مايكل هارت.. مخترع أول كتاب إلكتروني
يعود الفضل إلى الأمريكي مايكل ستيرن هارت في إنشاء أول كتاب إلكتروني عندما كتب إعان الاستقلال الأمريكي في جهاز كمبيوتر في 4 يوليو 1971 ، وبذلك وضع أسس مشروع غوتنبرغ، الذي يعدّ أقدم وأكبر مكتبة رقمية قبل تأسس الإنترنت بشكله الراهن.
ولد مايكل ستيرن هارت في 8 مارس 1947 في تاكوما بواشنطن، وكان والده محاسباً، ووالدته مديرة لمتجر نسائي راقٍ، وفي بداياتها محللة رقمية أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم أصبح الزوجان فيما بعد مدرسين جامعيين، وفي عام 1958 وجدا شواغر وظيفية في جامعة إلينوي، في أوربانا، حيث قام والده بتدريس أعمال شكسبير ووالدته درّست الرياضيات.
بدأ مايكل في حضور المحاضرات الجامعية قبل دخوله المدرسة الثانوية، وبعد دورة دراسية فردية عن العلاقة بين الإنسان والآلة، حصل على درجة بكالوريوس العلوم في عام 1973 . وجد هارت هدف حياته عندما أعطته جامعة إلينوي، حيث كان طالباً، حساب مستخدم على جهاز كمبيوتر كبير الحجم من الجيل الثالث في مختبر أبحاث المواد بالمدرسة. عندما علم هارت أن الكمبيوتر الذي يعمل عليه قيمته 100 مليون دولار، بدأ بالتفكير في مشروع يضاهي هذا الرقم. لم تشغل خياله معالجة البيانات، التطبيق الرئيس لأجهزة الكمبيوتر في ذلك الوقت، بل ما أثار اهتمامه هو تبادل المعلومات. خاصة أنه في ذلك الوقت، كان ينحصر عمل تلك الحواسيب في القيام بمعالجة البيانات فقط، ثم يكون لديها وقت فراغ كبير بدون أن تفعل شيئاً آخر، لذا كان يمكن لمشغّلي الحاسوب استثمار أوقات فراغهم، وهكذا كان هارت في الوقت والزمان المناسبين كي يقوم بتجسيد ما يدور في ذهنه.
مشروع غوتنبرغ تطوعي
يهدف إلى تحويل وتخزين
ونشر ورقمنة الأعمال الثقافية
أدرك هارت أهمية وقيمة حصوله على هذا الحساب، حيث رأى أن الطريقة التقليدية لاستخدام الحاسوب آنذاك ليست كافية لاستثمار وقت الفراغ لدى الحاسوب. بعد مرور ساعة و 47 دقيقة من حصوله على الحساب، أعلن هارت أن القيمة العظمى التي يمكن إنتاجها من الحواسيب هي استخدامها كوسيلة للحفظ، والاسترجاع، والبحث في الكتب المحفوظة بالمكتبات، وليس معالجة البيانات.
بعد حضور عرض للألعاب النارية، توقف في محل بقالة وتلقى، مع ما اشتراه، نسخة من إعلان الاستقلال. قام بكتابة نص الإعلان بنفسه، واعتزم إرساله كبريد إلكتروني إلى مستخدمي «آربانيت »، وهي النسخ التي دعمتها الحكومة من إنترنت اليوم، لكن الأمر لم يتم عندما حذره زميل له من أن الرسالة ستعطل النظام. بدلاً من ذلك، نشر إشعاراً بأنه يمكن تنزيل النص، فكانت ولادة مشروع غوتنبرغ. وكان هدف المشروع بحسب ما أوضحه هارت، «تشجيع إنشاء وتوزيع الكتب الإلكترونية »، ومن خلال إتاحة الكتب لمستخدمي الكمبيوتر دون تكلفة، فإن هذا «يساعد على كسر قضبان الجهل والأمية .
