الصحة في الإمارات: نحو الصدارة العالمية في الخمسين القادمة
منظومة متطورة ونظرة الآباء المؤسسين الاستشرافية أسست قطاعاً رائداً عالمياً
تمثل الصحة العنصر الأهم من عناصر الوجود الإنساني، وهي المقياس الأول الذي تقاس به نهضة الأمم، فالدول التي يتمتع أفرادها بصحة جيدة، وعناية طبية متطورة هي الأمم التي تزدهر اقتصاداتها، ومن خلال الشعوب المتمتعة بالعناية الصحية المتميزة تتحرك الطاقات نحو الإعمار والبناء والتطوير المستمر. ولعل الحديث عن أي مشروع للتنمية بمعزل عن الصحة هو انسلاخ عن التوجه الصحيح، واستنكاف عن النهج القويم الذي ينبغي أن تكون الصحة فيه على قائمة أولويات العمل للوصول إلى التنمية المستدامة.
الإمارات منذ تأسيسها أولت الصحة العناية الرائدة، وأضحت جهودها في الحقل الصحي مشهوداً لها دولياً، وذلك من خلال بنية تحتية صحية وطبية متطورة أنفقت الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية عليها الكثير في سبيل الوصول إلى ما وصلت إليه من نجاحات أثبتت جدارتها خلال اجتياح مرض كوفيد 19 للعالم، ووقوف الكثير من الدول عاجزة أمام المد الرهيب لهذا الوباء الذي استفحل خطره وعمت آثاره. وفي هذا الصدد، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «بقي العالم لسنوات يتجادل: من يقود الآخر؟ هل تقود السياسة الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن الكورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة، وتقودهما مرغمين حيث تريد، وأن السياسة والاقتصاد تتقزَّمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه».
مناقشات متعمقة ودراسات
متنوعة تناولت تحليل الواقع
وتنبؤات المستقبل والتجارب
العالمية الناجحة
وتشاء الأقدار أن تكون إثباتات جدارة البنية الصحية الإماراتية في عام الاستعداد للخمسين، ولعل هذه المصادفة أتت لتتحدث بلسان الإنجاز الإماراتي، الذي واجه المرض بكوادر طبية مؤهلة، وبنية صحية متطورة، ونظام طبي متقدم... كل ذلك لم يكن لتحقق لولا الأساس المتين الذي ترسخ خلال خمسين عاماً مضت من عمر الاتحاد، والذي نتج عن رؤى وتطلعات عميقة وراسخة من قبل الآباء المؤسسين الذين سبقوا عصرهم، واستشرفوا لمستقبل الوطن حتى غدت دولة الإمارات من أفضل دول العالم من حيث العناية الصحية والبنى الطبية الحديثة.
مشاركة مجتمعية
تلج دولة الإمارات العربية المتحدة بوابة الخمسين عاماً القادمة وقد حفزت الجميع للمبادرة بمشروع تصميم الخمسين عاماً القادمة لدولة الإمارات بإشراف اللجنة العليا لعام الاستعداد للخمسين التي يرأسها سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة. وقد تناولت اللقاءات والجلسات التي عقدتها وزارة الصحة ووقاية المجتمع خلال العام الماضي مواضيع حيوية من أهمها ترسيخ السلوك الصحي في المجتمع وتعزيز منظومة وقائية وعلاجية تعتمد الخدمات الصحية الذكية والانتقال إلى نموذج الرعاية الصحية الشخصي المعتمد على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتحقيق ريادة الإمارات في المجال الصحي.
وقد أكد معالي عبد الرحمن بن محمد العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، حرص دولة الإمارات على إشراك طلبة الجامعات والشباب وطلبة المدارس في مشروع تصميم الخمسين عاماً القادمة في مسار الصحة ضمن محور المجتمع لما يمثلونه من طاقة واعدة للوطن وتطلعات مستقبلية تلقى اهتماماً وتقديراً واسعاً من القيادة الرشيدة وتثق بدورهم في تعزيز الابتكار وصناعة المستقبل ومواصلة مسيرة الإنجازات التي حققتها الدولة من خلال إثراء خطة الاستعداد للخمسين في القطاع الصحي بأفكارهم الإبداعية وإشراكهم بالخطط المستقبلية للدولة وتحديد التحديات وتوسيع المعرفة لتلبية توقعات وطموحات القيادة والمجتمع ورسم ملامح المستقبل الأفضل لدولة الإمارات.
