الداروينية الرقمية: تحدي الأقوياء في عالم متسارع
مفهوم طفرة النموذج مكّنت العلماء من القفز إلى طريقة مختلفة لخلق منتجات وخدمات جديدة
في عالم مليء بالإنجازات العلمية المتسارعة التي تتضاعف مع مرور الأيام بشكل خيالي، تأتي قمة المعرفة التي تنظمها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، لتكون علامة فارقة في عالم التقنية اللامحدود، حيث تستضيف نخبة من المتحدثين العالميين الذين يجودون خلاصة تجاربهم العالمية الرائدة للجمهور العربي، ومن هؤلاء الخبراء توم غودوين، نائب الرئيس التنفيذي والخبير الإعلامي في مجال التكنولوجيا والابتكار بشركة زينيث ميديا بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي افتتح كلمته خلال قمة المعرفة 2018 ، بالحديث عن مصطلحي التحول الرقمي، والاضطراب الرقمي، وأوضح ما يطلق عليه مصطلح «الداروينية الرقمية » التي تطلق على مفهوم طفرة النموذج Paradigm leap وإمكانية القفز إلى طريقة جديدة تماماً؛ لخلق منتجات وخدمات جديدة، وكيف يمكن للشركات أن تفكر في التكنولوجيا للآن وللمستقبل.
يقدم توم لكلمته بمثال متعلق بالسيارات، حيث يقول: لو سألتكم عن أفضل السيارات سرعة وأي الشركات هي التي تصنعها، فربما ستفكرون في قائمة من شركات السيارات الكلاسيكية، مثل بورش 918 التي تصنعها شركة موجودة منذ عشرات السنين في عالم السيارات، وهي قريبة جدّاً من الأرض، وغير عملية إطلاقاً، وسعرها غالٍ للغاية، ولكن، أسرع سيارة موجودة الآن بعد الاختبارات هي «تسلا »، هذه السيارة صنعتها شركة سيارات بها عُشر الخبرات الموجودة في شركات السيارات الأخرى، وليست غالية جدّاً، وعملية أيضاً، وأصبحت السيارة الأسرع بين ليلة وضحاها! بسبب تحديث برنامج مالكي هذه السيارة، لقد جلسوا ذات يوم في مرأب مع سيارة، وفي اليوم التالي أصبحت أسرع سيارة! هذا تغيير جذري في كيفية عمل السيارات، لذا يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا يجري؟! هذه العملية التي أدت إلى «تسلا » هي مثال جيّد لما أدعوه «اضطراب جديد »، وسأشرح من أين أتت هذه النظرية، وما تدور حوله، وماذا تعني؟
المنتجات التي تمت صناعتها
بالاعتماد على مفهوم طفرة
النموذج جنى أصحابها أطنان من الأموال
طفرة النموذج
يتكلم توم عن مفهوم طفرة النموذج Paradigm leap وإمكانية القفز إلى طريقة جديدة تماماً؛ لخلق منتجات وخدمات، وكيف يمكن للشركات أن تفكر في التكنولوجيا للآن وللمستقبل. حيث يمكن للإبداع أن يقفز، كما في مثال سيارة «تسلا » السابق. وفي هذا الإطار يرى توم غودوين أن أفضل المنتجات التي تمت صناعتها بالاعتماد على مفهوم طفرة النموذج جنى أصحابها أطناناً من الأموال وغيّروا فكرنا عن الفئات تماماً هم الذين طوروا الحل الأول.
عندما كان توم يعمل مع «نوكيا » حين صدر أول جهاز «آيفون »، وكان لدينهم الكثير والكثير من مجموعات البحث، ممّن يقولون: إنهم لا يريدون هواتف بشاشات لمس، ستنكسر، وستكون ثقيلة جدّاً، وسيصبح هناك بصمات أصابع على الشاشة، وصدر هاتف «آبل»، ولأنهم كانوا يعلمون حقّاً ما الذي يفعلونه، صنعوا شيئاً أفضل بكثير من أي شخص قبلهم في تلك الصناعة، وأصبحوا أول شركة تساوي تريليونات الدولارات. يرى توم أن «أوبر »، و «نتفليكس » و «ريدبول » كلها قصص نجاح علينا أن ننظر إليها ونتساءل: هل نجح هؤلاء، على الرغم من قلة الخبرة، لأنهم كانوا محظوظين؟! هل كانوا أصحاب مخيلة كبيرة أم أصبح لديهم خبرة بعد قلة خبرتهم؟! يقول توم: «أعتقد أنه الشيء الثاني». وهنا يرى أن أكبر مخاطرة للشركات هي أنهم يعملون في عالم يتغير بسرعة كبيرة حيث قد يأتي أحد آخر ويحل المشكلة بشكل مختلف جذرياً.
