الذكاء الاصطناعي واستشراف المعرفة
مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة تنتج وتنشر المعرفة عالمياً
بفضل توجيهات سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، تحقق المؤسسة سجلاً حافاً بالنجاحات والإنجازات البارزة، التي عزَّزت من خلالها مكانتها الرائدة، بصفتها جهة معنية بنقل ونشر وإنتاج المعرفة في المنطقة والعالم، وسارت هذه الإنجازات في خط متوازٍ مع رؤية دولة الإمارات الرامية إلى بناء مجتمعات المعرفة.
من خال قمة المعرفة التي تعقدها المؤسسة في ديسمبر من كل عام، تنعقد أهم الجلسات المعرفية لمناقشة آخر ما توصلت إليه العلوم على مستوى العالم، فضاً عن أن المؤسسة تحاول من خال شراكاتها الدولية إطاق مبادرات معرفية مهمة تعزّز مكانة اللغة العربية، وترعى برامج مهمة مثل ملتقى العرب للابتكار، وملتقى المتخصصين العرب، واستراحة سيدات، وبالعربي، وعائلتي تقرأ، ومتحف نوبل، وغيرها من المبادرات والبرامج.
لم تقتصر حدود المهمة النبيلة لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في نشر المعرفة في الإمارات فقط، بل عملت على نقلها إلى الأشقاء العرب، وعقدت شراكات لدعم المبتكرين والمبدعين العرب أينما كانوا، لا بل أطلقت المؤسسة جائزة محمد بن راشد للمعرفة لتكريم الإنجازات والمبدعين على مستوى العالم، إلى جانب مؤشر المعرفة العالمي.
كما تلعب المؤسسة دوراً مهماً في إنتاج المعرفة من خلال الكتب والمنشورات والشراكات في إطار النشر، ولعل من أهم ما يصدر عنها أيضاً تقارير استشراف المعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي نحاول في هذا العدد أن نقتبس من "تقرير اسشراف المعرفة 2018 " مقالاً عن تكنولوجيات المستقبل واستشراف المعرفة، وخاصة الذكاء الاصطناعي.
تكنولوجيات المستقبل
عند الحديث عن مستقبل المجتمعات، لا يمكن تناول التغيير التكنولوجي بمعزل عن الظواهر الأخرى؛ فالقوى أو الاتجاهات الأخرى، مثل العولمة والاستدامة والتحولات الديموغرافية والتحضر، ستؤثر بدورها على الحالة المستقبلية للاقتصاد وعلى مستقبل العمل. لذلك، إذا كنا نريد أن نفهم كيف سيتشكل المستقبل، فعلينا الاعتراف بالتفاعات ضمن هذه الاتجاهات لأنها غالباً ما تعزز بعضها البعض.
ويُعتقد أن أنواعاً معينة من التكنولوجيات يمكن أن تساعد في التغلب على معظم التحديات المرتبطة بهذه الاتجاهات، مثل شيخوخة السكان وزيادة شح الموارد (بما في ذلك نقص الغذاء في الاقتصادات النامية) وتزايد حالات عدم المساواة.
وتطلق المفوضية الأوروبية على هذه التكنولوجيات اسم "التكنولوجيات الرئيسية"، ويشار إليها أيضاً باسم "التكنولوجيات الأسيّة"، ولكننا سنشير إليها في هذا التقرير باسم "تكنولوجيات التمكين الرئيسية"، وهي تتسم بسمتين أساسيتين، أولاهما أنها تشكل مجتمعةً نظاماً بيئياً تستفيد فيه كل واحدة منها من تطور التكنولوجيات الأخرى للمستقبل، وتعزز في الوقت ذاته ذلك التطور، أي أن التكنولوجيات الجديدة التي تستند إلى التكنولوجيات القائمة تحسن من أداء تلك التكنولوجيات القائمة والعكس بالعكس.
أما السمة الثانية فتتمثل في أن هذه التكنولوجيات تؤدي إلى تسارع أسي في الابتكار، حيث يؤدي كل تطور تكنولوجي إلى ابتكار يشكل بدوره منصة لمزيد من التحسين التكنولوجي والابتكار. ولذلك تساعد هذه التكنولوجيات على تطوير تطبيقات جديدة متعددة في مجموعة واسعة من القطاعات والصناعات.
وتنطبق هاتان السمتان على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وسلسلة الكتل والتكنولوجيا الحيوية. كما أنها كلها ما زالت في مرحلة مبكرة من التطوير.
وما زال أمام كل واحدة منها مجالات عديدة للبحث والتجريب والابتكار في المستقبل، مما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. لذلك فإننا نعتقد أن هذه التكنولوجيات الأربعة تمثل محاور جيدة مرشّحة للرهان والاستثمار مستقبلاً، حيث يمكن استخدامها معاً لبناء حلول أسرع وأدق للتحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً في العالم مما يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي حددتها الأمم المتحدة.
