هل تلحق الدول العربية بعصر المعرفة؟
رأس المال البشري ذو المهارات المعرفية العالية أسهم في التقدم الخليجي
في المقال السابق ناقشت خصائص الدول الرائدة معرفياً، وسماتها المُمَيزة، ومؤشراتها الرامية إلى الانتقال لعصر الحداثة والإنجاز التنموي. ويُعد ذلك أمراً ضرورياً من أجل الاسترشاد بأداء هذه الدول في صياغة رؤية العديد من دول العالم للتحول المعرفي ومواكبة عصر العلوم والتكنولوجيا والابتكار في الألفية الثالثة. ويتطرق هذا المقال إلى سؤال هام يختص بما حققته الدول العربية في مجال التحول المعرفي، وإنجازاتها العلمية والتكنولوجية والابتكارية، من أجل اللحاق بعصر الحداثة والمعرفة، بالارتكاز على مؤشرات التنمية الدولية المقارنة، خلال العام 2020 .
تُفيد القياسات الإحصائية والمؤشرات التحليلية الدولية «بتواضع الأداء العربي » بشكل واضح، بما يتطلب بذل مزيد من الجهد، وصياغة رؤى تنموية أكثر عمقاً وحداثة، ورسم سياسات أكثر اتساقاً وشمولاً من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة معرفياً. فباستثناء الإمارات العربية المتحدة، التي اقتربت من دول التميز المعرفي من خلال احتلال المرتبة ( 15 ) على مؤشر المعرفة العالمي، والترتيب ( 34 ) في دليل الابتكار العالمي للعام 2020 ، والدولة رقم ( 25 ) في تقرير التنافسية الدولي ( 2019 )، وحققت أداء متميزاً نسبياً في التعليم بقطاعاته الثلاث (التعليم قبل الجامعي، والتعليم العالي، والتعليم الفني والمهني)، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاقتصاد الداعم للمعرفة...
جاءت معظم الدول العربية في مرتبة تلي الدولة رقم ( 40 ) في مؤشر المعرفة العالمي، والدولة رقم ( 60 ) في دليل الابتكار العالمي. كما تراجع المؤشر المركَّب للمعرفة في تسع دول عربية عن المتوسط العالمي (الذي يُقدَّر بنحو 47 في المائة)، حيث حقَّقت كل من مصر والكويت ولبنان والأردن وتونس والمغرب معدلات من ( 40 إلى 45 ) في المائة بما يقل عن المتوسط العالمي، في حين حقق مؤشر المعرفة في كل من الجزائر وسوريا وموريتانيا أقل من ( 40 ) في المائة.
وبرغم التواضع في الأداء بوجه عام، فقد حصدت دول الخليج المراتب من ( 1 ) إلى ( 6 ) على المستوى العربي، يليها مصر بوصفها الدولة السابعة عربياً، ثم كل من لبنان والأردن وتونس والمغرب (في المراتب من 8 إلى 11 ). ويَرجع تَبوُّؤ دول الخليج المراتب الأولى عربياً على مستوى كل من مؤشر المعرفة العالمي، ودليل الابتكار العالمي، وتقرير التنافسية الدولي بصفة عامة، إلى عاملين رئيسين: يختص الأول بالوفرة النقدية والفوائض المالية المتراكمة أو المُستثمرة خارجياً بما يسمح بالتوسع في تمويل الأنشطة المعرفية والابتكارية، ويرتكز العامل الثاني على اعتمادها على رأس مال بشري وافد مكتسب لجدارات مهنية ومهارات معرفية عالية.
على الدول العربية أن تعبئ
جهودها لاستكمال بنيتها
المعرفية، وتبني سياسات فاعلة
للحاق بعصر المعرفة
وتؤكد المؤشرات الفرعية في مجال التحول المعرفي النتائج السابقة؛ فعلى مستوى التعليم قبل الجامعي على سبيل المثال، وباستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، احتلت مملكة البحرين على مؤشر المعرفة العالمي الترتيب ( 53 )، يليها لبنان (الدولة 63)، ومصر (الدولة 83)، في حين حقَّقت كل من الأردن وسوريا المراتب ( 110 ، 133 ) على التوالي. وتوضح النتائج في نفس الوقت تراجع مؤشر بناء رأس المال البشري المعرفي في الدول العربية بوجه عام في العام 2020 .
كما كان أداء الدول العربية متواضعاً في مجال مخرجات الابتكار؛ إذ حققت تونس أفضل أداء عربي بمؤشر المخرجات المعرفية والتكنولوجية بحصولها على المرتبة ( 52 ) عالمياً، يليها المغرب ومصر في المرتبة ( 60 ، 65 )، ثم الكويت ولبنان في المرتبة ( 73 ، 76 )، في حين احتلت باقي الدول العربية مرتبة متأخرة (من 80 إلى 128 )، على المستوى العالمي. وكان أداء الدول العربية في مجال المخرجات الإبداعية متواضعاً أيضاً، حيث احتلت ترتيباً دولياً يتراوح من ( 58 ) إلى ( 124 ). وباستثناء دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وقطر، تَخطَّى ترتيب باقي الدول العربية في مجال البحث والتطوير والابتكار بمؤشر المعرفة العالمي الدولة رقم ( 60 ) عالمياً.
يتَّضح من التحليل السابق أن الإمارات العربية المتحدة قد حقَّقت خطوات جادة في مجال التحول المعرفي، في حين ينبغي على الدول العربية الأخرى أن تعبئ جهودها من أجل استكمال بنيتها المعرفية، وتتبنى سياسات أكثر فاعلية واتساقاً وشمولاً من أجل اللحاق بعصر المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، والانط الق في مجال البحث العلمي والابتكار. فهل تُراجع الدول العربية توجهاتها الراهنة ورؤيتها المستقبلية من أجل اللحاق بعصر المعرفة ومواكبة انعكاساته التنموية؟