جنوب أفريقيا.. البوابة التجارية والمعرفية للقارة السمراء
تلعب جنوب إفريقيا منذ ما يزيد على عقدين من الزمن دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، وتشكِّل حالة اقتصادية متطورة في مجال التبادل التجاري الإقليمي والعالمي، بناتج محلي يصل إلى نحو 350 مليار دولار، وعدد سكان يصل إلى ما يقارب 58 مليون نسمة. ذاك الدور برز بشكل واضح بعد انضمامها عام 2010 إلى مجموعة بريكس التي تأسَّست في الهند عام 2006 ، والتي تشمل أيضاً الصين، روسيا، الهند والبرازيل، وتغطي نحو ربع إجمالي الناتج العالمي، وما يقرب من 45 % من سكان العالم.
تشير بيانات مؤشر المعرفة العالمي، الذي تُصدره مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أنَّ جنوب أفريقيا من الدول التي شهدت تحسُّناً جيداً في مستوى المعرفة في القطاعات السبعة التي يغطيها المؤشر.
واحتلت المركز الثالث على قارة إفريقيا، بتقدم بلغ 4 مراكز عمّا كانت عليه في 2017 ، ويسبقها في الترتيب كلٌّ من سيشيل وموريشيوس، اللتين لم تشهدا تطوراً مماثلاً لما شهدته جنوب إفريقيا في مجالات مؤشر المعرفة العالمي بين عامي 2017 و 2018 . والملاحظ أنَّ الاهتمام بالتعليم وممكناته المختلفة كان على رأس اهتمامات الحكومة في جنوب إفريقيا، ما جعلها تحتلُّ المرتبة الأولى عالمياً في مجال نسبة المعلمين المدربين في مرحلة التعليم الثانوي، والمرتبة الأولى عالمياً أيضاً في مجال الطلاب الملتحقين ببرامج مهنية وتقنية ما بعد المرحلة الثانوية، والمرتبة 20 عالمياً في محور نسبة الطلاب الملتحقين بجامعات مصنفة عالمياً. والملاحظ أيضاً أنَّ قطاع البحث والتطوير والابتكار، الذي يضعها في الترتيب 52 عالمياً بين 134 دولة، هو القطاع الأكثر تأثيراً في المكونات السبعة لمؤشر المعرفة. فقد احتلَّ التعليم العالي المرتبة 58 عالمياً، ثمَّ الاقتصاد 67 ، ثمَّ تكنولويجا المعلومات والاتصالات 70 ، ثمَّ التعليم قبل الجامعي 92 ، وأخيراً التعليم التقني والتدريب المهني في المرتبة 107 عالمياً.
أمّا قطاع البيئات التمكينية فيشير إلى أنَّ جنوب إفريقيا جاءت في المركز السادس عالمياً في مجال مشاركة الإناث إلى الذكور في البرلمان، كما أنها تحتل موقعاً جيداً في مجال البعد المؤسسي للتمكين، حيث تقع في المركز 38 على مستوى الدول المشمولة في المؤشر العالمي والبالغ عددها 134 دولة. وبالعودة إلى القطاعات الستة الرئيسة في مؤشر المعرفة العالمي، يُلاحظ أنه في الوقت الذي يضع قطاع التعليم قبل الجامعي، أي التعليم المدرسي، الدولة في المركز 11 عالمياً من حيث نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم الأساسي، إلا أنَّ رأس المال المعرفي في ذلك القطاع يضع الدولة في المركز 93 عالمياً، في حين تتبوأ المركز 82 عالمياً في مجال البيئة التمكينية التعليمية.
أمّا قطاع التعليم التقني والتدريب المهني، والذي تحتلُّ فيه الدولة مركزاً متأخراً نسبياً، 107 من 134 دولة، فإنَّ التحدي الأساسي في هذا القطاع يكمن في تراجع مستوى التكوين والتدريب المهني، خاصة فيما يتعلَّق ببنية التعليم التقني، وكذلك مؤهلات القوة العاملة ورأس المال البشري.
