلسلة هاري بوتر الشهيرة لجي كي رولينغ قد حسنت بشكل كبير مستويات التسامح والتعاطف لدى الأطفال والمراهقين والشباب.
تقول الكاتبة هانا سبروس في موقع «سايكسنترال « :» لوحظت مستويات محسّنة من التسامح بشكل كبير فقط لدى المشاركين الذين تعاملوا مع الشخصية المركزية هاري الذي يمتلك خصالاً إيجابية مثل الشجاعة والجرأة والانفتاح .» ووفقاً للدراسة لتحسين قدرة الأطفال على التماهي مع الآخرين، ينبغي تشجيع قراءة القصص المثيرة للغاية باعتبارها استراتيجية للمساعدة على تطوير «تبنّي وجهة نظر».
وتضيف هانا سبروس: «تساعد القراءة على تعريض الأطفال للسيناريوهات والخبرات والمعتقدات خارج تجاربهم الخاصة ». كما أكد خبراء أن «القراءة يمكن أن تقلل أيضاً الميول العنيفة من خلال بناء الشبكات في أدمغتنا المسؤولة عن التخطيط والسيطرة على الاندفاع، وأشاروا إلى أن القراءة تساعد الأطفال على التفكير في المواقف».
وتشير سبروس إلى أن «تعلّم تبني وجهة نظر أمر بالغ الأهمية، لأن الأطفال لا يولدون بطبيعتهم مع قيم اجتماعية، وهم، في الواقع، مغرورون بشكل عميق وحساسون جداً للمعايير الاجتماعية السلبية مثل العنصرية. يجب أن يتم تعليم الأطفال التعاطف والسلوكيات العامة وممارستها من أجل خلق أطفال أكثر لطفاً وعطفاً يشعرون بالثقة في تحدي الآراء الثقافية السلبية ».
إن تجربة القراءة العميقة، كونها نشاط إبداعي مكثف، تتيح للأطفال استعراض أجزاء الدماغ، حيث يتم تطوير المهارات المعرفية مثل الحساسية والتعاطف والوعي الذاتي، بحسب سبروس.
شخصيات متسامحة
وجدت الدراسة أنه عندما قرأ المشاركون الذين تماهوا مع شخصية هاري في مواقفه تجاه المجموعات الخيالية الموصومة اجتماعياً، مثل الجان المنزلي والسحرة المهجنين، انعكست بعد ذلك مواقفه الشاملة من قبل المشاركين تجاه مجموعات اجتماعية تعاني التهميش والوصم الاجتماعي في الواقع. وذكرت الدراسة أيضاً أنه عندما لا يتعاطف الأطفال مع شخصيات مثل فولدمورت ودراكو مالفوي، فإنهم يغيرون مواقفهم لمعارضة الشخصيات التي تحمل السمات السلبية.
تقول هانا سبروس: «الأشرار الدجالون مثل فولدمورت ممن يرسمون أوجه تشابه دقيقة مع شخصيات واقعية يقدمون طريقة فعالة لتعليم الأطفال كيفية الاحتفاء بالاختلاف وتقديره. علاوة على ذلك، فإنه يوضح بطريقة صديقة للطفل الضرر الذي يمكن أن تسببه وجهات النظر ضد مسألة نقاء الدم في عالم السحرة والتمييز العنصري في العالم الحقيقي»
استخدمت الدراسة الأولية مجموعة مكونة من 32 طفلاً من أطفال المدارس الابتدائية الإيطالية الذين قسموا إلى مجموعات صغيرة. تم تزويد بعض المجموعات بمقاطع ناقشت بشدة موضوعات التسامح ونتائجها، في حين حصلت المجموعات الأخرى على مقاطع وصفية كان موضوعها أخف بكثير.
أجرى أحد الباحثين على مدى ستة أسابيع جلسات مع الأطفال، وقام بقراءة ومناقشة أفكارهم بشأن المقاطع التي يقرؤونها. دعم هذا التدخل التجريبي، إلى جانب الاختبارات التي تم التحكم فيها لاحقاً، الفرضية الأولية للباحث وهي أن موضوعات التسامح والعدالة في الكتب ستساعد على تحسين مواقف المشاركين، لا سيما مع وجود عبارات كثيرة في سلسلة هاري بوتر تحث على التسامح والحب وتقدير الآخرين مثل: «الاختلافات في العادة واللغة ليست شيئاً على الإطلاق إذا كانت أهدافنا متطابقة وقلوبنا مفتوحة ،» و «لا تشفق على الموتى يا هاري. أشفق على الأحياء، وقبل كل شيء أولئك الذين يعيشون بدون حب »، وأيضاً: «الأوقات المظلمة تنتظرنا، وسوف يكون هناك وقت يجب أن نختار فيه بين ما هو سهل وما هو صحيح».