مشروع غوتنبرغ
خلال العقد التالي، عمل هارت بمفرده، على كتابة قاعدة بيانات المشروع، ووثيقة الحقوق )مصطلح يُقصد به التعديلات العشرة الأولى لدستور الولايات المتحدة(، والدستور الأمريكي، ونسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس، ومغامرات أليس في بلاد العجائب، وكانت الخطوات التجريبية الأولى لثورة من شأنها أن تبشر بما أحبّ أن يسمّيه عصر المعلومات الخامس، وعالم من الكتب الإلكترونية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة مثل «نوك »، و «كيندل »، والوصول الفردي غير المسبوق إلى النصوص عبر مجموعة واسعة من أرشيف الإنترنت.
استمر مايكل هارت في العمل
على مشروع غوتنبرغ ببطء في
البداية، مضيفاً كتاباً في الشهر
تقريباً، إلى أن أنشأ 313 كتاباً
إلكترونياً فقط بحلول عام 1997
مشروع غوتنبرغ تطوعي يهدف إلى تحويل وتخزين ونشر ورقمنة الأعمال الثقافية، وسمي بذلك تكريماً للعالم الألماني يوهان غوتنبرغ الذي اخترع في القرن الخامس عشر أسلوباً للطباعة فتح أفقاً جديداً لإصدار الكتب، ممهداً لبدء عصر التنوير في أوروبا، وتمكين المواطن الأوروبي العادي من اقتناء الكتب وقراءتها.
يضم مشروع غوتنبرغ أكثر من 60,000 مادة ضمن مقتنياته، مع إضافة ما يقارب أكثر من 50 كتاباً إلكترونياً جديداً كل أسبوع. وهذه الإضافات في المقام الأول تكون أعمالاً أدبية من الثقافة الغربية مثل الروايات والشعر والقصص القصيرة والدراما، كما يحتوي مشروع غوتنبرغ أيضاً على كتب طهي وأعمالاً مرجعية وأعداداً للمجلات الدورية. ويضم بعض العناصر غير النصية مثل الملفات الصوتية وملفات تدوين الموسيقى. معظم الإصدارات باللغة الإنجليزية، ولكن اعتباراً من أبريل 2016 ، بدأ المشروع يضم لغات أخرى غير الإنجليزية، وأبرزها: الفرنسية والهولندية والإيطالية والبرتغالية.
في عام 2006 توقع الكاتب المختص بالتكنولوجيا جلين مودي، أنه سيكون هناك مليار كتاب إلكتروني في عام 2021 ، مع قدوم الذكرى السنوية الخمسين لمشروع غوتنبرغ، وذلك بفضل التقدم المحرز في رقائق الذاكرة التي من شأنها أن «تحمل مليار كتاب إلكتروني في يد واحدة »، لكن لم يتحقق ذلك، فرغم الكميات الهائلة من الملفات المتوافرة ضمن الموقع الإلكتروني لمشروع غوتنبرغ، إلا أنه لم يحتوِ على كثير من الميزات التي يمكن أن تجعل منه مكتبة رقمية كاملة، مثل إمكانيات البحث في النص، أو تصنيف الكتب، وما إلى ذلك. ولا يحتوي الموقع حتى اليوم إلا على محرك بحث بسيط يبحث في الكتب حسب العناوين أو حسب اسم المؤلف. وربما السبب في ذلك هو أن هارت منذ البدء لم يكن مهتماً بالنواحي التقنية للموقع، وهدفه الوحيد هو وضع أكبر كمية من الكتب الرقمية المجانية على الشبكة.
