سباق إفريقيا ضد فيروس كورونا المستجد
هناك المزيد من الإشارات المقلقة بأن فيروس كورونا المستجد قد أصبح متجذراً في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية، وهي المنطقة الأكثر فقراً في العالم. وتكاد نافذة الفرصة لمنع كارثة إنسانية تكون مفتوحة، ولكن إبقاءها مفتوحة سيتطلب تحركاً فعالاً على المستوى المحلي وتعاوناً دولياً.
إن العدد المنخفض حتى الآن من حالات المرض المعلنة في إفريقيا زاد من مشاعر الثقة الزائدة بالنفس وعدم التحرك وربما حرارة الجو الأكثر ارتفاعاً هي التي حدت من معدلات انتشار فيروس كورونا المستجد، وفي منطقة فيها أطفال أكثر )وهم أقل عرضة للمرض(، وعدد أقل من كبار السن مقارنة بمناطق أخرى من العالم، أطلق بعض الخبراء تخمينات بأن العامل السكاني كان يوفر بعض الحماية كذلك.
لكن وقت الثقة الزائدة بالنفس وعدم التحرك قد انتهى. لقد حثّ مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وهو وزير صحة سابق في إثيوبيا، إفريقيا على أن تستيقظ من سباتها وتبدأ بالتعامل مع تهديد فيروس كورونا المستجد. تستعد الحكومات والجهات المانحة للمساعدات حالياً للأسوأ بسبب هذه الاستجابة المتأخرة لمسار الفيروس المستجد والتي تشبه التجربة الأوروبية، أي عدد صغير من الإصابات في البداية ثم تزيد تلك الحالات لاحقاً وبشكل متسارع.
لكن الأرقام الرئيسة تحجب مدى التهديد الذي تشكله هذه الجائحة، فمع وجود أعداد قليلة من البلدان المجهزة لاختبار فيروس كورونا المستجد، فإن من الممكن أن الحالات التي تم الإعلان عنها هي فقط قمة جبل الجليد والأعداد تتزايد بسرعة، وبينما معظم الحالات في البداية كانت "مستوردة" من قبل زوار وصلوا من أوروبا فإن بعض الدول – بما في ذلك جنوب إفريقيا والسنغال وكينيا وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية – قد بدؤوا يعلنون عن انتقال العدوى ضمن المجتمعات المحلية.
يعمل العديد من الحكومات الإفريقية حالياً بعزم أكبر من بعض الحكومات الأوروبية. تقوم دول مثل السنغال ونيجيريا حالياً بفحص الحالات وتتبعها. والمطارات إما مغلقة بالكامل أو لم تعد تستقبل الزوار من بلاد لديها أعداد كبيرة من الحالات المعلنة. لقد تم منع التجمعات العامة والجنازات في غانا، كما تم إغلاق المدارس في عدة بلدان، بالإضافة إلى التشجيع على التباعد الاجتماعي.
لكن الحكومات والمجتمعات الإفريقية لا تستطيع احتواء المرض وحدها، وحتى مع الدعم المالي الذي يصل لعدة مليارات من الدولارات، فإن بعض من أقوى الأنظمة الصحية في العالم تعاني بسبب الضغط الناتج عن تفشي فيروس كورونا المستجد. فحوالي ثلث المرضى الذين يتم إدخالهم المستشفيات يحتاجون للعناية المركزة، مما يعني أن فيروس كورونا المستجد يشكل ضغطاً كبيراً على المستشفيات والعاملين في القطاع الصحي والبنية التحتية الطبية وخاصة توريدات مستلزمات العناية الشخصية والأكسجين الطبي. انظروا للأزمة في منطقة لومباردي الإيطالية ونظام خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة.
الدَّين العام والقدرة المحدودة على الوصول لأسواق الائتمان
العالمية يحدان من قدرة الحكومات على زيادة الإنفاق
على شبكات الأمان الاجتماعي والصحة والبنية التحتية الاقتصادية
إذا ما فشلت الوقاية والاحتواء، وانتشر فيروس كورونا المستجد، فإن أنظمة إفريقيا الصحية لن تكون قادرة على تحمل العبء. فنقص الاستثمار المزمن مع وجود عجز يصل لأكثر من ثلاثة ملايين عامل صحي قد جعل البلدان غير قادرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية جداً للرعاية الصحية ناهيك عن الاستجابة لفيروس كورونا المستجد.
لا يوجد منطقة أبعد من إفريقيا عن التغطية الصحية الشاملة، فنصف السكان ليس لديهم القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية الحديثة. يصل الإنفاق الصحي العام بالمعدل إلى 16 دولار أمريكي للشخص الواحد فقط؛ أقل بكثير من مبلغ 86 دولار أمريكي للشخص الواحد وهو المبلغ اللازم لتمويل توفير خدمات الصحة الاساسية. يوجد فقط سبعة أسرة في المستشفى وطبيب واحد لكل 10 آلاف من السكان )إيطاليا لديها أكثر من 34 سريراً و 40 طبيباً لهذا الرقم(.