يمكن أن تقلّل القراءة الميول العنيفة لدى
الأطفال من خ ال بناء شبكات في أدمغتنا
المسؤولة عن التخطيط والسيطرة على الاندفاع
جمع الباحثون آراء الأطفال حول الفئات الاجتماعية الموصومة اجتماعياً مثل المهاجرين واللاجئين والمهمشين قبل وبعد قراءة المقاطع لقياس التغيرات في مستويات التسامح تجاه الآخرين. في الواقع، تعد قراءة كتب هاري بوتر أيضاً طريقة مؤثرة للتعامل مع الموضوعات الحساسة مع الأطفال. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الظلامية في كتب رولينغ، مثل الحروب الضخمة والمدمرة وموت والدي هاري، لكن نجد في المقابل أن هناك قدراً كبيراً من النور والشجاعة في نفوسهم أيضاً. تُعلِّم الكتب الأطفال "على الصمود" كما يقول دمبلدور، والنضال دائماً من أجل العدالة.
التفاعلات الرمزية
كما نجد في هذه السلسلة الشهيرة كيف أن شباناً مثل هاري بوتر، ونيفيل لونجبوتوم، وهيرميون جرانجر يتحلون بالشجاعة والتعاطف؛ بالتالي فإن تمثيل هؤلاء الأطفال الخياليين يخلق قدوة حية للأطفال. ووفقاً للنظرية المعرفية الاجتماعية التي طرحها ألبرت باندورا، الأستاذ بجامعة ستانفورد، يمكن لهذه المواقف أن تشق طريقها بعيداً عن الصفحة المقروءة وتتجه إلى ذهن الطفل وحياته.
عندما يتعرض القرّاء لتجارب غير مباشرة من خلال الخيال، فإنهم يعلمون الاستجابات الفكرية والعاطفية الفعلية التي تظهرها الشخصيات. توصف هذه العملية ب «التفاعل الرمزي ». بالتالي، عندما يقرأ الأطفال كيف يتصرف هاري في مواقف معينة، يشاركون في الأداء بشكل ذهني لقيم وعواطف هاري من خلال التماهي مع الراوي، ويشاركون في عمل خيالي يسمح لهم بالتعاطف ليس فقط مع هاري، ولكن مع الشخصيات التي يتفاعلون معها أيضاً، بحسب باندورا. وتختم بروس كلامها: «نظراً لأن هاري قدوة إيجابية، فإن فعل الخيال هذا قد يساعد الأطفال على الشعور براحة أكبر في التحدث ضد التمييز. توفر الكتب فرصة للأطفال لإظهار أنفسهم عقلياً في دور يكونون فيه أكثر قدرة على فهم الفئات الاجتماعية الموصومة والتحدث ضد الظلم».
التسامح في المدارس
في السياق ذاته، كتبت الكاتبة كيلي مورغان في موقع «فايت هيتريد « :» إذا استطاع القرّاء الشباب أن يتعلموا التسامح والتعاطف أثناء قراءة هاري بوتر، فما الذي يمكن أن يحدث إذا منحنا لجيل من الطلاب فرصة لقراءة هاري بوتر؟ إنها بالفعل جزء من الثقافة الشعبية وهي سلسلة معروفة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن المسلسل صغير جداً مقارنة بأعمال شكسبير وهاربر لي، فإن هذا ليس عذراً كافياً لإبقائه خارج قائمة القراءة في المدارس ». وأضافت: «إذا قمنا بتثقيف طلابنا الشباب وتزويدهم بأفكار التعاطف والتسامح والقبول، يمكن أن نحصل على التغيير الذي نحتاجه لإنهاء الوصم الاجتماعي في جميع أنحاء العالم. وفي عصرنا، قد نحتاج فقط إلى المزيد من الأشخاص المتعاطفين لتغيير المجتمع».
توفر الكتب فرصة للأطفال لإظهار أنفسهم
عقلياً في دور يكونون فيه أكثر قدرة
على فهم الفئات الاجتماعية الموصومة
والتحدث ضد الظلم
كلمات في التسامح
«إن التسامح مع الذين يتفقون معك فقط لا يعدّ تسامحاً على الإطاق »
راي أ. ديفيس، مؤلف
«لا يمكن للقوانين وحدها ضمان حرية التعبير. من أجل أن يقدم كل إنسان وجهة نظره دون عقاب، يجب أن تسود روح التسامح بين جميع السكان »
ألبرت إينشتاين، عالم فيزيائي
«التسامح لا يعني عدم وجود معتقدات. يتعلق الأمر بالكيفية التي تدفعك إلى معاملة الأشخاص الذين يختلفون معك »
تيموثي كيلر، عالم في اللاهوت
«إذا استطعنا النظر في قلوب بعضنا، وفهم التحديات الفريدة التي يواجهها كل منا، أعتقد أننا سنعامل بعضنا بلطف أكثر، وبمزيد من الحب والصبر والتسامح والرعاية »
مارفين أشتون، كاتب
«التسامح هو امتاك قلب أو روح يحتضن في جميع الأوقات ضعف الناس ونقصهم، بهدف ترسيخ السام وتعزيز الصداقة »
جون إبينو، طبيب وأسقف