البيانات: محرك النمو وأداة الاستشراف
أكدت أن تطور القطاع يؤثر في حياة البشرية ورفاهيتها وتلبية احتياجات الإنسان
تشكل البيانات حجر الأساس والبناء في عالم اليوم المتسارع الخطى، وقد غدا لها أهمية كبرى في حياة البشر المعاصرة، حيث ارتبط التسارع الذي يشهده العالم بتناسب طردي مع التسارع في حجم البنية البيانية التي تزداد يوماً بعد يوم. فمن خلال البيانات يمكن تسجيل كل التصرفات والتحركات الإنسانية بصورة رقمية وبشكل يومي، وهذا يمكِّن المؤسسات من تصنيف البيانات للربط بين مجموعاتها والتنبؤ بمخرجات بعينها. من هنا كانت أهمية البيانات من ناحية جمعها أولاً وتحليل مدلولاتها ثانياً، ليكون اتخاذ أي قرار، على أي مستوى، مبني على أسس متينة وعلمية، تضمن لمتخذيها الدقة والمصداقية في اتخاذ القرارات، ولا سيما المصيرية منها.
وفي هذا الشأن عقدت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جلستين حواريتين منفصلتين خلال الشهر الماضي ترتبطان بالبيانات، وذلك ضمن سلسلة «حوارات المعرفة » الأولى بعنوان: «استشراف المستقبل عبر تحليلات البيانات المتقدمة » التي تتناول أهمَّ القضايا المعرفية الراهنة، حيث تحدث خلالها زيد قمحاوي، المدير التنفيذي لقرار. والثانية بعنوان: «القرارات القائمة على البيانات »، تحدث فيها أحمد عماد، خبير في تصوير البيانات ومؤسس .Powerful Insights حيث أكدت الجلستان أهمية في الحياة المعاصرة، والتطورات العلمية التي تتسارع بشكل مذهل بناء على البيانات، وكيف يمكن لهذا القطاع أن يؤثر في حياة البشرية ورفاهيتها وتلبية احتياجات الإنسان في كافة المجالات. حيث يتم من خلال هذا القطاع المتنامي.
البيانات في القطاع المصرفي
وأشار زيد قمحاوي في الجلسة الأولى إلى أن المؤسسات تضع قراراتها بناء على معلومات توفرها البيانات الضخمة التي يتم الحصول عليها يومياً وتقاس بالزيتا بايت (الزيتا بايت الواحد يساوي: 1,099,511,627,776 جيجا بايت) وهي تمثِّل تزايد حجم البيانات المتاحة بشكل هائل وكبير.
وأوضح قمحاوي أن البيانات الضخمة فتحت لنا أبواباً كبيرة لأجل التحليل والتنبؤ بالمستقبل، ولا سيما في القطاعات المصرفية؛ فنحن نعتمد على هذه البيانات للتنبؤ مثلاً هل سيسّدد العميل القرض الذي يأخذه من البنك، من خلال الخوارزميات التي تضعها المؤسسات المعنية بالبيانات الضخمة التي تحللها وتصنفها. لذلك فإن المصارف والشركات المالية تعدُّ من أبرز المؤسسات التي تبنَّت الاستراتيجيات القائمة على البيانات لارتباطها بمجال عملها، للدفع بتقديم خدمة أفضل للعميل. وهذا يتجاوز الأمر ليصل إلى خدمات استثنائية، وتطوير القطاع المالي بما يتلاءم مع التسارع الكبير في الحركة المعرفية التي يشهدها العالم الحديث.
تسهم البيانات الضخمة في
التنبؤ بالمستقبل ولا سيما في
القطاعات المصرفية
وأكد زيد قمحاوي أن تأثير جائحة كوفيد 19 دفع البنوك إلى تبني البيانات بشكل أكبر وأكبر لتسريع وتيرة التحول الرقمي لديها لمواجهة عمليات النقص في الموارد البشرية التي قد تتأثر بسبب المرض.
