مرحلة جديدة من الريادة
تعج الأيام بالأحداث التي تغير مجرى الحياة، وتثني العزائم عن الخطط التي وضعتها في مسيرتها، إن على المستوى الفردي أو المؤسسي أو حتى على مستوى الدول، كتلك الظروف التي يعيشها العالم من جراء اقتحام مرض كوفيد - 19 أرجاء العالم، حيث لم تكن دولة من الدول بمعزل عن تبعات إجراءاته الاحترازية وخططه في مواجهة هذا البلاء الذي جعل من الكمامات الزي الرسمي للناس قاطبة.
لم تعد الحياة الطبيعية تجري على النسق الذي كان مخططاً له، وقد صدق سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين قال: "مخطئ من يظن أن العالم بعد كوفيد - 19 كالعالم قبله".
حقاً، لم تزل الأيام والأحداث المتتالية والطفرات التطورية المتعاقبة التي يشهدها العالم لهذا الوباء تثبت سداد نظر هذا القائد الملهم الذي تختلف نظرته إلى الأمور عن أنظار الآخرين، وما ذاك إلا لأنه خبر القيادة عن علم وعمل، وكانت قدره منذ أن تولى زمام الأمور قبل أكثر من نصف قرن من الزمن.
هي رؤى قائد يعلم أن الحياة مليئة بالتحديات، وليست مفروشة بالورود دائماً. المحطات التي يمر بها الأفراد والمؤسسات والدول بشكل عام تحتاج إلى تغيير وتطوير يتلاءم مع ما تمليه الظروف المتغيرة، وهذه النظرة الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تعطي القادة بجميع مستوياتهم أعظم إرشاد وخير توجيه بأن يعدوا العدة لكل طارئ، وأن يتسلحوا بالحكمة في اتخاذ القرار والتخطيط السليم لكل مرحلة من مراحل النمو والازدهار التي يسعون إليها.
هذا التخطيط السديد والرؤى الاستثنائية لهذا القائد الاستثنائي والقيادة الإماراتية الفذة، جعل تبعات الوباء في الحد الأدنى في دولتنا على المستوى العالمي. وهنا يأتي الدرس الآخر من دروس الإمارات، أنْ لا مكانَ للأحلام الوردية والخيالية لتنثرها الإمارات، إن لم يكن لها رسوخ في العزيمة على التنفيذ والتحقيق على أرض الواقع. الواقع الذي يملي علينا في بعض الأحيان أن نغير من توجه دفة القيادة باتجاه آخر نظراً للظروف الطارئة التي تتعرض لها السفينة في طريق سيرها. فالحياة تسير كما السفينة بين أمواج متلاطمة، من المفاجآت التي إن لم يحسب لها الربان حسابها آلت به الظروف إلى ما لا تحمد عقباه.
إن نظرية "الثابت والمتغير" تعبِّر عن فكر تشعبت جذوره في العلوم ومجالات الحياة المختلفة، فالثابت في الإدارة هو الغاية التي يتطلع إليها القائد للوصول إلى قمة التفوق والنجاح، هي مرحلة الريادة التي يركب الصعاب لأجلها، وأما الوسائل فإنها متغيرات لا حصر لها من الخطوات والأدوات والآلات التي تمكّن القائد من بلوغ الغاية. ومع ذلك فإن عملية التغيير في الوسائل والخطط تعد من أعقد المسائل التي لا يضطلع بها إلا من خاض غمار القيادة بأبعادها، وتشرَّب دروس الحياة بكل مجالاتها. لا ريب أن الكل يطمح إلى الأفضل، ولكن قلة من يمتلكون التسديد الصحيح والنهج السليم للتخطيط، من أمثال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد؛ فالتغيير ليس عملية انتقال من مرحلة إلى أخرى بغرض استبدال في روتين العمل أو شكله، بل هي عملية تحول في كيمياء الوضع الحالي، لإنتاج نموذج يفرز نتائج ذات قيمة مضافة تعزز الوضع الحالي بالإيجابيات والأفكار التي تصب في مصلحة العمل وتحقق تفوق الجماعة.
وهكذا كانت نظرة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، نظرة القائد الذي يتطلع إلى التطوير نحو الأفضل دائماً، وما قرار سموه بإصدار عدد من التشريعات التنظيمية لجهات تابعة لحكومة الإمارة، ومنها إلحاق مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بهيئة دبي للثقافة والفنون إلا دليل على هذه الرؤى السديدة التي تسعى إلى تطوير وتعزيز كفاءة القطاع الحكومي، بما يتواكب مع متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية. وما ذلك إلا فيض من حكمة قيادية يتمتع بها سموه، وتضمن أن تمنح العمل في القطاع الحكومي وتيرة تتلاءم مع المرحلة الجديدة؛ مرحلة تحتاج إلى تعزيز الجهود، وتسارع الإنجازات للوصول إلى أرقى المستويات العالمية التي كانت ولاتزال دأب سموه، وتعزيز الدور المحوري والرئيس لحكومة دبي. قرارات سموه تلك ستكون عاملاً في رفد النجاحات المتتالية والرائدة التي تعد مصدر فخر لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، لتصل بها إلى طموح سموه بأن تبقى كما كانت وكما هي الآن، مؤسسة عالمية بامتياز، تعمل لخدمة البشرية وتقدم للدول والأمم ما يأخذ بأيديها إلى مراحل متقدمة من الازدهار بالعلم والمعرفة.
إن قرارات سموه تنبع من وحي دراية عميقة بما تتطلبه المرحلة الجديدة من خطط تواكب الظروف، وتبني على الأساس المتين؛ لكي تستمر سفينة النجاح الإماراتي بمؤسساته وقطاعاته في السير نحو ما وضعه سموه من رؤى تضع دولة الإمارات ودبي في قمة الازدهار والتنمية، وتكون دولة الإمارات العربية المتحدة دولة الريادة والنجاح، التي تستلهم نجاحاتها وإنجازاتها من قادة عزَّ لهم نظير.