خريطة طريق
وبناءً على ما تم إنجازه من المنظومة الصحية المتطورة التي تأسست خلال الخمسين عاماً الماضية، تعكف القيادات والمسؤولون في الحقل الصحي، بمشاركة المجتمع من طلاب الجامعات والهيئات المحلية والمجتمعية على صياغة خريطة طريق تبني على ما سبق، لتحقيق نقلة نوعية للعناية الصحية في الدولة، تتلاءم مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في العلوم والتكنولوجيات الحديثة، وذلك من خلال إعداد استراتيجية التحولات المطلوبة، والتطويرات التي تخدم رؤية الإمارات 2071 ، وما تستهدفه من التطوير لتعزيز مسيرة القطاع الصحي، وتحقيق التنافسية العالمية في هذا القطاع الحيوي والمهم.
استراتيجية التطوير
هيئة الصحة في دبي لبت نداء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بإطلاق مشروع تصميم الخمسين عاماً القادمة لدولة الإمارات، حيث عملت على توسيع نطاق المشاركة في بناء استراتيجيتها، ونفذت من أجل ذلك 70 ورشة عمل تفاعلية وافتراضية، جمعت قيادات الهيئة من مديري المؤسسات والقطاعات التنفيذية والمستشفيات، إلى جانب شركاء الهيئة من القطاع الصحي الخاص، وجميع الأطراف المعنية، إضافة إلى مشاركة بيوت خبرة ومستشارين وخبراء من مختلف بلاد العالم. كما حرصت الهيئة على رصد آراء وأفكار واقتراحات أكثر من 1000 من أفراد المجتمع في دبي وذلك عبر استبيان مفتوح وشفاف أنجزته الهيئة لهذا الغرض.
ولم تكتف الهيئة بذلك حيث أجرت مناقشات متعمقة ودراسات متنوعة تناولت تحليل الواقع وتنبؤات المستقبل، فضلاً عن الدراسات المقارنة التي نفذتها وتناولت فيها العديد من التجارب والنماذج الناجحة عالمياً.
أولويات المستقبل
وحددت الهيئة في استراتيجيتها أربعة محاور رئيسة و 10 أولويات استراتيجيتها للتحرك نحو المستقبل، وقد وثقت «صحة دبي » محاورها الأربعة عبر مراحل:
الأولى 5 سنوات تركز على المكاسب السريعة، والثانية ( المستقبل). وهذا يؤكد أن الهيئة تعمل بقوة، وأنها قادرة على تحقيق كل ما يخدم مستقبل الدولة وتطلعات دبي لتكون أفضل مدينة للعيش على مستوى العالم، انطلاقاً من رؤية 2040 التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
الاستدامة الصحية
وبتسليط الضوء على ما تم تأسيسه في المنظومة الصحية التي تتميز بها إمارة دبي، نجد أن حزمة المشروعات والبرامج التطويرية التي تنفذها الهيئة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين، وخاصة القطاع الصحي الخاص، وكذلك مجموعة المشروعات الطموحة والأفكار المبتكرة التي استحدثتها الهيئة من أجل الاستعداد للخمسين عاماً، تصب في خدمة الأهداف الاستراتيجية الرامية إلى توفير أفضل أنظمة الرعاية والرفاه الصحي لأفراد المجتمع كافة، وللباحثين عن الصحة والحياة السعيدة من خارج الدولة، كما يصب كذلك في تحقيق الاستدامة والوصول إلى مستقبل صحة أفضل.