الذكاء الاصطناعي والبيانات
وعن أهمية الذكاء الاصطناعي ودور البيانات الضخمة في تطوير هذا القطاع الاقتصادي المعرفي، أوضح المدير التنفيذي لقرار أن البيانات تدخل في كافة شؤون الحياة، وهي القوة الكامنة في الذكاء الاصطناعي والتطورات الناشئة عنه، وهذا جعل من البيانات قبلة للاستثمار العالمي بمئات المليارات من الدولارات. وأصبحت المؤسسات، بل والدول، تتسابق للتنافس في هذا المجال المتطور، حيث تعد دولة الإمارات من أبرز الدول الرائدة في استخدام التقنيات المتقدمة المبنية على الذكاء الاصطناعي.
وأضاف زيد قمحاوي، أن القوة الحقيقية الكامنة في البيانات تتجلى في إمكانية أن تسدي لنا الكثير من المعلومات التي لا يمكن للبشر أن يقوموا بها، وأن هذه التقنيات المتطورة خدمت البشرية في زمن الكورونا الذي نعيش فيه حالياً خدمات جليلة، إذ كان للذكاء الاصطناعي دور كبير في مواجهة أزمة كوفيد 19 ، فعلى سبيل المثال كان له دور في تسريع وتيرة الأبحاث بناء على البيانات الضخمة، وهذا ما كان ليمكن أن يتحقق قبل ذلك، إذ كان يحتاج مثل ذلك إلى عشرات السنوات. كما أن الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي تظهر في خدمة البشرية من خلال تحديد مدى انتشار الأمراض ومناطقها والتحول التقني الذي يفيد في مواجهة تبعات الجائحة؛ كالساعات الذكية التي تشير إلى قابلية الشخص لتقبُّل المرض من عدمه.
وعن مستقبل الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات الحياتية، أوضح زيد قمحاوي في خلال حديثه أن مستقبل الذكاء الاصطناعي بالغ الأهمية، وأنه قد تم ابتكار تطبيقات مثيرة تستخدم في المحاكم في بعض الولايات الأمريكية، بحيث يتم التنبؤ بمدى احتمالية عودة الشخص إلى الجريمة، واتخاذ القرارات بناء على المعلومات التي يدلي بها الذكاء الاصطناعي إلى صناع القرار في هذا الشأن. وأن الجدل دائر حول إمكانية أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان في مثل هذه المجالات.
ضرورةً حتمية
أما جلسة «القرارات القائمة على البيانات »، فقد أكد أحمد عماد خلالها أنَّ البيانات أصبحت جزءاً أساسياً في حياة البشر، وأنَّ أهميتها ليست مقتصرة على الزمن الراهن الذي يواجه فيه العالم تبعات جائحة كوفيد -19 ، وإنما برزت البيانات ضرورةً حتمية في هذا الوقت بالتحديد نظراً لإسهاماتها الكبيرة في خدمة البشر وصناع القرارات المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة، إذ إنها تعطي معلومات وفيرة حول حالات الإصابات والوفيات، وبالتالي فإنَّ البيانات تساعد صنّاع القرار على اتخاذ الإجراءات اللازمة بدقة، وهذا يحسِّن من فاعلية الأعمال ويجنِّب صنّاع القرار من العشوائية في اتخاذ الإجراءات الحاسمة على كافة المستويات، ومنها بالطبع القطاع الصحي الذي يعدُّ من أهم القطاعات الحيوية التي تمسُّ حياة الناس.
ركيزة أساسية
وأوضح أحمد عماد أنَّ أهمية البيانات تبرز أيضاً أمام المؤسَّسات ورجال الأعمال، فهي تخدم الشركات في تطوير منتجاتها وتطويع التكنولوجيا، بحيث تساعدها على زيادة المبيعات والإيرادات، وذلك لأنَّ البيانات أضحت في زمن التكنولوجيات المتسارعة ركيزة أساسية في صنع السياسات الخاصة بالشركات لتطوير خططها المستقبلية.