توفير الكتب بوسائل بسيطة
استخدم هارت أبسط الوسائل لنقل وإتاحة المعرفة من صورتها الورقية إلى الإلكترونية، كما ركّز مشروعه بصفة خاصة على الكتب التي تكون حقوق الملكية الفكرية لمؤلّفيها في الولايات المتحدة الأمريكية عامة، سواء من الكتب الكلاسيكية أو الكتب المعاصرة. لذا، رأى هارت ضرورة توفير الكتب الإلكترونية بالمشروع على هيئة نص عادي بدون أي تنسيق، مما يوفّر ل 99 % من الجمهور إمكانية قراءة تلك الكتب والبحث في محتواها، باستخدام أي حاسوب مهما كان نظام تشغيله أو عمره.
معظم الكتب في مشروع غوتنبرغ متاحة في المجال العام، على الرغم من أن عدداً صغيراً نسبياً من الكتب المحمية بحقوق الطبع والنشر يتم إعادة إنتاجها بإذن من مالك حقوق الطبع والنشر. وعلق تقرير نشر في مجلة «سيرشر » في 2002 على المشروع قائلاً: «إن المشروع نقلة نوعية. إنه قوة شخص واحد فقط يعمل في قبو منزله، ويدوّن كتبه المفضلة ويعطيها لملايين أو مليارات الأشخاص.
استمر مايكل هارت في العمل على مشروع غوتنبرغ ببطء في البداية، مضيفاً كتاباً في الشهر تقريباً، إلى أن أنشأ 313 كتاباً إلكترونياً فقط بحلول عام 1997 ، أي خلال رحلة استمرت ما يقارب من 17 عاماً. وارتفعت وتيرة التقدم عندما وظّف هارت مع مارك زينزو المبرمج في جامعة إلينوي، متطوعين عبر مجموعة مستخدمي الكمبيوتر بالمدرسة وإنشاء مواقع لتوفير مصادر متعددة للمشروع.
استخدم هارت أبسط الوسائل
لنقل وإتاحة المعرفة من صورتها
الورقية إلى الإلكترونية، كما
ركّز مشروعه على الكتب التي تمتاز
بحقوق ملكية فكرية عامة
وأدرج هارت بذكاء كتباً مهمة عن الإنترنت لتوسيع نطاق جمهور الكتب في المشروع. اليوم، بالاعتماد على عمل المتطوعين الذين يقومون بالمسح الضوئي والتصحيح بدون أجر، يضيف المشروع إلى قائمته مئات الكتب كل شهر. حتى في المراحل الأولى من المشروع، صوّره هارت بعبارات ثورية، مستعيراً مصطلحاً من فيلم «ستار تريك » الشهير، أشار فيه إلى الكتب الإلكترونية على أنها شكل واحد فقط من أشكال تقنية النسخ المتماثل التي ستسمح في المستقبل بالاستنساخ اللامتناهي للأشياء والكلمات، وتقلب جميع هياكل السلطة القائمة وتبشر بعصر الوفرة العالمية.
كانت إحدى العقبات على طريق نشر المعرفة هو قانون تمديد مدة حقوق الطبع والنشر، الذي تم تمريره في عام 1998 . كان القانون، برعاية عضو الكونغرس في كاليفورنيا ومغني البوب السابق سوني بونو، حيث أزال مليون كتاب إلكتروني من النطاق العام من خلال توسيع حقوق النشر إلى مدة عشرين 20 سنة.
ويجدر الذكر أن مايكل هارت نفسه كان مؤلفاً، حيث قام بنشر مؤلفاته بصورة مجانية عبر مشروع غوتنبرغ، مثل: «تاريخ موجز للإنترنت » و"قصائد وحكايات من رومانيا ». أما عن أنشطته الأخرى، فقد كان هارت عضواً رئيساً في مشروع يهدف إلى تطوير آلة طباعة ثلاثية الأبعاد يمكنها طباعة معظم مكوّناتها بنفسها، كما شارك أيضاً في المراحل الأولى لإنشاء موسوعة إنتربيديا في 1993 ، التي كانت تهدف لبناء موسوعة إنترنت حرة. توفي مايكل هارت في السادس من سبتمبر 2011 عن عمر ناهز الرابعة والستين عاماً.