لو نظرنا إلى الأكسجين الطبي، وهو جزء حيوي من النظام العلاجي لمرضى فيروس كورونا المستجد الذين يعانون من ضيق حاد في التنفس مصاحب للالتهاب الرئوي الفيروسي لوجدنا أنه في بعض الأحيان يتم نسيان حقيقة أن إفريقيا تعاني بالفعل من وباء الالتهاب الرئوي، والذي يقتل 400 ألف طفل سنوياً، وكما أظهر استشاري طب الأطفال الاسترالي هايمش غراهام، فإن العديد من تلك الوفيات يمكن تجنبها من خلال المضادات الحيوية والأكسجين الطبي. والمشكلة أن الأكسجين الطبي نادراً ما يكون متوافراً.
في الوقت الذي تكون فيه الأنظمة الصحية موجودة في الخط الأمامي في القتال ضد فيروس كورونا المستجد، فإن هذه الجائحة تشكل تهديداً أكبر بكثير. فقد أثّر الطلب الضعيف في الصين بشكل سلبي فعلياً على أسعار السلع. وحالة الركود في أوروبا وهبوط أسعار النفط ستضر بالاقتصادات الكبرى بالمنطقة. يتم تعديل توقعات النمو الإفريقية بشكل تنازلي مع عواقب وخيمة ممكنة بالنسبة للفقر.
سيتأثر تعليم ملايين الأطفال سلباً مع إغلاق المدارس. قد يضطر الأطفال الأكثر حاجة بسبب الفقر إلى الذهاب لسوق العمل أو في حالة الفتيات المراهقات، قد يتجهن إلى الزواج المبكر.
على النقيض من الوضع في سنة 2008 ، فإن الدين العام والقدرة المحدودة على الوصول لأسواق الائتمان العالمية تحد من قدرة الحكومات على زيادة الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي والصحة والبنية التحتية الاقتصادية. إن هذه الخلفية مع الحجم الكبير لتهديد فيروس كورونا المستجد تجعل التعاون الدولي أكثر أهمية مقارنة بأي وقت مضى.
للأسف، فإن الاستجابة الدولية حتى الآن كانت تفتقر للحماسة، ولكن يسجل للبنك الدولي أنه وضع حزمة من التمويل السريع، والتي ستساعد في تعزيز الأنظمة الصحية، ولكن النقود تتدفق بشكل بطيء للغاية، ولقد أصبح من الأمور العاجلة الآن أن يتم إنفاق تمويل البنك من أجل أن يكون القطاع الصحي متأهباً وجاهزاً للتشخيص والعلاج والاحتواء فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد.
يتطلب التأهب الحقيقي تحديد الأولويات بشكل قاس، فبالإضافة إلى الترويج المبكر للتباعد الاجتماعي، فإن الدول في شرق إفريقيا التي حققت نجاحاً أكبر في احتواء الجائحة استخدمت الاختبار على نطاق واسع من أجل عزل الأشخاص الحاملين للمرض، وتعقب الأشخاص الذين خالطوهم وكسر سلاسل انتقال المرض. يتوجب على إفريقيا أن تحذو حذوهم، إذ إنه من دون المزيد من الاختبارات، فإن المرض قد يتفشى بحيث لا يتم اكتشافه إلا بعد فوات الأوان، ولهذا السبب فإن جهود وزارة التنمية الدولية البريطانية وحكومة السنغال لتطوير اختبار تشخيصي سريع، مهمة للغاية.
منظمة الصحة العالمية في وضع مثالي يؤهلها للعمل
مع وزراء الصحة الأفارقة من أجل دعم تطوير خطط الخط
الأمامي لاحتواء فيروس كورونا المستجد
لا شك أن الأسابيع القليلة القادمة حاسمة. ومنظمة الصحة العالمية في وضع مثالي يؤهلها للعمل مع وزراء الصحة الأفارقة، من أجل دعم تطوير خطط الخط الأمامي لاحتواء فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك التمويل المطلوب لأجهزة الاختبار والتشخيص والتوريدات الطبية والملابس الواقية، علماً أنه يوجد آلية جاهزة لدعم تلك الخطط ولكن الجهات المانحة فشلت في التمويل الكامل لمناشدة منظمة الصحة العالمية في يناير من أجل تمويل طارئ يصل إلى مبلغ 675 مليون دولار أمريكي.
يعدّ الدعم المالي هو الخط الثاني من الدفاع، وتحتاج إفريقيا بشكل عاجل لتعهدات من صندوق النقد الدولي من أجل ضخ السيولة. إن خطوط الائتمان الطارئة الحالية - حوالي 10 مليارات دولار أمريكي لجميع الدول ذات الدخل المحدود - محدودة للغاية، وبالإضافة إلى تقديم الأموال من أجل تحفيز الاقتصادات، يتوجب على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي العمل معاً لدعم الاستثمارات في الصحة والتعليم وشبكة الأمان الاجتماعي والتي ستكون حيوية من أجل الانتعاش الاقتصادي.
قد تبدو إفريقيا من مصادر القلق البعيدة للعالم الغني، ولكن إذا تعلمنا من فيروس كورونا المستجد شيئاً، فهو أن التهديدات الفيروسية للجائحة لا تحترم الحدود. فهذا المرض لا يمكن هزيمته في حديقتنا الخلفية، بل يجب هزيمته عالمياً، وإلا فإنه لن يتعرض للهزيمة على الإطلاق، والآن يجب أن نهزمه في إفريقيا.
* كيفن واتكنز هو الرئيس التنفيذي لمنظمة «أنقذوا الأطفال » البريطانية.