قوة التحول الرقمي
أما عن قوة التحول الرقمي، فيقول توم: نحن نظن أن العالم يتغير، بينما نحن في الحقيقة نميل إلى اجتياز جميع الأمثلة لكيفية قيامنا بالأشياء من خلال إطار رقمي جديد؛ فلو نظرنا إلى صفحة جريدة إلكترونية على الإنترنت لوجدنا أنها تشبه شكل الجريدة الورقية! والإعلانات لم تختلف كثيراً منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا! وأخذنا الافتراض نفسه الذي كوّناه وحوّلناه إلى شكل رقمي. وحين ننظر إلى المستقبل، فالواقع الافتراضي ليس أن تضع نظارات لتكون كأنك في مركز تسوق، بل سيكون في إعادة التفكير في مراكز التسوق من الأساس.
وهنا يضرب مثالاً على هذ الفكرة، فيقول: السيارات ذاتية القيادة شكلها مثل السيارات العادية تماماً، لماذا نفترض أنها يجب أن تكون مثل شكل السيارات؟! لماذا لا تسير على سرعة 25 ميلاً في الساعة؟! لماذا هناك مساحة لشخص واحد فقط؟! لماذا لا يكون هناك فيلق من السيارات المختلفة حتى يتسنى لك الاختيار بين حافلة صغيرة وأنت مسافر مع عائلتك في إجازة، وبين كبسولة صغيرة حين تكون ذاهباً إلى محل البقالة؟!
ثلاث مراحل
يعتقد توم أننا نعيش في عصر تمر فيه التكنولوجيا ب 3 مراحل: مرحلة ما قبل التكنولوجيا؛ حين كانت الحياة منطقية وكنا مرتاحين للتكنولوجيا، ثم مرحلة وسط التكنولوجيا؛ حيث تصل التكنولوجيا وكل شيء معقد وفوضوي والناس يرتكبون أخطاء غبية وتفلس الشركات ولا نفهم ما يعني هذا! ونميل إلى إضافتها إلى الطرق القائمة لفعل الأشياء، لأننا نعرف عمل هذه الأشياء بهذه الطريقة، ثم مرحلة ما بعد التكنولوجيا؛ حيث نفهم سلوكيات تغيير التكنولوجيا، ونفهم كيف تغيّر التكنولوجيا توقعاتنا، ونفهم كيف تغيِّر نماذج الأعمال، والاقتصاد.
وهذه المرحلة حيث يتخيل الناس ما الممكن، ويعيدون التفكير في هذه الأعمال من الصفر، لقد حدث هذا مع كل شكل من أشكال التكنولوجيا العميقة، فحين تقرؤون عن قوة البخار تجدون أنهم حين صنعوا محركات بخار قوية للغاية كان أول استعمال لها هو حمل المياه لتشغيل عجلات المياه؛ لأن هذه كانت الطريقة لتشغيل المصانع، واستغرق الأمر الكثير من السنوات حتى ينظر أحدهم إلى محركات البخار ويقول: لماذا لا نستبدل محركات البخار بعجلات المياه؟! وهناك طريقة مثيرة للاهتمام عند التفكير في هذا؛ لأن كل هذه الحِقب أصبحت منطقية عند التفكير في الماضي فقط، وأعتقد أننا في مرحلة تكنولوجيا الإنترنت، فإذا نظرتم إلى أوجه حياتنا فستجدون أننا أضفنا التكنولوجيا إلى ما كنا نفعله من قبل.
الواقع الافتراضي ليس بوضع
نظارات نرى بها مركز التسوق
بل سيكون في إعادة التفكير
في مراكز التسوق من الأساس
عمل مختلف جذرياً
وهنا يطرح توم السؤال الأهم: من الرائع التفكير في أنه إذا كانت شركاتكم ستزدهر في 2025 ؛ فماذا ستفعل؟ وما الأدوار التي ستلعبها شركاتكم في حياة الناس؟ حيث من الممكن أن تفعل شيئاً مختلفاً جذريّاً، فإذا فهمتم توقعات الناس، وسلوكياتهم، وماذا يمكن أن تجعله التكنولوجيا ممكناً، فسوف تستطيعون إعادة التفكير في أعمالكم بشكل جذري. إذاً، سؤالي الثاني والأخير والأكثر إزعاجاً هو: في المرة المقبلة التي ستنظرون فيها من النافذة من سيارة «أوبر » أو من طائرة، إذا كنتم تعرفون كل شيء الآن عن الناس والتكنولوجيا والأعمال، فكيف سيكون شكل عملكم؟ لأني متأكد أنه لن يكون مثل شكله حاليّاً، وحينئذٍ سيصبح السؤال: كيف وصلَتْ إلى هذا؟ وهذا سؤال أصعب من أن نجيب عنه.