إنجازات متلاحقة
إن ملامح الاستمرار التنموي في المنظومة الصحية في دبي تشهد له الإنجازات المتلاحقة التي حددتها في خطتها الاستراتيجية التطويرية ( 2021/2016 )، حيث نفذت 15 برنامج، و 125 مبادرة ضمن الاستراتيجية الحالية. وفي مقدمة ذلك تطوير نموذج عمل للهيئة جاء ملائماً لمتطلبات المرحلة ومقتضيات المستقبل، في بنيته وتكوينه المستحدث، الذي ضم: مؤسسة دبي للرعاية الصحية، ومؤسسة دبي للضمان الصحي. كما أنها استثمرت التقنيات والحلول الذكية لتقديم خدمات جديدة خلال الفترة الماضية، إضافة إلى مجموعة من المشروعات الطموحة الكبرى، منها: مشروع الملف الإلكتروني الموحد (سامة)، ومشروع شريان، وبرنامج حصانة، إلى جانب الخطوات المهمة التي قطعتها الهيئة على طريق التقنيات والحلول الذكية والذكاء الاصطناعي في العديد من الخدمات، بينها خدمات فحص اللياقة الطبية (سالم AI)، وما تم إنجازه داخل المستشفيات من عمليات دقيقة ومعقدة، ابتداء من نجاح أول عملية نقل وزراعة الكلى في مستشفى دبي في بداية 2020 ، وصولاً إلى نجاح الجراحة المتقدمة لعلاج تشوه خلقي في العمود الفقري لجنين لم يتجاوز الستة أشهر في مستشفى لطيفة في نوفمبر 2020 . وهذا كله يؤكد أن المنظومة الصحية في دبي على أتم الاستعداد للوصول إلى مستهدفات الخمسين عاماً القادمة.
مبادرات مبتكرة
إن الإنجازات التي حققتها دبي ما هي إلا لبنة في بناء شامخ تتطلع إلى تطويره وتعزيزه دولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا يحتم استحداث نماذج رعاية صحية مبتكرة لتعزيز أنماط الحياة الصحية، وأنظمة رصد الوبائيات وأنظمة الوقاية ومكافحة الأمراض المعدية، وغيرها، والتوسع في استخدام التقنيات الحديثة والذكية، وتطويعها من أجل خدمة الناس. إضافة إلى أهمية مراعاة الاستدامة في الخطط التطويرية والاستثمار في الكفاءات البشرية، واستقطاب المزيد من الخبرات الطبية.
وقد أثمرت الجهود التطويرية التي أولتها الإمارة للنظام الصحي إجراء تحديثات وتطويرات مستمرة في المستشفيات، وتزويدها بالمزيد من أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ومنها: الأشعة، والمختبرات، والصيدليات، ومختبرات علم الوراثة، بجانب التوسع في الخدمات الطبية الرقمية والذكية، والتنمية المهنية المستمرة للتمريض.
الكشف المبكر عن الأمراض
أحرزت هيئة الصحة في دبي خطوات رائدة ومتقدمة في قطاع الرعاية الصحية، حيث تم التوسع في عمليات الكشف المبكر عن الأمراض، ولاسيما الأورام، والتوسع في خدمات (طبيب لكل مواطن)، التي شهدت طفرة مهمة بمعدل
%2800 ، فضلاً عن تقديم أكثر من 80 ألف استشارة طبية حتى نهاية العام 2020 .
تعقيم ذكي
برزت نجاحات القطاع الصحي في دبي واضحة المعالم خلال أزمة كوفيد 19 ، حيث واكبت الاستنفار العالمي بجملة من التحديثات والتطويرات التي كان من أبرزها استخدام الروبوتات الذكية في تعقيم المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها ضمن إجراءاتها الاحترازية لتعزيز سلامة الموظفين والمراجعين لمنشآتها الصحية، تزامناً مع العودة الكاملة لتقديم كافة الخدمات التشخيصية والعلاجية للمرضى.
الهيئة بدأت استخدام ثمانية روبوتات ذكية لإجراء عمليات التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية لجميع الغرف والممرات بمنشآتها الصحية، وذلك ضمن جهودها المستمرة لتبني أحدث التقنيات والأنظمة الذكية في عملياتها وإجراءاتها المتماشية مع خططها الاستراتيجية لمواكبة التطورات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تميزت تلك الروبوتات بقدرتها على التحرك التلقائي دون الحاجة للتدخل البشري وضمان تغطية أكبر وأفضل للمناطق كثيرة اللمس وبمدى 360 درجة، مع القدرة على إعادة العملية نفسها بدقة عالية مرات عدة، واعتماد معايير معينة لتعقيم جميع الغرف مع إعداد تقارير لإثبات تنفيذ التعقيم، إضافة إلى سهولة استخدام التقنية في روتين التنظيف والتعقيم اليومي بمساحات كبيرة، وسرعة تتراوح بين 10 و 15 دقيقة لتعقيم الغرفة الواحدة، ما أسهم في تقليل العدوى وتحسين الرعاية الصحية داخل المنشآت الصحية.