الذكاء الاصطناعي
يشير الذكاء الاصطناعي إلى قدرة كمبيوتر أو روبوت مدعم بكمبيوتر على معالجة المعلومات والوصول إلى نتائج بطريقة مماثلة لعملية التفكير لدى البشر في التعلم واتخاذ القرارات وحل المشاكل. وبالتالي، فإن هدف أنظمة الذكاء الاصطناعي هو تطوير أنظمة قادرة على معالجة المشاكل المعقدة بطرق مشابهة للعمليات المنطقية والاستدلال عند البشر. يتسارع التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل التطور في التكنولوجيات الرئيسية الأخرى.
نشأ المفهوم الأولي للذكاء الاصطناعي في الأربعينيات من القرن العشرين، ووصل إلى ما هو عليه اليوم بسبب تضافر ستة عوامل، من بينها العوامل التكنولوجية الأربعة التالية:
1. البيانات الضخمة: إن توفر كميات أكبر من البيانات ومصادرها (المنظمة وغير المنظمة) اليوم يسمح بوجود قدرات ذكاء اصطناعي لم تكن ممكنة في الماضي بسبب نقص البيانات والحجم المحدود للعينات.
2. الحوسبة السحابية: أدت الاختراقات في تكنولوجيا الحوسبة السحابية إلى خفض تكلفة وزيادة سرعة التعامل مع كميات كبيرة من البيانات عبر أنظمة معززة بالذكاء الاصطناعي من خال المعالجة المتوازية.
3. منصات وسائل التواصل الاجتماعي: ساهم وجود تجمعات مفتوحة المصدر تطور وتتبادل أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تسهيل تقدم العديد من جوانب الذكاء الاصطناعي مثل التعلم العميق والتعزيز.
4. البرامج والبيانات مفتوحة المصدر: كما أن البرامج والبيانات مفتوحة المصدر تسرع استخدام الذكاء الاصطناعي لأنها تسمح بقضاء وقت أقل في البرمجة الروتينية وتوحيد الصناعة.
عصر جديد
إن التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي تبشر بعصر جديد للعديد من التكنولوجيات الأخرى. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تكنولوجيا السحابة، تماماً مثلما تساهم تكنولوجيا السحابة في تطوير الذكاء الاصطناعي. ودمج الاثنين معاً يمكن أن يؤدي إلى تغيير طريقة تخزين البيانات ومعالجتها في مناطق جغرافية متنوعة. كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في مجال التكنولوجيا الحيوية، حيث يظهر التعلم الآلي فرصة كبيرة لجعل اكتشاف الأدوية أرخص وأسرع.
ويُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم لتوقع حجم المحاصيل من الفضاء وأتمتة المجاهر لتشخيص الملاريا وتقديم الدعم للعماء بلغات متعددة. وهذه ليست سوى أمثلة قليلة على كيفية استفادة القطاعات المختلفة من هذه التكنولوجيا. ويعتقد أكثر من 60 بالمائة من المستهلكين وصانعي القرار في الشركات، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تقديم الحلول لأهم المشاكل التي تواجه المجتمع الحديث، بدءاً من الطاقة النظيفة، ووصولاً إلى السرطان والأمراض.
كما أنّه، من خال تخصيص العقاقير والعلاجات، يمكن للتكنولوجيا تحقيق ادخارات تصل إلى 8.45 تريليون يورو في قطاع الرعاية الصحية. وفي قطاع الطاقة، يستطيع الذكاء الاصطناعي خفض استخدام الكهرباء على المستوى الوطني بنسبة 10 بالمائة من خال استخدام التعلم العميق لمطابقة توليد الطاقة والطلب عليها وزيادة الكفاءة واستخدام وتخزين الطاقة المتاحة. كما يمكن للتعلم الآلي أن يحقق توفيراً في استهلاك الوقود بنسبة 12 بالمائة للمصنعين والعماء وشركات الطيران من خال تحسين مسارات الرحلات.
وتعمل تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي على إيجاد طرق جديدة ومتنوعة لحماية وإدارة المحيطات على نحو مستدام. لأجل حماية الأنواع البحرية المهددة بالانقراض، يمكن للأنظمة الجديدة استخدام تحليات الصور والتعلم الآلي لتتبع أعداد ومواقع الأنواع الدخيلة. كما يمكن استخدام الروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة ظروف المحيطات من خال الكشف عن مستويات التلوث وتتبع التغيرات في درجة الحرارة ودرجة الحموضة في المحيطات بسبب تغير المناخ.
لذلك، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ السابع (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة) والثالث عشر (العمل المناخي) والرابع عشر (الحياة تحت الماء) والخامس عشر (الحياة في البر).