«التسامح في تاريخ العالم » قراءة قبول الآخر عبر الزمن
جمع بين العديد من الدراسات المميزة حول التسامح لإيجاد مجموعة عالمية وشاملة
يجمع هذا المجلد بين العديد من الدراسات المميزة حول التسامح لإيجاد مجموعة عالمية وشاملة. وفي نص موجز، يقوم المؤلف بيتر ستيرنز بعمل روابط عبر فترات زمنية ومناطق رئيسة، للمساعدة في توضيح السجل والعلاقة بين أنماط التسامح في الوقت الحالي وأنماط الماضي. يأتي هذا الكتاب في أوانه في ظل التوترات الواضحة حول التسامح في العالم اليوم، داخل الغرب وخارجه. ومن شأن الخلفية التاريخية أن تساعد على توضيح ملامح هذه التوترات، وتعزيز فهم أعمق للمزايا والتحديات التي يفرضها أي نهج متسامح.
يبدأ الكتاب بفصل «المجتمعات والحضارات المبكرة »، حيث يستعرض من خلاله ثلاثة أقسام فرعية، تعكس نطاقاً زمنياً واسعاً، ولكن دون الادعاء بأنها تعكس تقسيمات زمنية داخلية دقيقة: والهدف هو التعرف إلى بعض قضايا التسامح وتجلياته التي نشأت من المجتمعات الأولى، والاستمرار إلى ظهور الحضارات الكلاسيكية العظيمة ونضجها.
في القسم الأول، تكون المجتمعات البدائية نسبياً هي بؤرة الاهتمام، على الرغم من أن الفئة تحظى بطيف كبير، من الصيد وجمع الثمار إلى البيئات الزراعية الأكثر تنظيماً.
يتناول القسم الثاني أنماط التسامح، والقيود المفروضة عليه، في بعض الحضارات القديمة والكلاسيكية، مع إيلاء اهتمام خاص لمصر والشرق الأوسط، للصين واليونان وروما.
وأخيراً، يتناول القسم الثالث التسامح وسط تطور بعض الديانات المبكرة الأكثر تعقيداً، وهي الأديان التي تجاوزت الشرك المميز، والتي، مع ذلك، كانت فيها فروع تبشيرية متسقة غائبة، أو على الأقل لم تتطور بالكامل. هنا ينصب التركيز على اليهودية والهندوسية وخاصة البوذية، كما ظهرت في القرون اللاحقة قبل الميلاد.
مع أن الكتاب له وجهات
نظر خاصة إلا أنه يعبر عن
قراءة الآخرين للتسامح في
تاريخ العالم
وفي الفصل الثالث من الكتاب، وتحت عنوان «المسيحية والإسلام » يبين المؤلف أن ظهور أكبر ديانتين سماويتين، المسيحية والإسلام، لم يغير بالكامل السياق بالنسبة إلى التسامح. فلم تنتشر الديانتان في كل مكان، مما يعني أن التقاليد الإقليمية الأخرى، كما في الصين أو الهند إلى حد ما، لا تزال قابلة للتطبيق.
وقد استنسخت كلتاهما بعض الأساليب السابقة للتسامح، بما في ذلك في حالة الإسلام رغبة في قبول وجود الديانات الأخرى، حتى مع اعتبارها أقل شأناً. علاوة على ذلك، تمت مشاركة بعض القضايا التي أحدثتها الديانتان الجديدتان السماويتان مع أديان أخرى، لا سيما اليهودية والبوذية. وقد تقدمت هاتان الديانتان أيضاً ببعض طروحات الحقيقة الخاصة، والتي على الأقل قد تعقد التسامح. كانت للبوذية، على وجه الخصوص، صفات تبشيرية خاصة بها، مما يعني أن بعض مؤيديها كانوا يعتقدون أن لديهم إيماناً متميزاً يجب أن يؤخذ، وأشخاص قد يكونون بغير ذلك محبوسين في معتقدات وممارسات أدنى.
أما الفصل الرابع من الكتاب، فيتحدث فيه الكاتب عن « اتجاهات جديدة وتحديات جديدة.. الفترة الحديثة المبكرة 1750 - 1450 »، والذي يبين فيه أن بزوغ إمبراطوريات جديدة في آسيا وأوروبا الشرقية والأمريكتين وفّر مزيداً من المناسبات للحكام لمحاولة معرفة مزيج التسامح وسيطرة الدولة اللذين من شأنهما أن يضمنا الاستقرار، وتباينت الأجوبة، كما كانت الحال في الماضي.
استمر التقليد الإسلامي الخاص بالتسامح المعتدل على العموم، ولكن ظهور حدود سياسية جديدة أوجد بعض العلاقات الجديدة بين الدول وصناعات بعينها من الإسلام. يستعرض هذا الفصل في قسميه الأولين هذه التحسينات، من حيث السياسات الإمبراطورية والتعديات داخل الإسلام. كانت هذه الفترة ببعض الطرق هي الأخيرة التي تمكنت فيها أنواع الإمبراطوريات القديمة - التي نسميها في الصياغة المعاصرة بإمبراطوريات متعددة الجنسيات - من الازدهار، وبالتالي فإن سياساتها تستحق الاهتمام كخلفية لمضاعفات أكثر حداثة ناتجة عن صعود الهويات الوطنية. نجاح التقاليد الإسلامية عبر معظم هذه الفترة يستدعي التأكيد كذلك، ولكن ظهرت عدة أسئلة جديدة حول بعض الضوابط المثيرة للقلق.
وفي الفصل الخامس يتعرض المؤلف التسامح في القرن التاسع عشر الطويل: انتصارات جديدة وتحديات جديدة من الثورات الأطلسية إلى الحربين العالميتين، ويظهر من خلاله أن الثورات السياسية والاجتماعية التي شكلت بداية الفترة في العالم الأطلسي، سمحت بترجمة الأفكار السابقة حول التسامح إلى سياسة فعلية أبعد بكثير مما كان قد تمت المخاطرة به، على سبيل المثال، في بريطانيا القرن السابع عشر أو من قبل ملوك أوروبا الوسطى «المستنيرين ». أصبح التسامح الديني والفكري مقدساً، أو على الأقل مدعوماً على نطاق واسع، كحق أساسي من حقوق الإنسان، وتجاوزت النتائج العلاقات داخل المسيحية. واجهت المجتمعات الأخرى أيضاً، المهتمة في النهاية بدراسة الابتكارات الغربية كجزء من تنميتها الاقتصادية والسياسية، قرارات جديدة بشأن التسامح، كما في حالة اليابان بعد عام 1868 .
لا ريب أن الكتاب، له وجهات نظر خاصة به، قد يوافقه فيها البعض ويختلف معه الكثير، إلا أن الكتاب يعبر عن وجهة نظر الآخرين نحو قراءة تاريخ التسامح في تاريخ العالم، وكيف يمكن أن تتعزز قيمته بالنظر إلى ما مر به من حقب تاريخية نجحت محاولات تعزيز هذه القيمة في بعضها وأخفقت في الكثير منها. وهذا ما يدعو إلى انتهاج هذا النهج لاكتساب ما يمكن من فوائد التسامح على المستوى المجتمعي والسياسي أيضاً.