وأضاف عماد: إنَّ أهمية البيانات تبرز بشكل واضح عندما يتم التعامل معها بالتحليل والاستقصاء والقراءة المتعمقة، وهذا يجعل من التحليل لاعباً رئيساً في مجال الأعمال المعتمدة على البيانات، إذ يعمل التحليل الدقيق للبيانات على استكشاف مناطق الضعف والقوة في تلك البيانات، وهذا له دور مهم في اتخاذ قرارات صائبة وخطط مستقبلية سديدة.
البيانات العميقة
وعن البيانات العميقة، أفاد خبير تصوير البيانات ومؤسِّس Powerful Insights أنَّ لها دوراً كبيراً في
تطوير القرارات القائمة على البيانات، فهي تتعامل مع الدلالات العميقة والتي قد لا تدرك أهميتها إلا بالتحليل العميق لمدلولاتها، فمجرد الأرقام الظاهرة ليست هي المحرك الذي يسهم في توجيه السياسات،
لأنَّ البيانات تختلف دلالاتها من فترة لأخرى وبحسب الظروف المحيطة بها والأشخاص المستفيدين منها، والمناطق التي تدرس فيها.
وفي معرض حديثه عن أهمية القراءة التحليلية الدقيقة للبيانات، قال أحمد عماد: ينبغي على العاملين في حقل التحليل البياني أن يأخذوا في الاعتبار حاجة العملاء إلى البيانات التي يحتاجون إليها في سياسات التطوير، وهذا ما يجعل من الضرورة تسليط الضوء على النقاط التي تهمُّ العملاء وحاجاتهم التي تحفزهم لاتخاذ القرار المناسب، وهذا يختلف باختلاف حاجات العملاء ونوعية القطاعات التي يعملون فيها، مشيراً إلى أنَّ استخدام الصور في العروض التقديمية التي تقدَّم للعملاء، والتي تعبِّر عن البيانات بشكل صور مرسومة، له أهمية كبرى في لفت انتباه العملاء لها وفهمهم لمدلولاتها، مؤكداً أنَّ الصورة الواحدة تساوي 1000 كلمة في القيمة البيانية.
وأضاف أحمد عماد أنه لا يمكننا الحديث عن البيانات والتحليلات الفاعلة إن لم يتم العمل على تطوير الخطوات اللازمة لتنفيذ القرارات الناتجة عنها. وهنا ينبغي أن تتمَّ متابعة الخطوات اللازمة لتنفيذ القرارات الناتجة عن تحليل البيانات، لأنَّ الخطوات العملية لها دور رئيس في تطوير السياسات الناتجة عن البيانات.
وفي الختام استعرضت الجلسة محاور مؤشر المعرفة العالمي، الصادر عن مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والدور الذي لعبته البيانات والتحليل العميق لها في تقديم هذا المؤشر لمساعدة صنّاع القرار العالميين على وضع السياسات اللازمة لتطوير أدوات ووسائل التنمية، واتخاذ الإجراءات الفاعلة في طريق الدول نحو التقدم المبني على المعرفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تأتي سلسلة «حوارات المعرفة » انطلاقاً من حرص مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تعزيز مسصارات نقل ونشر المعرفة، والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، ولتسليط الضوء على فرص وتحديات بناء مجتمعات المعرفة في ظل انتشار وباء كوفيد- 19، والتحوُّلات الجوهرية التي طرأت مع تفشي هذه الجائحة. وتهدف المبادرة إلى معالجة أهمِّ القضايا المعرفية والتنموية الراهنة، واستعراض أفضل الممارسات والتجارب العالمية، إلى جانب طرح الحلول لمواجهة التحديات، سعياً إلى تقدُّم الأمم وتنميتها المستدامة ورفاهية شعوبها.