وبالانتقال إلى قطاع التعليم الجامعي، والذي تحتلُّ فيه الدولة المركز 58 عالمياً، فإنه يتميَّز بمستوى مخرجات قطاع التعليم الجامعي، بمركز متقدم نسبياً هو 47 على المستوى العالمي، وتقع فيه الدولة في المركز 31 من حيث عدد الجامعات المصنفة عالمياً، والمركز 34 من حيث كفاءة الطلاب. وتسجل دولة جنوب إفريقيا مركزاً جيداً في مجال الابتكار المجتمعي، وتقع في المركز 48 عالمياً، كما أنَّ محور مدخلات الابتكار المجتمعي في مكوّن قطاع البحث والتطوير والابتكار يضع الدولة في المركز 26 عالمياً، الأمر الذي يشير إلى اهتمامٍ كبيرٍ نسبياً بممكّنات ذلك المجال، ولعلَّ من الملاحظ هنا أنَّ الدولة تتربَّع على المركز 12 عالمياً في مجال كثافة الأعمال الجديدة، والمركز 8 عالمياً في مجال منتجات قطاع الطباعة والنشر. أمّا في مجال قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإنَّ الدولة تقع في مركزٍ متوسط عالمياً، 70 من 134 دولة، بيد أنَّ تحليل مكونات مؤشر المعرفة العالمي لهذا القطاع يشير إلى اهتمام كبير من قِبَل الدولة بمخرجات قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصة فيما يتعلّق بانتشار الهاتف المحمول، حيث تتبوَّأ الدولة المركز 8 عالمياً، وفي مجال استخدامات الحكومة والمؤسسات لهذا القطاع، حيث تحتلُّ جنوب إفريقيا المركز 30 بين 134 دولة حول العالم، وكذلك مجال براءات الاختراع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث تقع في المركز 48 .
وتعدُّ مشكلة التأثيرات الاجتماعية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومستوى تنافسية القطاع من التحديات التي يواجهها هذا القطاع على مستوى الدولة.
أمّا في مجال قطاع الاقتصاد، الذي تحتلُّ فيه الدولة المركز 67 عالمياً، فإنَّ التحدي الواضح من مكوِّنات ذلك القطاع يكمن في مجال الانفتاح الاقتصادي، وخاصة نسبة التجارة الخارجية، ومستوى المقومات التنافسية، خاصة ما يتعلّق بالاستثمارات الخارجية، وصافي تدفقات الاستثمار الخارجي المباشر. وتسعى الدولة بشكل حثيث إلى تحسين المستوى التنافسي، والانخراط بشكل أكبر في التجارة العالمية والتبادل التجاري العالمي. ومما لا شك فيه أنَّ السنوات القادمة ستعكس تطوراً محورياً لدولة جنوب إفريقيا في مجال المعرفة، ممثلاً بمؤشر المعرفة العالمي، خاصة أنَّ الاهتمام بات واضحاً بقطاعات المؤشر الرئيسة الستة، وخاصة تلك المتعلقة بالتعليم، والبحث والتطوير والابتكار. ولعلَّ من الواضح أيضاً أنَّ الدولة بحاجة ماسة إلى تطوير دور قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصاد الوطني، وفي استغلاله لرفع مستوى المعرفة والتنمية في القطاعات الخمسة الأخرى. ولعلَّ دولة جنوب إفريقيا تسجِّل مستقبلاً واحدة من الدولة الأكثر تطوراً في مجال المعرفة وآثارها التنموية، إذا ما قامت بتحسين بعض المؤشرات الرئيسة المكونة لقطاعات المؤشر المختلفة.
أسبوع إفريقيا التجاري
على مدى ثلاثة أيام أقيم معرض «أسبوع أفريقيا التجاري » الذي انطلق في جوهانسبرغ، عاصمة دولة جنوب إفريقيا، خلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو الماضي، بحضور ما يقرب من 10 آلاف مشارك من 53 دولة، وضمن رؤية جنوب إفريقية عنوانها الرئيس «إفريقيا.. الموطن الجديد للتجارة ». وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أهم المشاركين في ذلك الأسبوع، حيث شاركت بوفد رفيع المستوى وبجناح كان ثاني أكبر أجنحة الدول المشاركة. وتتجه النية إلى زيادة الاستثمارات الإماراتية في جنوب إفريقيا لتصل إلى ما يزيد على 14 مليار دولار، وبزيادة تربو على 40 % عمّا كانت عليه في الأعوام السابقة.